الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - الأمير شكيب أرسلان
هو الأمير شكيب بن الأمير حمود أرسلان، رفيق جمال الدين بمصر والقسطنطينية، وتلميذ محمد عبده ببيروت، وصديق رشيد رضا بمصر وجنيف 1286/ 1879 - 1366/ 1946 فهو لبناني. مولده بالشويفات، وتعلّم بمدرسة الحكمة ثم بالمدرسة السلطانية مع انتساب إلى محمد عبده، وتخرّج به في دروسه ومجالسه الخاصة. ولما بلغ أشدّه واستقبل الحياة كان لنشاطه وجهان: أحدهما إداري ثقافي، والثاني فكري جهادي. أما الأول فتقلُّبه في عديد من الوظائف في بلاده. فمن مدير للشويفات، وقائم مقام الشوف، إلى عضو نائب عن حوران بمجلس المبعوثان (البرلمان العثماني)، ومن شاعر وكاتب وأديب إلى عضو بالمجمع العلمي العربي بدمشق.
وأما الثاني فعمله الفكري الإصلاحي والجهادي، الذي قضى فيه طوال عمره، يُعنى في الدرجة الأولى بالمسائل السياسية كالمسألة الشرقية، والمسألة الإسلامية، والمسألة العربية. فلمع اسمه، وذاعت مقالاته وانتشرت كتبه. وكان له في كل منتدى أثر، وفي كل بلد عربي أو إسلامي وقع، بحكم دفاعه عن القضايا المقدسة، وبذله الجهد في الرد على القوى الاستعمارية وكشفه للمخططات الغربية، ومناداته بالتعبئة الكاملة لمواجهة التحدّيات واسترجاع العزة والكرامة وتحرير الأوطان.
عرف هذا عنه في كل بلد نزل به أو أرض وطئتها قدماه. وكان لكثير تنقُّله في البلاد بين لبنان ومصر، والقسطنطينية وطرابلس الغرب، وبلاد اليمن والمغرب، والبلاد الأوروبية وخاصة جنيف بسويسرة، مظهر بارز لنشاطاته، وسبب أكيد للإعلان عن مواقفه وآرائه. وقد نجد تفصيل ذلك كله في جملة من الدراسات والكتب التي نذكر في طليعتها محاضرات سامي الدهان عن الأمير شكيب التي ألقاها في معهد الدراسات العربية العالية في جامعة الدول العربية 1958، وكتاب أحمد الشرباصي أمير البيان شكيب أرسلان الذي أصدره 1963، وذكرى الأمير شكيب تصنيف محمد علي طاهر 1947 الذي يضم أكبر مجموعة من أقوال الأمير التي يتحدث بها الناس بعد وفاته، وخاصة أصدقاؤه وأصحاب الصلة به ممن جرى على قدمه أو أراد التعريف به.
هذا، وقد ارتسمت كل هذه الجهود وما أعربت عنه من اتجاهات فكرية، إصلاحية أو سياسية، في النوعين من إنتاجه واللونين من نشاطه. نلمس ذلك أولاً في ديوان شعره 1887، وفي الدرة اليتيمة لابن المقفع 1893، وفي رواية آخر بني سراج 1897، وفي رسائل أبي إسحاق الصابي 1898، وفي الحلل السندسية في الرحلة الأندلسية.
