الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاجتها المادية والروحية معا، وليس ثمة طريق يبلغ بالإنسان إلى كماله المنشود، وصلاحه المرجو، وبالتالي سعادته المأمولة، غير طريق الإيمان.
ابن القيم ومفهوم الأخلاق:
لم يضع ابن القيم تحديدا أو تعريفا حدّيّا للأخلاق وإنما عرّفها بالمثال، وقسمها إلى قسمين هما:
الأول: الأخلاق المذمومة.
الثاني: الأخلاق الفاضلة.
وأرجع كلا القسمين إلى أصوله فقال: أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة «1» ، ثم أشار- رحمه الله تعالى- إلى أن للأخلاق حدودا «2» متى جاوزتها صارت عدوانا، ومتى قصرت عنها كانت نقصا ومهانة.
وعلى سبيل المثال فللشجاعة حد إذا جاوزته صارت تهورا، ومتى نقصت عنه صارت جبنا وخورا.
وقد اقتفى ابن القيم أثر شيخه ابن تيمية في الربط بين الإيمان والأخلاق وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين تقوى الله وحسن الخلق، وفسّر ذلك بقوله «لأنّ تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته» «3» .
تعريفات الأخلاق عند المحدثين:
تعرف الأخلاق عند المحدثين بأنها «تصور وتقييم ما ينبغي أن يكون عليه السلوك متمشية في ذلك مع مثل أعلى أو مبدأ أساسي تخضع له التصرفات الإنسانية ويكون مؤازرا للجانب الخيّر في الطبيعة البشرية» «4» .
ويرى عبد الودود مكروم أن الأخلاق هي «مجموعة القواعد السلوكية التي تحدد السلوك الإنساني وتنظمه، وينبغي أن يحتذيها الإنسان فكرا وسلوكا في مواجهة المشكلات الاجتماعية والمواقف الخلقية المختلفة، والتي تبرز المغزى الاجتماعي لسلوكه بما يتفق وطبيعة الآداب والقيم الإجتماعية السائدة» «5» .
ويذهب عبد الرحمن الميداني: إلى أن الخلق «صفة مستقرة في النفس فطرية أو مكتسبة ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة» ، «فالخلق منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، والإسلام يدعو إلى محمود الأخلاق، وينهى
(1) ابن قيم الجوزية، الفوائد، ص 197، ومعنى التعريف بالمثال أنه أشار إلى نوعي الأخلاق المحمودة والمذمومة، وكأنه قال: الأخلاق المحمودة ما كان مثل الخشوع، والأخلاق المذمومة ما كان مثل الكبر.
(2)
المرجع السابق نفسه، ص 192- 193.
(3)
المرجع السابق نفسه، ص 74- 75.
(4)
حسن الشرقاوي: نحو الثقافة الإسلامية، ج 1، القاهرة، دار المعارف، 1979 م، ص 238.
(5)
عبد الودود مكروم: «دراسة لبعض المشكلات التي تعوق الوظيفة الخلقية للمدرسة الثانوية» رسالة ما جستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة المنصورة، 1983 م، ص 22.
عن مذمومها» .
ويفرّق بين الصفات الخلقية والغرائز، فيقول:«وليست كل الصفات المستقرة في النفس من قبيل الأخلاق، بل منها غرائز ودوافع لا صلة لها بالخلق، ولكن الذي يفصل الأخلاق ويميزها عن جنس هذه الصفات كون آثارها في السلوك قابلة للحمد أو للذم، فبذلك يتميّز الخلق عن الغريزة ذات المطالب المكافئة لحاجات الإنسان الفطرية» .
نخلص مما سبق إلى عدة أمور:
1-
أن مبحث الأخلاق من المباحث العلمية الهامة والعظيمة التي اهتم بها العلماء المسلمون على اختلاف تخصصاتهم العلمية وما يزال هذا البحث من أهم المباحث على المستوى الفكري الإسلامي وغير الإسلامي مع اختلاف في الفهم.
