الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «1» . وبذلك أفشلت جميع محاولات اليهود الدعائية الواسعة للتشكيك في القبلة.
غزوة بدر الكبرى:
لم يكن المسلمون قد اشتبكوا مع قريش بشكل حاسم حتى تاريخ هذه الغزوة، وذلك ما أتاح لقريش مواصلة إرسال قوافلها التي كانت تمثل شريان الحياة لاقتصادها، ويلاحظ أن قريشا استشعرت الخطر فأخذت تهيىء لقوافلها حراسات شديدة وكثيفة، وتنوع الطرق التي تسلكها. وكان المسلمون يرصدون تحرك القوافل القرشية وتتجمع لديهم الأخبار عن محتواها وبضاعتها وحراساتها والطرق التي تسلكها.
بلغ المسلمين تحرك قافلة تجارية كبيرة من الشام وهي تحمل أموالا عظيمة «2» لقريش يقودها أبو سفيان ويقوم على حراستها بين ثلاثين وأربعين رجلا «3» ، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بسبس بن عمرو «4» لاستطلاع أخبار القافلة، فلمّا عاد بسبس بخبرها ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج متعجلا بمن كانوا على استعداد دون أن ينتظر تهيؤ الآخرين ممن أبدى رغبة في الخروج، حرصا منه على ألّا تفوتهم القافلة «5» ، وكلّف عبد الله بن أم مكتوم بالصلاة بالناس في المدينة عند خروجه إلى بدر، ثم أعاد أبا لبابة من الروحاء إلى المدينة وعيّنه أميرا عليها «6» .
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه «7» إلى بدر طليعة للتعرف على أخبار القافلة، فرجعا إليه بخبرها «8» ، وقد حصل خلاف بين المصادر الصحيحة حول عدد الصحابة الذين رافقوا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته هذه إلى بدر، ففي حين جعلهم البخاري «بضعة عشر وثلاثمائة» «9» ، يذكر مسلم بأنهم ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا «10» ، في حين ذكرت المصادر أسماء ثلاثمائة وأربعين من الصحابة البدريين «11» . غير أن علينا أن نتذكر بأن قوات المسلمين هذه التي صاحبت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى بدر لا تمثل الطاقة العسكرية القصوى للحكومة النبوية، ذلك أنهم إنما
(1) القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 177.
(2)
قدرت قيمة البضائع التي تحملها القافلة بخمسين ألف دينار، انظر: الواقدي- المغازي 1/ 200، البلاذري- أنساب الأشراف 1/ 312.
(3)
ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 107.
(4)
ورد الإسم في صحيح مسلم بصيغة التأنيث مصحّفا إلى «بسيسة» ، وصححه ابن حجر في الإصابة 1/ 151.
(5)
مسلم- الصحيح (شرح النووي 12/ 84 حديث 1157) .
(6)
الحاكم- المستدرك 3/ 632. ابن كثير، البداية والنهاية 3/ 260.
(7)
وهما عدي بن الزغباء، وبسبس بن عمرو، انظر ابن سعد- الطبقات 2/ 24.
(8)
ابن سعد- الطبقات 2/ 24 بإسناد صحيح.
(9)
فتح الباري 7/ 290- 292.
(10)
مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 84) وتذكر الرواية وهي عن طريق الزبير بن العوام وقد شهد الموقعة بأن منهم مائة من المهاجرين والباقي من الأنصار، في حين ذكر البراء بن عازب أن المهاجرين كانوا يزيدون على الستين وأن الأنصار يزيدون على أربعين ومائتين (فتح الباري 7/ 290- 292، 324- 326) .
(11)
مثلا: ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 314، وكذلك كتب الطبقات لابن سعد وخليفة بن خياط العصفري.
خرجوا لاعتراض قافلة تجارية واحتوائها، يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين:«هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ الله ينفلكموها» «1» ، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب والتي بلغ تعدادها ألفا «2» ، معهم مائتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه «3» ، في حين لم يكن مع القوات الإسلامية من الخيل إلا فرسان، وكان معهم سبعون بعيرا يتعاقبون ركوبها «4» .
بلغ أبا سفيان خبر مسير النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه من المدينة بقصد اعتراض قافلته واحتوائها، فبادر إلى تحويل مسارها إلى طريق الساحل، في نفس الوقت الذي أرسل فيه إلى قريش يستنفرها لإنقاذ قافلتها وأموالها. وكان وقع ذلك شديدا على قريش، التي اشتاط زعماؤها غضبا لما يرونه من امتهان للكرامة، وتعريض للمصالح الاقتصادية للأخطار إلى جانب ما ينجم عن ذلك من انحطاط لمكانة قريش بين القبائل العربية الأخرى ولذلك فقد سعوا إلى الخروج لمجابهة الأمر بأقصى طاقاتهم القتالية «5» .
