الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ- وسائل الإعلام:
تقوم وسائل الإعلام والاتصال بدور بالغ الخطورة والأهمية في حياة الناس بعامة، وفي حياة الناشيء بصفة خاصة، فقد احتلت مركزا بالغ الأهمية لديهم، حتى إنها أصبحت- في كثير من الأحيان- بديلا عن الكتاب من مؤسسات التربية والتعليم والتثقيف.
ولأنها تقدم مواد متنوعة ومختلفة فإن تأثيرها في مجال تنمية المفاهيم والقيم والاتجاهات بالغ الأهمية، فهي تنقل إلى الناس معتقدات واتجاهات وقيما، في شكل قصة أو في شكل أنماط سلوكية قد تحظى بالقبول وقد ترفض، ومن خلال وسائل الإعلام هذه يتلقى الناشئة تلك المعتقدات والاتجاهات والقيم، والتي من المفروض أن تكون متوافقة مع ما يرتضيه المجتمع الذي تنتمي إليه وما ترتضيه ثقافته، وأن تعرض المثل الأعلى المنشود في هذا المجتمع أو ذاك، وبمعنى آخر: أن تعكس أهداف المجتمع من الإنسان والحياة.
ولأن وسائل الإعلام متنوعة ومتعددة، فإنه يمكن أن ننظر إليها في ضوء وظائفها الأساسية والمتمثلة فيما يلي:
1-
إضفاء المكانة: فوسائل الاتصال تلقي الضوء على بعض الحركات والقضايا العامة والأشخاص والمؤسسات، وتؤيدها أو ترفضها مما يضفي عليها مكانة أو يؤثر في مكانها سلبيا.
2-
تقويم ثقافة المجتمع ومعاييره: إذ أن لها من القوة في استثارة العمل الاجتماعي المنظم وفقا للمعايير الأخلاقية والمثالية في المجتمع، ولو حدث انحراف ما عن هذه المعايير تقوم تلك الوسائل بالتنبيه عليه، حيث تقوم بإعلام أفراد المجتمع به وبحقائقه وبأساليب مواجهته كي تتفق الأنماط السلوكية للناس مع المعايير الاجتماعية المقبولة.
إن هذه الوسائل تفرض ضغطا كبيرا للوقاية من مظاهر الانحراف عن المعايير والقيم، لإعادة تثبيتها ودعمها وتطبيقها، وجعلها في بؤرة الوعي الاجتماعي ولب اهتماماته.
3-
تنمية الذوق العام: حيث تقوم بتنمية الإحساس بالجمال في الحياة، وكذا جمال النفس الذي يستطيع الإنسان به أن يرى الوجود جميلا، وكذا تنمية الذوق العام في السلوك العام في الأماكن العامة والالتزام بمعايير المجتمع وقيمه.
4-
خدمة المجتمع: وهي في هذا تساعد وتكمل عمل التربية، فهي تعمل على تشكيل الشخصية الإنسانية القادرة على تحقيق التقدم والتنمية، وذلك عن طريق بيان أهمية العمل وتغيير المفاهيم السائدة التي لا تصلح لمسيرة المجتمع، وتقديم المعلومات التي تفيد في هذا المجال، وهي تخدم قضية التغيير الثقافي والاجتماعي.
كما أن هذه الوسائل في عملية التطبيع الاجتماعي، عن طريق نقلها لأنماط السلوك المقبولة ومساندتها، وبالتالي يكتسبها الناس صغارا وكبارا ويحتضنونها من خلال تلك الوسائل، وبالتالي تؤثر في تكوين الشخصية، وتساعدها على التكيف للمواقف والخبرات الجديدة «1» .
وتساعد عدة عوامل على إحداث التأثير الكبير في الشيء، من هذه العوامل: التكرار، والجاذبية والمشاركة، ولا نريد أن نستفيض في هذا المجال، لأن المقام لا يسمح، ولكن عوامل تأثر النشء بالمواد الإعلامية- وخاصة التليفزيون- يستحق منا التركيز. ويمكن ذكر تلك العوامل فيما يلي:
1-
الاستيعاب: ومعناه: امتصاص المواد المبثوثة في وسائل الإعلام لما تنطوي عليه من مغريات فنية وأدبية وإخراجية، وكلما تكررت المادة بصورة أو أخرى زاد الاستيعاب.
2-
التقليد: وخاصة بين الصغار، فالصغير يقلد النماذج التي تعرض له، ويتوقف التقليد على بيئة الناشىء، وعلى ردود الفعل لدى أفراد هذه البيئة تجاه ما يقرأونه ويشاهدونه.
3-
التقمص: وهو حالة نفسية واجتماعية تتوحد خلالها شخصية المشاهد أو القارىء مع النماذج التي تقدم له من خلال وسائل الإعلام، ويستخدم المتلقي التقمص كوسيلة لإرضاء أو إشباع الحاجات الأساسية «2» .
