الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم إلى أوطاس «1» ، وعسكرت مجموعة أخرى منهم في نخلة «2» ، أما غالبية من انهزم من ثقيف فقد تبعوا قائدهم مالك بن عوف النصري إلى حصونهم بالطائف، وقد لا حق مقاتلة المسلمين الفارين حسب توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث بعث أبا عامر عبيد بن سليم بن حضار الأسلمي على رأس قوة من المسلمين إلى أوطاس فقاتلهم وقتل دريد ابن الصمة «3» ، وقد أصيب أبو عامر الأسلمي بسهم وهو يقاتلهم فاستخلف أبا موسى الأشعري في القيادة وطلب منه أن يبلغ سلامه للنبي صلى الله عليه وسلم وأن يطلب منه الاستغفار له «4» ، قبل أن يستشهد، وأكمل المسلمون بقيادة الأشعري المهمة وهزموا الأعداء بعد أن قتل في أوطاس من المشركين من بني مالك ثلاثمائة قتيل بينهم دريد بن الصمة «5» ، كما قتل خلق كثير من بني نصر بن معاوية من قبيلة رئاب. «6» وهكذا فإنه ليس بالإمكان إعطاء رقم دقيق لعدد قتلى المشركين الإجمالي في معركة حنين فقد كان عدد قتلى بني مالك من ثقيف في الجولة الثانية من حنين قد بلغ اثنين وسبعين قتيلا وقتل من الأحلاف قتيلان، وقتل بأوطاس كما أسلفنا ثلاثمائة من بني مالك، وتشير المصادر إلى أنه قتل خلق كثير من فروع هوازن الأخرى وخاصة من بني نصر بن معاوية وغيرهم ممن قتلوا أثناء فرارهم إلى نخلة من حنين.
وتشير مرويات مرسلة إلى أن الشيماء أخت الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ومرضعته حليمة السعدية قد التقتا الرسول صلى الله عليه وسلم فأكرمهما. «7»
غزوة الطائف:
تجمعت قوات المسلمين في أعقاب النصر المظفر الذي كتبه الله لهم في معركة حنين، وتوجهوا بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بهدف القضاء على قوات ثقيف التي فرت من حنين، وكانت فلول ثقيف بقيادة مالك بن عوف قد لجأت إلى حصونها المنيعة في الطائف وجمعت ما يكفيها من المؤن الغذائية لعام كامل، وأغلقت أبوابها واتخذت كافة الإجراءات والاستعدادات التي تمكنها من مواجهة حصار طويل وواصلت ترميم الحصون وتدعيمها إلى حين وصول طلائع المسلمين المتجهة نحوهم «8» .
(1) واد بين حنين والطائف، معجم البلدان 1/ 281.
(2)
موضع بين حنين وسبواحة (تعليق حمد الجاسر على كتاب المناسك للحربي) .
(3)
البخاري- الصحيح 5/ 128، وفيه أن الذي قتله هو الزبير بن العوام، الهيثمي- كشف الأستار 2/ 346، وحسّنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري 8/ 42.
(4)
البخاري- الصحيح 4/ 28، 5/ 128، 8/ 69، مسلم الصحيح 4/ 1943، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا له، (حديث 2498) .
(5)
ابن إسحاق- سيرة ابن هشام 2/ 453- 54، الواقدي- المغازي 3/ 916، ابن سعد- الطبقات 2/ 152.
(6)
ابن هشام- السيرة 2/ 454، وجعلهم الواقدي في المغازي 3/ 916 «بني رباب» ، عوضا عن «رئاب» ، ولم يرد الخبر في مرويات حديثية صحيحة.
(7)
ابن إسحاق- سيرة ابن هشام 2/ 458، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 56، الطبري- جامع البيان 10/، 101 وعن لقاء حليمة السعدية، انظر البخاري- الأدب المفرد ص/ 440، أبو داود- السنن 2/ 630، الحاكم- المستدرك 3/ 618، 4/ 164، ابن كثير- البداية 4/ 364.
(8)
ابن هشام- السيرة 4/ 170- 171، ابن سعد- الطبقات 2/ 158.
وصل الجيش الإسلامي إلى الطائف في حدود نهاية الأسبوع الثالث من شهر شوال، فباشروا إحكام الحصار حول حصون العدو مدة أسبوعين، وكان نزولهم أول الأمر قريبا من حصون العدو وعلى مرمى سهامهم مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء وجرح عدد آخر منهم، ثم تحول المسلمون وعسكروا في الموضع الذي بنى فيه المسجد «1» ، وكان القتال تراشقا بالسهام في أول الأمر، ثم استخدم المسلمون «الدبابة» بهدف الوصول إلى الأسوار وثقبها آمنين من السهام، ولكن ثقيفا فطنت للأمر فألقت عليهم قطع حديد محمّاة أحرقت الدبابة وحين خرج المقاتلون المسلمون منها، ضربوهم بالسهام فقتلوا بعضهم.. واستخدم المسلمون المنجنيق لرمي التحصينات بالحجارة بهدف هدمها وإيقاع إصابات في قوات العدو في الوقت نفسه، غير أن قلة هذه الآلات وعدم وجود خبراء في استعمالها وإجادة التهديف بها جعل أثرها محدودا. «2» ولذلك فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل وسيلة للضغط على ثقيف هي في تهديد مواردها الاقتصادية الحيوية المتمثلة في بساتينها، فأمر صلى الله عليه وسلم بتحريق بساتين الأعناب والنخيل في ضواحي الطائف، مما كان له أثره الكبير في كسر معنوياتهم، فناشدوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم، فاستجاب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تحقق الهدف المنشود «3» .
ونادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم عبيد الطائف قائلا: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر» ، فنزل إليهم ثلاثة وعشرون عبدا، منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، فأسلموا، فأعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعدهم إلى ثقيف بعد إسلامهم «4» . غير أن كل ذلك لم يؤثر كثيرا في عناد ثقيف التي صمدت بوجه الحصار، ورغم ما واجهته من وابل السهام التي أمطرها بها المسلمون لينالوا بها درجة من الجنة وعدهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تمكنت ثقيف من إيقاع إصابات شديدة بالمسلمين فقد كثرت الجراحات بينهم واستشهد منهم اثنا عشر شهيدا، وكل ذلك مقابل ثلاثة قتلى في صفوف ثقيف التي كانت ممتنعة بالحصون والأسوار العالية «5» .
أورد الإمام البخاري رواية صحيحة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستهدف من غزو الطائف وحصارها تحقيق فتحها، وإنما أراد أن يكسر شوكة ثقيف، ويجعل للمسلمين اليد العليا عليهم في وصولهم إليها ومحاصرتها في عقر دارها حيث عرفها أن بلادها- الطائف- هي في قبضة المسلمين وأنهم سيدخلونها متى شاءوا ذلك، «6» ويظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرغب في أن يشق على المسلمين ويكثر من تقديم الشهداء منهم لفتح بلدة صغيرة حصينة تحيط بها ديار الإسلام من كل صوب، إذ لم يكن لثقيف رغم عنادها وصمودها إلا الإسلام أو الاستسلام،
(1) مسلم- الصحيح 2/ 736، أحمد- المسند 3/ 157، وانظر رأي الحافظ ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 356، ابن هشام- السيرة 2/ 478.
(2)
ابن هشام- السيرة 2/ 478- 483 برواية ابن إسحاق.
(3)
البيهقي- السنن الكبرى 9/ 84، الشافعي- كتاب الأم 7/ 323.
(4)
البخاري- الصحيح 5/ 129، أحمد- المسند 1/ 236، ابن حجر- فتح الباري 8/ 46، الصنعاني- المصنّف 5/ 301، ابن سعد- الطبقات 2/ 158- 159، وانظر ابن هشام- السيرة 2/ 485.
(5)
البخاري- الصحيح 8/ 20، ابن هشام- السيرة 2/ 486- 487، الواقدي- المغازي 3/ 929- 30.
(6)
البخاري- الصحيح 5/ 128، 9/ 113.
وإضافة إلى ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أن ثقيفا إذا تحولت إلى الإسلام فإنها ستكون مادة له وقوة ومنعة فهم أهل شجاعة وفطنة وذكاء وكان يطمع في إسلامهم ويدعو لهم بالهداية.
اقترح النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه فك الحصار، فلما رأى حرصهم على القتال سمح لهم بذلك حتى اقتنعوا بعدم جدوى ذلك، فلما أعاد عليهم فكرة فك الحصار ثانية أظهروا الرضا بقراره الحكيم ونفذوه وعادوا مرة أخرى إلى الجعرانة حيث خلفوا غنائم حنين قبل أن يتوجهوا إلى الطائف «1» ، وكان النبي قد أخر قسمتها، كما أنه لم يتعجل في قسمتها بعد عودته مع الجيش سوى شيء قليل من الفضة قسمه عند وصوله «2» ، ثم انتظر بضع عشر ليلة مؤملا قدوم هوازن وإسلامها ولكنه، حين أبطأت عليه، بادر إلى تقسيم الغنائم «3» ، حيث قسمها صلى الله عليه وسلم بصورة خفيت حكمتها على بعض الصحابة آنذاك، حيث حظي بهذه الغنائم الطلقاء والأعراب تأليفا لقلوبهم لقرب عهدهم بالإسلام، فأعطى مائة من الإبل لأحد زعماء غطفان، ومثلها لأحد زعماء تميم ولستة آخرين من زعماء قريش. وقسم أيضا لاثنين وخمسين رجلا ذكرتهم المصادر من المؤلفة قلوبهم «4» ، وقد استمالت هذه القسمة قلوب الزعماء وأتباعهم فاظهروا الرضا بها وزادهم ذلك رغبة في الإسلام، ثم حسن إسلامهم فأبلوا في الإسلام بلاء حسنا وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله «5» . وذلك ما عناه أنس بن مالك- رضي الله عنه بقوله:«إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلّا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها» «6» .
ولقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من وراء تقسيمه الغنائم على تلك الصورة التي كان لها أثر سلبيّ على مشاعر بعض المسلمين الذين لم تشملهم القسمة فقال صلى الله عليه وسلم:
وقال: «إنّي لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألّفهم» وحين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنصار قد وجدوا في أنفسهم بسبب قسمة الغنائم هذه، وأن بعضهم قال:«يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم» ، وقالوا:
«إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا» «7» ، وقد وردت روايات صحيحة تضمنت كيف أوضح لهم
(1) البخاري- الصحيح 5/ 128- 9/ 113.
(2)
الحاكم- المستدرك 2/ 121.
(3)
البخاري- الصحيح- فتح 8/ 32.
(4)
ابن هشام- السيرة 2/ 494- 496، الزرقاني- شرح المواهب اللدنية 3/ 37، ابن حجر- فتح الباري 8/ 48.
(5)
ابن عبد البر- الاستيعاب 1/ 103، وانظر: ابن سعد- الطبقات 7/ 37، ابن حجر- الإصابة 1/ 58، ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 248.
(6)
مسلم- الصحيح 4/ 1806، وانظر البخاري- الصحيح 2/ 104، 4/ 73، 8/ 79، ابن حجر- فتح الباري 3/ 336.
(7)
نقل ابن هشام أنه لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب، ولم يعط الأنصار شيئا، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك في قصيدة أوردها (السيرة 3/ 497) ورد فيها قوله:
وأت الرسول وقل يا خير مؤتمن
…
قدام قوم هم آووا وهم نصروا
علام تدعى سليما وهي نازحة
…
للمؤمنين إذا ما عدّل البشر
سماهم الله أنصارا بنصرهم
…
دين الهدي وعوان الحرب تستعر
وهي قصيدة تقع في ثلاثة عشر بيتا.
النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من التوزيع، وأنه إنما وكلهم إلى إيمانهم «1» ، وأورد ابن إسحاق رواية نص فيها على التحديث عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الأنصار ثم أتاهم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
«يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وجدة عليّ في أنفسكم، ألم آتكم ضلّالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله وأعداء فألّف الله بين قلوبكم! قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل..» ثم قال صلى الله عليه وسلم:
«أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدّنيا تألّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الّذي نفس محمّد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك النّاس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» «2» ، قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا «3» ، وهكذا فلم يكن يهمهم المال، ولذلك فإنهم ما إن عرفوا سبب منع الأعطيات عنهم ووضحت لهم الحكمة في توزيعه صلى الله عليه وسلم للغنائم حتى أعلنوا رضاهم، وأسعدهم كثيرا اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على إخلاصهم لعقيدتهم، وأنه وكلهم إلى إيمانهم فكانوا عند حسن الظن بهم.
وتحدثت المصادر عن نماذج من جفاء وغلظة الأعراب وتصرفاتهم الصلفة وغير المنضبطة مع النبي صلى الله عليه وسلم أثناء توزيعه الغنائم، كما تحدثت عن قوة تحمله صلى الله عليه وسلم وصبره الكبير على جفاء الأعراب وطمعهم في الأموال وحرصهم على المكاسب، وإدراكه لأحوالهم وما جبلوا عليه من قساوة وفظاظة وأنانية، وقد طمأنهم على مصالحهم وعاملهم على قدر عقولهم وكان بهم رحيما ولهم مربيا ومصلحا «4» .
وبعد قسمة الغنائم قدم وفد من هوازن يعلن إسلامهم ويلتمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد أموالهم وذراريهم عليهم، فخيرهم بين الأموال والسبي فاختاروا السبي، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين وخطب فيهم، وقال إنه يريد أن يرد السبي لهوازن «فمن أحبّ منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحبّ أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل» ، ورغم أن المسلمين نادوا:«طيبنا يا رسول الله لهم» ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال لهم:
«إنّا لا ندري من أذن منكم فيه ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» ، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا» «5» .
ولقد كان إسلام هوازن نصرا آخر كتبه الله للمسلمين سرّ به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن زعيمهم مالك بن
(1) البخاري- الصحيح 4/ 74، 145، 5/ 26، 28، 130، 7/ 133، 8/ 130، 9/ 106 (الأحاديث 4331، 4332، 4433، 4334، 4337، مسلم- الصحيح 2/ 733- 736 (حديث 1059) .
(2)
ابن هشام- السيرة 3/ 498- 499.
(3)
المرجع السابق 3/ 500.
(4)
القرآن الكريم- الآيات/ 97- 98.
(5)
البخاري- الصحيح 3/ 87، 156.