وأرسل أبو سفيان بعد ذلك إلى زعماء قريش وهم بالجحفة برسالة أخبرهم فيها بنجاته والقافلة، وطلب منهم العودة إلى مكة، وذلك أدّى إلى حصول انقسام حاد في آراء زعماء قريش، فقد أصر أغلبهم على التقدم نحو بدر من أجل تأديب المسلمين وتأمين سلامة طريق التجارة القرشية «6» وإشعار القبائل العربية الأخرى بمدى قوة قريش وسلطانها «7» . وقد انشق بنو زهرة «8» ، ومن كان مع قريش من بني هاشم «9» . وعادوا إلى مكة، أما غالبية قوات قريش وأحلافهم فقد تقدمت حتى وصلت إلى منطقة بدر.
بلغت أخبار تجمع قريش وتقدمهم تجاه منطقة بدر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى بدر، فاستشار أصحابه في الأمر «10» ، وأبدى بعض الصحابة عدم ارتياحهم لمسألة المواجهة الحربية مع قريش حيث إنهم لم يتوقعوا المواجهة ولم يستعدوا لها، وحاولوا اقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهة نظرهم، وقد صور القرآن الكريم موقفهم
(1) ابن هشام- السيرة 2/ 61 بسند صحيح إلى عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما.
(2)
مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 84) .
(3)
ابن كثير- البداية 3/ 260.
(4)
أحمد- المسند 1/ 411، والحاكم- المستدرك 3/ 20. الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 69، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 260، ابن حزم- جوامع السيرة ص 108.
(5)
ابن حجر- فتح الباري 7/ 283، ابن هشام- السيرة 2/ 298، 311 بأسانيد حسنة.
(6)
كان عدد بني زهرة في قوات قريش حوالي ثلاثمائة مقاتل، ابن هشام- السيرة 2/ 212.
(7)
الطبري- تفسير 13/ 579.
(8)
نصحهم بذلك الأخنس بن شريف في أعقاب وصول أنباء نجاة القافلة، ابن هشام- السيرة 2/ 301، الطبري- تاريخ 2/ 443.
(9)
كانوا بقيادة طالب بن أبي طالب، وكانت قريش قد اتهمتهم بأن هواهم مع محمد صلى الله عليه وسلم، ابن هشام- السيرة 2/ 311- 312.
(10)
البخاري- الصحيح (حديث 3952) ، مسلم- الصحيح (حديث 1779) ، أحمد- الفتح الربّاني 21/ 29- 30، ابن أبي شيبة- المصنف 14/ 355، ابن كثير- البداية 3/ 262- 63.
وأحوال الفئة المؤمنة عموما في قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ «1» .
وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو «2» . وبعد ذلك عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أشيروا عليّ أيّها النّاس» وكان إنما يقصد الأنصار، لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم خارج المدينة. وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فنهض قائلا:«والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟» قال صلى الله عليه وسلم: «أجل» ، قال:«لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة الله» «3» .
سرّ النبي صلى الله عليه وسلم من مقالة سعد بن معاذ، ونشّطه ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:«سيروا وأبشروا، فإنّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطّائفتين. والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم» «4» .
نظّم النبي صلى الله عليه وسلم جنده، بعد أن رأى طاعة الصحابة وشجاعتهم واجتماعهم على القتال، وعقد اللواء الأبيض وسلمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة «5» .
وحصل الرسول صلى الله عليه وسلم على معلومات كثيرة عن موقع الجيش المكي، ومن به من الأشراف، واستنتج عدد أفراده من معرفته لعدد ما ينحر لهم يوميّا من الجمال وتوجّه صلى الله عليه وسلم لقومه قائلا:«هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» «6» .
وقد ظهر الخلاف بين زعماء قريش، فقد حاول عتبة بن ربيعة أن يثني قومه عن القتال محذرا من مغبته وخاصة أن بين الفريقين أرحام موصولة، غير أن أبا جهل خطّل رأيه واتهمه بالجبن «7» .
أنزل الله تعالى في ليلة بدر على المؤمنين نعاسا أمنهم وأراحهم، ومطرا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان وربط على قلوبهم وثبّت به أقدامهم، قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ
(1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآيات/ 5- 8.