إن أهمية وسائل الإعلام قد غدت واضحة في مجال التربية، والأمر كذلك، فإنها تقوم على قيم معينة، هي قيم المجتمع الذي نعيش فيه، وهي إما أن تساعد على تثبيت هذه القيم ودعمها، وإما أن تعمل ضدها، بحيث تغرس في نفوس الأفراد قيما أصيلة جيدة، أو تخلع منها قيما رديئة وتغرس محلها قيما أخرى جيدة، وهذا يعود بالتأكيد إلى القائمين على أمر هذه الوسائل ومدى فهمهم لثقافة المجتمع ومعاييره وقيمه.
وقد تستخدم هذه الوسائل استخداما سيئا يعطل في الإنسان عقله ووجدانه، واهتمامه بالقيم مما يؤدي إلى حالة من الركود والخمول واللامبالاة، أو ما يسمى بعدم الاهتمام أو الاهتمام الظاهري الكاذب بمشكلات المجتمع، فكما أن لها استخداماتها الفعالة، فإن لها استخدامات ضارة أيضا، خاصة إذا ما وجهت توجيها ضد قيم المجتمع الأصيلة، فهي في هذه الحالة تهدم ولا تبني.
ومن الملاحظ في حياتنا تسرب ظواهر معينة من خلال وسائل الإعلام، كإشاعة العنف، والهروب من الواقع، والاستغراق في الخيال، والسلبية، والتقليد الأعمى، وغير ذلك وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه، وتؤكده دراسات
(1) راجع كافيه رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 252، 253.
(2)
راجع عبد اللطيف هوانة، مرجع سابق، ص 126، 127.
متعددة عن الأثر السلبي لوسائل الإعلام «1» . فهذه الوسائل قد تصبح معوّقا كبيرا- في بعض مواقفها- لتنمية الإنسان وقيمه المنشودة، وفي هذه الحالة لا بد أن نعي أن الإعلام في هذا الوضع يشكل معوّقا وخطرا على القيم، ويكمن هذا في التناقض الأساسي بين القائمين على الإعلام، أو بعضهم وبين الأغلبية الساحقة في المجتمع صاحبة المصلحة الحقيقية في تنمية القيم الإسلامية الدافعة نحو التقدم والتغيير الهادف البناء تجاه أهداف الإسلام «2» .
وتزداد خطورة وأهمية وسائل الإعلام في مجال تنمية القيم، وذلك مع ما يمر به المجتمع العربي والإسلامي من ظروف التغير وسرعته ومن انفجار سكاني ومعرفي، وما يعانيه الإنسان من فراغ، واهتزاز في نظم العلاقات الاجتماعية الناتج عن اهتزاز القيم لدى الأفراد والمجتمعات، وما يتطلبه هذا المجتمع من جهود تنموية تدفعه نحو التقدم ليعبر هوة التخلف المادي التي يعاني منها، والتي تتطلب تنمية القيم اللازمة لمساندة هذه الجهود لتحقيق إنسانية الإنسان وتوفير جهده وحفظه وحفظ كرامته.
ولكل هذا نقول إن خطورة وأهمية وسائل الإعلام في مجال تنمية القيم الإسلامية المعبرة عن حركة المجتمع الإسلامي واضحة، فهي تقوم بدور رائد وفعال في هذا المجال، ولكي تكون هذه الوسائل أكثر فعالية، فإنه من اللازم عليها:
1-
أن تنبثق رسالتها من تصور إسلامي خالص، وبطريقة متكاملة مع بقية الوسائط الأخري، حتى تتضافر الجهود في سبيل تقديم القيم الخلقية الإسلامية الخالصة.
2-
أن تخضع لتنظيم وتخطيط متكامل شامل لإيصال القيم الخلقية الإسلامية الخالصة للناس كافة بأسلوب عصري يعتمد على العقل والمنطق، وبكافة الأساليب الممكنة، ولا بد أن يأتي هذا التخطيط على أساس دراسة الواقع وفهمه فهما جيدا ومن ثم تتحدد الأهداف التي تسعى إليها وسائل الإعلام في هذا المجال.
3-
أن تستخدم الحكمة في مخاطبة الناس، فتأتيهم من جانب اهتماماتهم وآلامهم اليومية مع انتقاء الكلمة الطيبة التي تفتح أقفال العقول والقلوب، التزاما بالتوجيه القرآني الكريم: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ «3» . فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا
(1) انظر في هذا المجال: نور الدين عبد الجواد، الإعلام والرسالة التربوية، في: ماذا يريد التربويون من الإعلاميين، الجزء الثاني، الرياض، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1404 هـ- 1984 م، ص 205.
(2)
انظر: محمد سيد محمد، الإعلام والتنمية، الطبعة الثالثة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1405 هـ- 1985 م، ص 279- 289.
(3)
سورة النحل: 125.
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «1» .
4-
أن تتصدى للقيم والاتجاهات الهابطة التي تقدم بقصد أو عن غير قصد في المادة الإعلامية، بهدف التشكيك في القيم الإسلامية، بل في الإسلام كله، وهنا لا بد من استخدام الحجة والبرهان مع الصراحة والوضوح، وحسن البيان مع الالتزام بالأدب في القول.
