الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليّ. فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره. فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. فلمّا جئت فصرت إلى الباب. فإذا هو مجاف «1» . فسمعت أمّي خشف «2» قدميّ. فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة «3» الماء. قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها. ففتحت الباب. ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين، ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ حبّب عبيدك هذا يعني أبا هريرة وأمّه إلى عبادك المؤمنين.
وحبّب إليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلّا أحبّني «4» .
إخباره عن المغيّبات:
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوّته ما اطّلع عليه من الغيوب الماضية والمستقبلة وإخباره عنها، ومن المعلوم المقرّر أنّ علم الغيب مختصّ بالله تعالى وحده. وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه الكريمة في غير ما آية من كتابه العزيز. قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ «5» . وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ «6» ومن المعلوم أيضا أنّ الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام لا يعلمون الغيب ولا اطّلاع لهم على شيء منه. قال الله تعالى مخبرا عن غير واحد من رسله الكرام عليهم الصّلاة والسّلام أنّهم قالوا لأقوامهم قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ «7» وفي صحيح مسلم عن عائشة- رضي الله عنها؛ قالت:
«من زعم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية» «8» .
وكما جاءت الأدلّة تدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى قد اختصّ بمعرفة علم الغيب وأنّه استأثر به دون خلقه، جاءت أدلّة أخرى تفيد أنّ الله تعالى استثنى من خلقه من ارتضاه من الرّسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوّتهم. قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَ
(1) مجاف: أي مغلق.
(2)
خشف: أي صوتهما في الأرض.
(3)
خضخضة: خضخضة الماء صوت تحريكه.
(4)
مسلم برقم (2491) .
(5)
سورة النمل: آية (65) .
(6)
سورة الأنعام: آية (59) .
(7)
سورة الأنعام: آية (50) .
(8)
مسلم برقم (177) .
اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ «1» . وقال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً «2» فتلخّص من ذلك أنّ ما وقع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإخبار بالمغيّبات فبوحي من الله تعالى وهو من إعلام الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم للدّلالة على ثبوت نبوّته وصحّة رسالته.
وقد اشتهر وانتشر أمره صلى الله عليه وسلم بإطلاع الله له على المغيّبات:
- قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام السّاعة إلّا حدّثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه» «3» .
وقال عمرو بن أخطب الأنصاريّ- رضي الله عنه: «صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتّى حضرت الظّهر فنزل فصلّى ثمّ صعد المنبر فخطبنا حتّى حضرت العصر فنزل فصلّى ثمّ صعد المنبر فخطبنا حتّى غربت الشّمس فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة فأعلمنا أحفظنا» «4» .
وقال عبد الله بن رواحة- رضي الله عنه:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
…
إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
…
به موقنات أنّ ما قال واقع «5» .
وقال حسّان بن ثابت- رضي الله عنه:
نبيّ يرى ما لا يرى النّاس حوله
…
ويتلو كتاب الله في كلّ مشهد
فإن قال في يوم مقالة غائب
…
فتصديقها في صحوة اليوم أو غد «6» .
قال القاضي عياض:
…
ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون من جملة معجزاته المعلومة على القطع
(1) سورة آل عمران: آية (179) .
(2)
سورة الجن: آية (26، 27) .
(3)
رواه البخاري- انظر الفتح 11 (6604) . ومسلم برقم (23/ 2891) .
(4)
رواه مسلم، برقم (2892) .
(5)
رواه البخاري- انظر الفتح 2 (1155) .
(6)
وردت هذه الأبيات ضمن حديث أم معبد الطويل وقد تقدم تخريجه.