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 3952) ، أحمد- المسند 5/ 259، ابن هشام- السيرة 2/ 305.
(3)
مسلم- الصحيح 3/ 1404 (حديث 1779) ، ابن كثير- البدآية 3/ 351.
(4)
ابن كثير- البدآية 3/ 262- 3 بإسناد صحيح، وذكر الحافظ ابن كثير أن له شواهد في وجوه كثيرة إذ رواه البخاري والنسائي والإمام أحمد (فتح الباري- 7/ 287) ، وأحمد- المسند 5/ 259 (حديث 3698) .
(5)
ابن القيم- زاد المعاد 2/ 85.
(6)
مسلم- الصحيح 3/ 1404، كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام بروآية ابن إسحاق.
(7)
أحمد- الفتح الرباني 21/ 43، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 76، ابن كثير- البدآية 3/ 295- 6.
ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «1» .
وقد وصف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه حال المسلمين في معسكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة السابع عشر من رمضان وهي ليلة معركة بدر الكبرى، فقال: «لقد رأيتنا يوم بدر، وما منا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح
…
ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر
…
وبات النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: «اللهمّ إن تهلك هذه الفئة لا تعبد» ، فلما طلع الفجر نادى للصلاة
…
فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرّض على القتال» «2» .
وصل المسلمون إلى بدر واستطلعوا الموضع قبل وصول قوات قريش، وقد وردت رواية حسنة السند تذكر أن الحباب بن المنذر أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بأن:«نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ونغوّر ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون» «3» ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل مشورته وفعل بما أشار به الحباب بن المنذر «4» .
وفي صباح السابع عشر من شهر رمضان نظّم الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه على هيئة صفوف «5» ، ثم بني للنبي صلى الله عليه وسلم عريش- باقتراح من سعد بن معاذ- ليدير منه المعركة. وأكثر النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء، واستغاث بالله تعالى «فما زال يهتف بربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه
…
فأنزل الله عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «6» ، فأمده الله بالملائكة» «7» .
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم خرج من مقر قيادته- العريش- وهو يقرأ قول الله عز وجل: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ «8» .
ويفهم من النصوص الكثيرة والصحيحة الواردة عن أحداث المعركة يوم بدر أن النبي عليه السلام شارك شخصيّا في القتال وكان أقرب الناس إلى خطوط العدو كما كان أشد المؤمنين بأسا «9» . وقد نقل الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه قوله: «لما حضر البأس يوم بدر، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس، ما كان أو لم يكن أحد أقرب من المشركين منه» «10» .
(1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 11، وانظر: أحمد- الفتح الربّاني 21/ 43.
(2)
أحمد- الفتح الرباني 21/ 30.
(3)
ابن حجر- الإصابة 1/ 302 بسند حسن إلى عروة ولكنه مرسل.
(4)
ابن هشام- السيرة 2/ 312- 313 وإسناده مرسل موقوف على عروة كما في المصدر السابق، والحاكم- المستدرك 3/ 446- 447، قال الذهبي عنه حديث منكر، وفي البداية والنهاية 3/ 293: إسناده منقطع.
(5)
أحمد- المسند، وهو أسلوب جديد لم تعتد عليه العرب قبل ذلك يقلل من خسائر الجيش ويعوض عن قلة العدد أمام العدو ويمكن القيادة من إحكام السيطرة. انظر: محمود شيت خطاب- الرسول القائد ص 78- 79.
(6)
القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 9.
(7)
مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 84- 85) .
(8)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 287) .
(9)
أحمد- المسند 2/ 64 بإسناد صحيح.
(10)
المرجع السابق 2/ 228.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صبيحة يوم المعركة أنه: «لا يتقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه» «1» ، فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» «2» .
تقابل الجيشان ودنا بعضهم من بعض، وأخذ أبو جهل يدعو على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«اللهم أيّنا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة» فكان ذلك استفتاحه الذي أشارت إليه الآية الكريمة: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ «3» .
وبدأ القتال بمبارزات فردية، فقد خرج عتبة بن ربيعة وولداه الوليد وشيبة طالبين المبارزة، ورفضوا مبارزة بعض شباب الأنصار الذين انتدبوا لقتالهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب، وعلى بن أبي طالب، وعبيدة ابن الحارث فبارزوهم وقتلوهم. وفي هؤلاء الستة نزل قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ «4» . مما كان له آثاره على الطرفين المتحاربين. وبدأت قريش بالهجوم.