2-
أن فهم الخلق بمقتضى اللغة، والتحديدات التي اصطلح عليها العلماء لا يخرج عن المعاني التالية:
- السجية أي الطبيعة المتمكنة في النفس سواء كانت حسنة أو قبيحة.
- العادة والطبيعة، والدين والمروءة.
- ملكة تصدر الأفعال بها عن النفس بسهولة من غير تفكير ولا روية وتكلف.
- صفة مستقرة في النفس ذات آثار في سلوك الفرد والمجتمع قد تكون محمودة أو مذمومة.
3-
أن الأخلاق تعكس مجموعة من التصورات الأساسية التي يعتنقها الناس، ويصوغون حولها
(1) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: الأخلاق الإسلامية وأسسها، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم، 1399 هـ- 1979 م، ج 1، ص 7- 8.
منظومات أخلاقية، نابعة من نفس التصورات تشكل الممارسات الخلقية.
4-
أن الأخلاق تعتمد على:
- النظرة الإنسانية بإمكانياتها، وهو ما يسمّى عند البعض بالنور الفطري.
- الوحي السماوي ومحدداته الخلقية، وهو هنا الإسلام (قرآنا وسنة) . وباجتماع الأمرين ينتج الخلق الإسلامي الرفيع، ذلك أن الناس محتاجون على وجه التحديد إلى قاعدة صالحة للتطبيق على نظرته. ولهداية ضمائرهم، ولا أحد يعرف جوهر النفس، وشريعة سعادتها وكمالها، مع الصلاحية الكاملة، والبصيرة النافذة، غير خالق وجودها ذاته: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك/ 14)«1» .
5-
أن الأخلاق الإسلامية التزام بما ورد في القرآن والسنة من إلزامات وتوجيهات إلهية تقتضي رفعة الإنسان والسمو به إلى آفاق علوية، وتحقيق إنسانية الإنسان بما هو على فطرته.
6-
ويستلزم الالتزام الخلقي من الإنسان:
- معرفة فطرية بالمبادىء الخلقية الأساسية، والتصورات المنبثقة عنها.
- المعرفة العملية للأحكام الخلقية، والأدوار والمهارات اللازمة للحياة في المجتمع.
- الوعي الخلقي ليفكر الإنسان ويحكم بشكل خلقي ويتصرف طبقا لهذا الحكم.
- الخبرة الموجبة للالتزام بالأحكام الأخلاقية التي تسهل السلوك الخلقي وترغّب فيه.
وبهذه الأمور الأربعة يمكن أن يشكل خلق الإنسان تشكيلا جيدا.
7-
أن الأخلاق لا يمكن أن تكون نتاج عقل، فالعقل يستطيع أن يختبر العلاقات بين الأشياء ويحددها، ولكنه لا يستطيع أن يصدر حكما قيميّا عند ما تكون القضية قضية استحسان أو استهجان أخلاقي، ذلك أن التحليل العقلي للأخلاق يختزلها، إلى طبيعة، وأنانية وتضخيم للذات، ويكتشف العقل في الطبيعة مبدأ السببية العامة الكلية والقدرة، وفي الإنسان الغرائز، التي تؤكد عبودية الإنسان وانعدام حريّته. إن محاولة إقامة الأخلاق على أساس عقلاني لا يستطيع أن يتحرك أبعد مما يسمّى بالأخلاق الاجتماعية أو قواعد السلوك اللازمة
للمحافظة على جماعة معيّنة، وهي في واقع الأمر نوع من النظام الاجتماعي «2» .
ويؤكد هذه الفكرة الشيخ محمد عبد الله دراز، بقوله: «فإذا ما قيل لنا إننا نحن الذين نشرع لأنفسنا، بوصفنا
(1) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن الكريم، ترجمة عبد الصبور شاهين، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1393 هـ- 1973 م، ص 33- 34.
(2)
علي عزت بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس، ط 1، الكويت، مجلة النور، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلان والخدمات، 1414 هـ- 1994 م، ص 186.