الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب- جماعة الأقران:
بمرور الأيام، وتقدم عمر الطفل تتحول ميوله من الأسرة إلى الالتحاق بجماعات الرفاق على أساس من تقارب السن، فجماعة الأقران أو الرفاق، تكوين طبيعي ينشأ من اختلاط الأطفال ببعضهم في إطار العائلات أو الحي أو الشارع الذي يسكنون فيه، والناشىء بنزعته الاستقلالية يندمج مع هذه الجماعة، ويؤدي به الأمر إلى مجاراة ما يسود بينهم من قيم ومعايير.
ويقضي النشء وقتا طويلا مع هذه الجماعة، خارج المدرسة وداخلها، الأمر «الذي يؤثر في سلوكهم واتجاهاتهم تأثيرا كبيرا، وكذلك في قدرتهم على التعلم» «1» .
وجماعة الأقران أو الرفاق أكثر «من مجرد جماعة من الأصدقاء يهتمون بأمورهم الخاصة وعلاقاتهم المتبادلة فحسب، بل تعتبر كذلك، بمعنى خاص معين، جماعة يتدخل فيها الكبار ويحددون مركز كل طفل والغرض من المحافظة على بقاء هذه المراكز» «2» . وتلعب هذه الجماعة دورا بالغ الأهمية في إكساب الناشىء القيم، نظرا لأنها تضم جماعة متناسقة من حيث العمر، ومن ثم يتمكن الناشىء من اكتساب خبرات وقيم معينة لا يمكن اكتسابها داخل الأسرة، وتنجح جماعة الأقران في نقل قيم متميزة للأفراد، كما يمكنها أن ترسخ قيما سائدة في المجتمع «3» .
وكذا يمكنها أن تحطم قيما سائدة في المجتمع أيضا «4» .
فجماعة الأقران ناتج اجتماعي يتكون على أساس فئات السن، لإشباع حاجات محددة، ومعنى هذا أنها تقوم بوظيفة شرعية في نمو الطفل وإكسابه القيم السائدة في المجتمع. ومن أهم ما تقوم به هذه الجماعة في هذا المجال: الاعتراف بحقوق الآخرين، وهنا تنمو صيغة الواجب، ومعايير التصرف السليم بتلقائية كما أنها تقوم بدورها كأداة من أدوات الضبط، ذلك أن هذه الجماعة تتكون من أشخاص متكافئين، تقوم بينهم علاقات ودية وثيقة، ويسود بينهم التآلف، ويتوحد فيها الأعضاء بعضهم ببعض فتكون النتيجة أن يصبح الأعضاء شديدي الحساسية لموافقة الآخرين أو اعتراضهم، وهذا يعني شدة الضغوط التي تفرضها الجماعة على الفرد «5» ، وهكذا تساعد جماعة الرفاق في ضبط الاتجاهات وتكوين القيم، وتصحيح السلوك المتطرف أو
(1) محمد مصطفى الشعبي: علم الاجتماع التربوي في اجتماعيات التربية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1978 م ص 76.
(2)
محمود حسن، الأسرة ومشكلاتها، بيروت، دار النهضة العربية، 1981، ص 430.
(3)
انظر: محيي الدين أحمد حسين، مرجع سابق، ص 63، 64.
(4)
انظر: محمود حسن، مرجع سابق، ص 430، 431، 435، 436.
(5)
المرجع السابق، ص 444، 445.
المنحرف بين أعضائها.
كما أنها أداة من أدوات توفير الأمن والاطمئنان الجسمي والنفسي، كما أنها تكون وحدة ثقافية خاصة ومتميزة، أي يكون لكل جماعة مجال محدد للنشاط والميول، ومجموعة معينة من القيم والاختيارات والتفضيلات تتضافر فيما بينها ويتكون منها النمط الاجتماعي للجماعة «1» .
ومن المهم الإشارة إلى أن جماعة الرفاق تعتبر انعكاسا لثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه، وتتبلور فيها قيم المجتمع التي يؤمن بها، فالناشىء ينقل إلى هذه الجماعة ثقافة أسرته وثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه، وبالجملة فإن جماعة الرفاق من أهم الجماعات التربوية المؤثرة في نقل القيم وغيرها من المكونات الثقافية للمجتمع، ولذا تعتبر وسطا مهمّا جدّا في هذا المجال.
ولهذه الأهمية فقد حظيت باهتمام خاص من توجيهات الإسلام، ومفكريه ورجالات التربية الإسلامية، ففي صلاحها صلاح الفرد، وصلاح الفرد صلاح لها، ونجد توجيهات إسلامية واضحة تدعو الآباء والأمهات والمربين إلى العناية بتوجيه أبنائهم إلى اختيار رفقائهم من الأخيار الصالحين دينا وخلقا وسلوكا حتى يقتدوا بهم، ويكتسبوا منهم الصفات الحميدة والخلال الفاضلة، وأن يجنبوهم مخالطة الأشرار حتى لا يقلدوهم ويسلكوا طريقهم المعوج «2» .
وبتوجيه عام نقرأ في القرآن آيات عن أهمية الصحبة والرفقة، تؤكد ما ذهبنا إليه، يقول الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا «3» . الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ «4» . وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ* فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ «5» .
وعن أبي سعيد- رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» «6» . وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» «7» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا
(1) المرجع السابق، ص 448، 449.
(2)
عبد الحميد السيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1984 م، ص 776.
(3)
سورة الفرقان: 27، 28.
(4)
سورة الزخرف: 67.
(5)
سورة الشعراء: 99- 101.
(6)
حديث حسن، انظر: البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، ج 3، ص 381، حديث رقم 3902.
(7)
حديث حسن غريب، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، المرجع السابق، ص 382، حديق رقم 3903.