وكانت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلّوا السّيوف حتّى يغشوكم» «5» .
وحرضهم صلى الله عليه وسلم على القتال قائلا: «والّذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا غير مدبر إلّا أدخله الله الجنّة» «6» .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رمى الحصا في وجوه المشركين وذلك صريح في مشاركته الشخصية في المعركة راجلا في مقدمة المسلمين. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «7» .
والتقى الجمعان، وكان المسلمون يقاتلونهم وهم يؤملون إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وكان شعارهم التوحيد «أحد أحد» ، فشدوا على المشركين واستهدفوا زعماءهم، فقتلوا فرعون الأمة أبا جهل عمرو بن
(1) مسلم- الصحيح 3/ 1510 (حديث 1901) .
(2)
المنذري- مختصر صحيح مسلم 2/ 70 (حديث 1157) .
(3)
القرآن الكريم- الأنفال، الآية/ 19، وانظر: الطبري- التفسير 13/ 454، والحاكم- المستدرك 2/ 328.
(4)
القرآن الكريم- سورة الحج، الآيات/ 19- 24، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث: 3966- 3969) .
(5)
أبو داود- السنن 4/ 49.
(6)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 306 الحديث 3985) .
(7)
القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 17، وانظر: الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 84، قال: ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وانظر: ابن هشام- السيرة 1/ 323.
هشام، وأمية ابن خلف وابنه علي بن أمية وغيرهم كثير «1» . وقد بلغ عدد صرعى المشركين سبعين قتيلا، ومثلهم كان عدد الأسرى «2» . وفر باقي مقاتلة المشركين لا يلوون على شيء. وتركوا أثقالهم وأموالهم في ميدان المعركة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة وعشرين قتيلا من صناديد قريش فقذفوا في بعض آبار بدر «3» .
أما شهداء المسلمين فقد دفنوا في أرض المعركة، وكان عددهم أربعة عشر شهيدا «4» ، ولم يرد ما يشير إلى الصلاة عليهم ولم يدفن أحد منهم خارج بدر «5» .
وقد ثبت من نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، ومرويات عدد من الصحابة البدريين أن الله سبحانه وتعالى قد أمدّ الفئة المؤمنة بالنصر، وبأنه أمدهم بالملائكة الذين ثبّتوا الذين آمنوا فقاتلوا معهم، وأنه تعالى ألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «6» . وقال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ* وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «7» .
وأورد البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وغيرهم عددا من الأحاديث الصحيحة التي تشير إلى مشاركة الملائكة في معركة بدر، وقيامهم بضرب المشركين وقتلهم «8» .
وقد حصل خلاف بين المسلمين بعد المعركة بشأن الغنائم إذ لم يكن حكمها قد شرع حتى ذلك الوقت.
فنزلت سورة الأنفال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 480، 7/ 293- 96، 321) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 59- 60) ، وابن كثير- البدآية 3/ 286، والهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 79، وانظر: عن الشعار ابن هشام- السيرة/ 634.
(2)
مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 86- 87) وقد صرع عدد منهم في مواضع كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بينها لأصحابه قبل المعركة ذكرهم بأسمائهم. أحمد- المسند 1/ 232 بإسناد صحيح.
(3)
البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 3976) ، مسلم- الصحيح 4/ 2204 (حديث 2875) ، أحمد- المسند 1/ 232 بإسناد صحيح، ابن هشام- السيرة 1/ 339، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 91 نقلا عن الطبراني، وقال المؤلف: رجاله رجال الصحيح.
(4)
ابن هشام- السيرة 1/ 428، ابن كثير- البدآية 3/ 327، وزاد ابن حجر عليهم اثنين آخرين، انظر: الإصابة 3/ 328، 608.
(5)
وهذا هو السنّة في الشهداء.
(6)
القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 12.
(7)
القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآيات/ 123- 126.
(8)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 311- 312، 7/ 312) ، مسلم- الصحيح (بشرح النووي 12/ 85- 86) ، أحمد- المسند 2/ 194 بإسناد صحيح، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 75- 76، ابن كثير- البدآية 3/ 284. وأشار أكرم العمري في السيرة النبوية الصحيحة إلى أن بعض الكتاب المسلمين يتحاشون الإشارة إلى مشاركة الملائكة ببدر وهو يرى بأن «هذا من مظاهر الهزيمة أمام الفكر المادّي الذي لا يؤمن إلّا بالمحسوسات» في حين أن الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الإيمان بالملائكة (2/ 366) .
وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» .