5-
أن تعمل على إيجاد كوادر إعلامية مسلمة، تقدم المادة الإعلامية، وتبدع من أجل إيصال القيم الإسلامية لكل فرد في المجتمع الإسلامي وبصورة مناسبة ومشوقة، وتستطيع توجيه الناس إلى الإسلام الصحيح للإفادة به على نطاق واسع ومفيد.
6-
أن تعمل على تكريس الطاقات المسلمة وتكثيفها، فكرا وثقافة وعلما واقتصادا، وأن تحشدها في سبيل تقديم ما يفيد المسلمين في دنياهم وأخراهم، مع تكييف الدعوة للقيم الإسلامية عن طريق الكلمة المسموعة أو المقروءة أو المرئية، والمعبرة تعبيرا صادقا عن القيم الإسلامية الصحيحة.
7-
أن تعمل على توفير القدوة الحسنة إعلاميا والملتزمة بالقيم الإسلامية والصادقة مع نفسها وربها، والموجهة جهودها نحو الخير، المجانبة للكلمة النابية والعبارة الخارجة، وذلك لأن هذه الوسائل تؤثر في الإنسان وخاصة ميله للتقليد والمحاكاة والتي لها تأثير فعال في ميدان الإعلام، وميدان التربية والتعليم على السواء، لذلك يعتمد عليها رجال هذه الميادين كلها بدون استثناء.
فرجال الإعلام ينظرون إلى القدوة الحسنة على أنها من وسائل الإعلام، تغني في ذاتها عن بذل الجهود الإعلامية في سبيل دعوة ينشرونها أو فكرة يدعون إليها، أو عقيدة أو سياسة جديدة ينشرونها، ونحو ذلك لذا فإن «القدوة الحسنة هي من أنجح الأساليب والوسائل للاتصال بالناس» «2» .
8-
أن تركز باهتمام بالغ على برامج الأطفال بوجه خاص، بحيث تقدم لهم القيم الإسلامية بصورة مبسطة تعتمد على المواقف الحياتية والإسلامية وخصائصها، متفتحة على العصر بأسلوب سهل ميسر، بحيث يساعد على تكوين وتنمية ذاتيتهم الإسلامية العربية فيعتزون بالقيم الإسلامية ويعملون على المحافظة عليها بالقول والسلوك.
9-
أن تركز باهتمام على برامج المرأة المسلمة، وتقدم لها كافة ما يهمها، وبصورة تتمكن معها المرأة المسلمة قارئة وغير قارئة من الاستفادة من هذه البرامج، ذلك لأن المرأة هي أخطر عامل مؤثر في تنمية القيم لدى الطفل المسلم.
(1) سورة آل عمران: 159.
(2)
عبد اللطيف حمزة، الإعلام في صدر الإسلام، الطبعة الثانية، القاهرة، دار الفكر العربي، 1978، ص 74.
هذه هي أهم الوسائط التي يناط بها تنمية القيم الإسلامية، وهذه هي الصورة التي ينبغي أن تكون عليها تلك الوسائط لتقوم بوظيفتها، أو تبدأ بأدائها، حاولت توضيحها حتى لا تفقد قيمتها، وحتى لا تقع في تناقضات تفقدها ثقة الناس بها، وحتى لا تصبح عبئا ثقيلا على المجتمع الإسلامي، بحيث تقع في جانب الاستهلاك المرذول بدلا من أن تكون في جانب الإنتاج المطلوب، وبحيث يتكامل بعضها مع بعض وبطريقة شاملة منسقة مع أهداف المجتمع الإسلامي المتشوق بدور حضاري جديد مبني على القيم الإسلامية الصحيحة الدافعة نحو التقدم والتحضر والرقي والتنمية الصحيحة.
إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، بل هو أمر جد صعب وجاد، يحتاج إلى جهد وجهاد للعبور فوق التخلف، لبناء إسلامي صحيح، والدفاع عنه بكل ما يستطاع بطريقة مدروسة ومخططة تخطيطا جيدا.
إن الأمر أوسع مما يتصور، وأخطر مما نقدر، ومن حجم هذه الكلمات، إن الجهد المبذول من أجل تقدم المجتمعات العربية الإسلامية لن يكون ذا جدوى إذا لم تواكبه حركة قوية في بناء وتنمية القيم الإسلامية التي بإمكانها أن تحفظ هذا الجهد فلا يضيع وتحفظ الإنسان الذي يبذل هذا الجهد من الضياع والعدم والاغتراب والاستلاب واللامبالاة، ولذا فإن القيمة الحقيقية لتلك الوسائط وهذه الوسائل هي في الالتزام بتلك القيم والمحافظة عليها ورعايتها في أعماق الإنسان الذي تحاول أن تبنيه، وهي في هذا تستجيب استجابة حقيقية لحاجات الإنسان في هذه المجتمعات، وتنسق مع إمكانياته، وقدراته وتفجرها تفجيرا من أجل خيره وخير الإنسانية.