وثانياً في كتبه ومقالاته وتعليقاته واستدراكاته، مثل لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرُهم، وغزوات العرب في فرنسة وإيطالية وسويسرة، وكتاب ابن خلدون، وتمثّل الموسوعةَ أو المعلمة الإسلامية تعليقاتُه الضافية على حاضر العالم الاسلامي للمؤرخ الأمريكي لوثروب ستودارد. وهي التي ترجم فيها للعشرات من الرجال من ملوك وأمراء وقادة ومصلحين ومجاهدين وعلماء وأدباء
في العالمين الإسلاميين الآسيوي والإفريقي. وحديثه عن العالم الإسلامي أجزائه وأقطاره، أحواله ومذاهبه، وعن الجامعة الإسلامية التي آمن بها نظراً وفكراً، ودراستُه للمذاهب والمدارس الصوفية التي كانت مدارس تهذيب ونَشْرٍ للإسلام في البلاد النائية وخاصة في إفريقيا، وحديثُه عن الشرق والغرب، وعن اليقظة الإسلامية، وغير ذلك من القضايا الشائكة، والموضوعات الهامة التي وإن لم تتسع لها أحياناً تعاليقه على حاضر العالم الإسلامي، فإننا نجدها في المنار التي ظلَّ ينشر على صفحاتها طوال سبعة أشهر من سنة 1922، مثل مقالاته في الكشف والبيان حول مآسي الحرب الكونية.
كان شكيب أرسلان يتابع الأحداث ويتدبّر ما تفرزه من قضايا ومشاكل. فموقفه من الأتراك الذين انقسموا فئتين: واحدة وقفت إلى جانب الاتحاديين العثمانيين مع ألمانية، والأخرى مجافية ومعادية لها، ابتعدت عنها ودعت إلى تأسيس دولة غربية مستقلة، يدل على تقديره للظروف وعمق نظره في تطورات الوضع، وحكمه على الاتجاهين بالخيبة التي باءا بها حين استشرى الداء واقتسم الإنجليز والفرنسيس الأقطار أو الإيالات التي كانت تابعة للدولة العثمانية، وفرضتا عليها باحتلالها ألواناً من الاستعمار السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وهو من الدعاة العمليين النشيطين للجامعة الإسلامية، مَثَلُه في ذلك مَثَل صديقه محمد رشيد رضا.
ولئن كان وَضْع العرب سيئاً بسبب فقدانهم أسباب التقدّم، التي كانت ظاهرة مميّزة لهم، وتلطُّخِهم بالرذائل الأخلاقية التي تقصيهم عن حقائق الإسلام وأسرار تشريعاته، وبتنكرِهم للتربية الأخلاقية التي جاء بها الدين، ثم باستخذائهم وشعورِهم بالغلبة والقهر، وعدمِ القدرة على التجديد والبناء والعمران. فإنهم كانوا يحتاجون في نظره
إلى تغيير واقعهم بالأخذ بالتربية والتعليم، والتطلع إلى معالجة جملة من الجوانب؛ منها الديني العقدي، والتربوي الأخلاقي، ومنها الأوضاع السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية للعالم الإسلامي. وهكذا نجد الأمير شكيب يلخّص آراءه وجملة أصول دعوته في نقاط لا بد من الوقوف عندها والتأمل فيها؛ وهي تلك التي أودعها تقديمه لكتاب حاضر العالم الإسلامي الذي نسب إليه حيث غلب الفرع أصله وتقدّم به المعلِّق على واضعه.
فهو يصور أولاً المجتمع الإسلامي بالوضع الذي تردّى فيه بسبب الحملة الصليبية وما تبعها من عداء جنسي عرقي، وتكالب استعماري، قائلاً:"فالعالم الإسلامي الذي لا يزال محورَ سياستهم قهرهُ وإعناته، وتجريدُه من السلاح بكل وسيلة، والحيلولةُ بينه وبين الاتحاد والتماسك بكل حيلة، احتياطاً من وراء رسفانه في قيوده الحاضرة، وأماناً على ديمومة خنوعه لسلطتهم القاهرة، لا يصح أن يُقال إنه بلغ من النهضة الدرجة التي تكفل له حطم سلاسله المثقلة، واسترداد ممالكه العريضة الطويلة، واستئناف معاليه الخالية، ومصيره مع العالم الأوروبي إلى حالة متساوية"(1).