وقد قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين «2» ، بعد أن أخرج منها الخمس، حيث نزل في ذلك قرآن: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ «3» .
وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم لتسعة من الصحابة لم يشهدوا بدرا بسبب تكليفهم من قبله بأعمال في المدينة، أو لأنهم لم يشاركوا لأعذار مباحة مثل إصابتهم وهم في طريقهم إلى بدر بجروح أو كسور مما حرمهم من فرصة المشاركة ومن هؤلاء الصحابي عثمان بن عفان الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء في المدينة للعناية بزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موتها «4» .
إن اتضاح الحكم الشرعي في شأن الغنائم بعد نزول آيات الأحكام الخاصة بها، وبكيفية توزيعها قد أدى إلى إلغاء الخلاف الذي كان قد حصل حولها، فقد ثاب الناس إلى طاعة الله ورسوله، وقد تم توزيع الغنائم في موضع الصفراء في طريق عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة.
أما الأسرى، فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمرهم، فأشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم ضمانا لقوة الدولة الإسلامية حيث إنهم يشكلون عامل تحدّ وخطورة، ولأنهم أئمة الكفر وصناديد مكة، وأشار أبو بكر الصديق بأخذ الفدية منهم إذ كان يرى أن في ذلك قوة للمسلمين على الكفار، وكان يأمل أن يهديهم الله تعالى للإسلام. وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر، وقد تباين فداء الأسرى، فمن كان ذا مال أخذ فداؤه، وتتناقص الأموال المأخوذة منهم بعد ذلك تبعا لكفاءتهم المالية وقد حفظت لنا المصادر نماذج منها، فمن ذلك أنه استوفى من العباس بن عبد المطلب مائة أوقية من الذهب فداء عنه، ومن عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية، واستوفى من آخرين أربعين أوقية لكل منهم «5» .
ولقد نزل القرآن الكريم بعد ذلك موافقا لرأي عمر، وذلك في قوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ثمّ قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «6» .
أطلق النبي صلى الله عليه وسلم سراح عمرو بن أبي سفيان مقابل إطلاق قريش سراح سعد بن النعمان بن أكال الذي
(1) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 1، الطبري- التفسير 13/ 367- 371، ابن هشام- السيرة 1/ 344، الحاكم- المستدرك 2/ 326، أحمد- الفتح الرباني 14/ 72.
(2)
أي بالتساوي بين المقاتلين المسلمين في بدر، أحمد- المسند (الفتح الرباني 14/ 73) ، ابن حبّان- الموارد ص 410، الحاكم المستدرك 2/ 135.
(3)
القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 41، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح حديث 4003) ، ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 302- 303.
(4)
أحمد- المسند 8/ 101 بإسناد صحيح.
(5)
مسلم- الصحيح 3/ 1385 حديث 1763.
(6)
القرآن الكريم- سورة الأنفال، الايات/ 67- 70.
أسره أبو سفيان وهو يعتمر بالبيت العتيق «1» .
وكان المسلمون يقبلون من بعض الأسرى ما عندهم إذا تعذر دفع ما فرض عليهم من الفداء «2» . وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم أسر بعض الأسرى الذين لم يقدروا على دفع شيء «3» .
أما الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة، ولم يكن لدى أهليهم أو لديهم مقدرة على الفداء، فقد جعل فداؤهم أن يعلموا أبناء الأنصار القراءة والكتابة، وقد وردت رواية صحيحة الإسناد عن ابن عباس- رضي الله عنهما قال: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة
…
» «4» .
وفي طريق عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل اثنين من الأسرى وهما النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط اللذين كانا من أئمة الكفر، يؤذيان المسلمين بمكة ويشتدان في عداوتهما لله ولرسوله، وكان في قتلهما درسا بليغا للطغاة ونهاية حاسمة للجبروت «5» . أما بقية الأسرى فقد استوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهم خيرا «6» .
وقد أسلم عدد منهم على فترات قبل فتح مكة وبعد ذلك «7» .
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة إلى المدينة ليزفا بشرى النصر، وقد تلقى المسلمون الخبر بسرور بالغ، وقد ذكر أسامة بن زيد أنه لم يصدق الخبر إلى أن رأى الأسرى مقرنين «8» ، وكانت الدهشة تعلو الوجوه إذ لم يصدق الناس في بادىء الأمر أن قريشا قد هزمت، وأن زعماءها قد أصبحوا بين قتيل وأسير، وأن كبرياءها قد تحطمت، وظهرت حقيقة آلهتها الزائفة وعقائدها الباطلة.
لقد كانت معركة بدر من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام وقد عرفت في القرآن الكريم بيوم الفرقان لأنها فرّقت بين الحق والباطل، وكان لها أثرها الكبير في إعلاء شأن الإسلام، وانتصار العقيدة السمحاء. ولقد أوضحت الأحاديث النبوية الشريفة مبلغ فضل البدريين وعلو مقامهم. كما كانت أصداء انتصار المسلمين شديدة على أعداء الإسلام من يهود ومشركين، ولم تكد قريش تصدق ما حدث، وحين تأكدت لديها الأخبار، فإنها أقدمت على اتخاذ بعض الإجراءات التي تؤكد عجزها وإسقاط ما في يدها، فقد أمر زعماء مكة بالامتناع عن إقامة العزاء
(1) ابن هشام- السيرة 1/ 357- 358.
(2)
أحمد- الفتح الرباني 14/ 100، ابن هشام- السيرة 1/ 359.
(3)
ابن هشام- السيرة 1/ 368- 9.
(4)
أحمد- المسند 4/ 47 (حديث 2216) وإسناده صحيح.
(5)
الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 89، السهيلي- الروض الآنف 3/ 53، وانظر: الطبراني- الكبير 11/ 406 (حديث 12154) ، وأورد ابن هشام في السيرة 2/ 327 أن الآية (27) من سورة الفرقان قد نزلت في عقبة بن أبي معيط هذا، وأخرج ذلك الطبري في تفسيره (19/ 6) عن طريق عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما، وانظر: ابن كثير- التفسير 6/ 116 وقال: «وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو في غيره، فإنها عامة في كل ظالم» .
(6)
الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 86، ونقل عن الطبراني في الكبير والصغير، وقال إسناده حسن. وانظر: ابن هشام- السيرة 2/ 349- 50.
(7)
السهيلي- الروض الآنف 3/ 125، ابن الأثير- عيون الأثر 1/ 387.
(8)
ابن كثير- البداية والنهاية 3/ 304 بإسناد صحيح.
على القتلى أو بكائهم والنياحة عليهم، في محاولة لإظهار التجلد حتى لا يشمت بهم المسلمون، كما تصرفت بعصبية ونزق، فقد تآمر صفوان بن أمية على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بإرساله عمير بن وهب الجمحي بعد أن تحمل عنه ديونه وإعالة أهله، غير أن عالم الغيب أعلم نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم بالأمر مما أفشل الخطة، بل وأدى ذلك إلى إسلام عمير بن وهب وعودته إلى مكة داعية للإسلام «1» ، كما منعت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللحاق بأبيها في المدينة، وحاول بعض فرسان قريش الاعتداء عليها فأرعبوها برماحهم وأكرهوها على العودة إلى مكة «2» . كما أقدموا على أسر أحد المعتمرين خلافا لما كان عليه العرف في احترام الحجاج والمعتمرين وعدم الاعتداء عليهم.
وهم وإن كانوا قد نجحوا في مقايضته بعمرو بن أبي سفيان «3» فإن ذلك قد كشف للقبائل العربية الأخرى مدى طغيانهم وعدوانهم وحقارتهم. وأخيرا فقد اشترت قريش اثنين من أسرى الرجيع وهما خبيب وابن الدّثنّة وأقدمت على قتلهما للتشفي من المسلمين «4» .
وأورد ابن هشام رواية عن ابن إسحاق قال: «فلما انقضى أمر بدر، أنزل الله عز وجل فيه من القرآن سورة الأنفال بأسرها» .
ومن العدد الكبير من القصائد التي قيلت في بدر والتي عبّرت عن وجهات نظر الطرفين، نذكر قول حسّان ابن ثابت- رضي الله عنه:
لقد علمت قريش يوم بدر
…
غداة الأسر والقتل الشديد
بأنّا حين تشتجر العوالي
…
حماة الحرب يوم أبي الوليد
قتلنا ابني ربيعة يوم سارا
…
إلينا في مضاعفة الحديد
وفرّ بها حكيم يوم جالت
…
بنو النجار تخطر كالأسود
وولت عند ذاك جموع فهر
…
وأسلمها الحويرث من بعيد
لقد لاقيتم ذلّا وقتلا
…
جهيزا نافذا تحت الوريد
(1) ابن حجر- الإصابة 3/ 26.
(2)
ابن هشام- السيرة 2/ 654- 655.
(3)
المرجع السابق 2/ 357- 358.
(4)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 308) .