ثم يؤكد ذلك بذكر نتائج هذا الوضع القائمة إلى اليوم في أطراف العالم الإسلامي، فيدعو إلى التغيير بالعمل الجاد، والتصدّي للأعداء، والثبات على الحق:
"نعم صار المسلمون، إلا الأقل منهم، إلى زمان لا تغني عنهم كثرتهم شيئاً، بل صارت الفئة القليلة من غيرهم تتحكم في الفئة الكثيرة منهم
…
وراح الأجنبي يفتح بلدانهم بهم، ويسلط بعضهم
(1) حاضر العالم الإسلامي: مقدمة ط (1): ز - ح.
على بعض، ويقتل هذا بذاك مستفيداً من قتل الاثنين
…
وإذا سألت أحدهم: لماذا إعطاء هذه المقادة كلها، واقتحام الموت في سبيل الأجنبي الذي تَغَلَّبَ عليه؟ أجابك أنه إنما يساق إلى الموت رغماً. والحال أن الموت الذي يخشاه في عصيان الأجنبي هو ملاقيه في طاعته! فهو من خوف الموت في موت، ومن حذر العذاب في أشد العذاب. فلا بد لاستقلال الإسلام من زوال هذه الأوهام، ولا بدّ من انتشار المعارف التي لا تجتمع مع الذل في مكان. ولا تبرح دون تلك الغاية مصاعبُ وقُحم، ومصائبُ وغُمم، وليالٍ مظلمة طوال، ومعارك تشيب لها ذوائب الأطفال" (1).
وبروح المجاهد المؤمن يرد على مكائد المثبّطين الداعين إلى اليأس والقنوط والرضا بالدون، فينفي مقالاتهم ويبطل دعاويهم:"ومِن أعظمِ الخطأ الظن بأن الشرق لا يلمّ على شعث، وأن آسية وإفريقية لن تنهضا من عثار، وهما ثلثا العالم. ولقد سار الشرق في مدة وجيزة عقبات جياداً، واجتاز أزمات شداداً، وهو ماضٍ في سيره إلى الأمام. لا سبيل بعد اليوم إلى تعويقه، ولا حاجز يمكن أن يقف في طريقه، بدسائس تُلْقَى، ومبالغ سرية تُنفق، وأخلاق تُفسد، وذمم تُشترى، وأشراك تُبَث، وأسياف تُسَل. ولا المحلّقات في الجو تقدر على كم الأفواه، ولا الغازات السامة تقوى على إطفاء نور الله. ولا تزيد هذه الوسائل تلك الأمم المستضعفة إلا شوقاً إلى الحرية، ونداء إلى الثارات، وإصراراً على الضغائن. ومهما يكن من حيل العباد فللكون سَنن هو سائره، ولله أمر هو بالغه"(2).
(1) حاضر العالم الإسلامي: مقدمة ط (1): أ. ح.
(2)
المصدر السابق: مقدمة ط (1): ط.
وفي نهاية تلك المقدمة يقرر الأمير شكيب أن نهوض الشرق هو الشرط الأول في سؤدد السلام، وراحة الأنام، وحقن الدماء الحرام، وحفظ موازنة العالم واستواء الأقسام. ويلتفت إلى المستضعفين داعياً إلى أسباب النهضة وموجبات القوة والمنعة قائلاً: "فلا مندوحة للأمم الشرقية عن الاقتداء باليابان في التماس المنعة، ومضارعة الدول الغربية في ارتياد العلم واقتباس الصنعة، حتى إذا قرع النبع بالنبع، ووقع النصل على النصل اقتنع كلٌّ بدياره، وأمسك الجار عن هضم جاره
…
فليحرص الشرقيون من كل فريق أن يكونوا أُولي قوة مانعة، وأن يوحّدوا كلمتهم فيجعلوها كلمة جامعة. فإنّ بقوتهم خلاصَ الغرب والشرق، والإدالة من الحرب إلى السلم، ومن الباطل للحق، بفضل الله وكرمه" (1).
* * *
(1) حاضر العالم الإسلامي: مقدمة ط (1): ك.