الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلق، فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم» «1» .
- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما؛ قال: «إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثا «2» . كلّ أمّة تتبع نبيّها يقولون: يا فلان اشفع حتّى تنتهي الشّفاعة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» «3» .
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى-: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً: سئل عنها، قال: هي الشّفاعة» «4» .
- وعن كعب بن مالك- رضي الله عنه؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث النّاس يوم القيامة فأكون أنا وأمّتي على تلّ ويكسوني ربّي حلّة خضراء ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود» «5» .
3- شفاعة عظمى وشفاعات:
«6»
يجمع الله- عز وجل الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، وتدنو منهم الشّمس وقد تضاعف حرّها وتبدّلت عمّا كانت عليه من خفّة أمرها ويعرق النّاس حتّى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعا ويلجمهم ويبلغ آذانهم «7» في يوم مقداره خمسين ألف سنة، قياما على أقدامهم شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلّمون ولا ينظر في أمورهم. فإذا بلغ الكرب والجهد منهم ما لا طاقة لهم به كلّم بعضهم بعضا في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقّهم، فلم يتعلّقوا بنبيّ إلّا دفعهم، قال: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري حتّى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينطلق. فيشفع حتّى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق. وستأتي وقائع ذلك المشهد العظيم مفصّلة في الأحاديث، وبالله التّوفيق.
(1) رواه البخاري- الفتح 3 (1475) .
(2)
جثا: أي جماعات جمع جثوة كخطوة وخطا. وتروى هذه اللفظة جثى بتشديد الياء: جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه- انظر النهاية لابن الأثير (1/ 239) ، ولسان العرب (14/ 131- 132) ، وفتح الباري (8/ 252) .
(3)
رواه البخاري- الفتح 8 (4718) .
(4)
رواه الترمذي برقم (3137) وقال: هذا حديث حسن، ورواه الإمام أحمد في مسنده (2/ 444، 478) ، وابن جرير في تفسيره (15/ 98) .
(5)
رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 456) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 51) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وقال الهيثمي في موضع آخر (10/ 377) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الكبير رجاله رجال الصحيح. ورواه كذلك الحاكم في المستدرك (2/ 363) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6)
الشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره.. وشفع إليه: في معنى طلب إليه. والشافع: الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب. يقال: تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه واسم الطالب شفيع- انظر لسان العرب (8/ 184) . وقال ابن حجر: الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرومه- انظر الفتح (11/ 441) . والشفاعة ملك لله عز وجل ولا تسأل إلا منه ولا تكون إلا من بعد إذنه تبارك وتعالى سواء في ذلك شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشفاعة من دونه، وذلك الإذن يتعلق بالشافع والمشفوع فيه، وبوقت الشفاعة، فليس يشفع إلا من أذن الله له في الشفاعة. وليس له أن يشفع إلا بعد أن يأذن الله له، وليس له أن يشفع إلا فيمن أذن الله تعالى له أن يشفع فيه.
(7)
كما صح بذلك الخبر- انظر البخاري- الفتح (11/ 6532) ، ومسلم برقم (2863) .
وبعد هذه الشّفاعة يكون له ولغيره شفاعات أخرى سنبيّنها- إن شاء الله تعالى- فهذه هي الشّفاعة العظمى وهي الشّفاعة الأولى لنبيّنا صلى الله عليه وسلم، وهي المقام المحمود. قال الحافظ ابن حجر: والمقام المحمود هو الشّفاعة العظمى. الّتي اختصّ بها، وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم، والفراغ من حسابهم «1» .
وقد جاءت الأحاديث النّبويّة مثبتة لهذه الشّفاعة العظمى؛ فمن ذلك:
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه؛ قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم. فرفع إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهش منها نهشة ثمّ قال: أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع النّاس- الأوّلين والآخرين- في صعيد واحد- يسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذبات، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضّلك الله برسالته وبكلامه على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمت النّاس في المهد صبيّا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى صلى الله عليه وسلم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر ذنبا- نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمّد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمّدا صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى
(1) انظر فتح الباري (3/ 398) .
إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي عز وجل، ثمّ يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد، ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول:
أمّتي «1» يا ربّ، أمّتي يا ربّ، فيقال: يا محمّد، أدخل من أمّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة كما بين مكّة وحمير، أو كما بين مكّة وبصرى «2» .
- عن أنس- رضي الله عنه؛ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهمّوا»
بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربّنا فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو النّاس، خلقك الله بيده وأسكنك جنّته، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، لتشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيقول لست هناكم، قال: ويذكر خطيئته الّتي أصاب أكله من الشّجرة وقد نهي عنها، ولكن ائتوا نوحا أوّل نبيّ بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا، فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب وسؤاله ربّه بغير علم، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرّحمن. قال: فيأتون إبراهيم، فيقول: إنّي لست هناكم، ويذكر ثلاث كذبات كذبهنّ ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التّوراة وكلّمه وقرّبه نجيّا، قال فيأتون موسى فيقول إنّي لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب قتله النّفس، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته، قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
فيأتوني فأستأذن على ربّي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول ارفع محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه، فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النّار، وأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود فأستأذن على ربّي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقول: ارفع يا محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه. قال: ثمّ أشفع فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود الثّالثة فأستأذن على ربّي في داره فيؤذن لي
(1) الشفاعة في أمته وغيرها من الشفاعات تأتي بعد الشفاعة العظمى الأولى وهي إراحة الخلائق من هول الموقف والفصل بين العباد وبعد وضع الصراط والمرور عليه وحساب الناس، فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلى الجنة، ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل منهم النار، ثم فيمن قال لا إله إلا الله- انظر الشفا (1/ 431) ، وشرح النووي على صحيح مسلم (3/ 57، 58) ، والفتح (11/
446) .
(2)
رواه البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم برقم (194) .
(3)
يهموا: هذا لفظ البخاري- ولفظ مسلم (فيهتمون) وفي رواية (فيلهمون) . قال النووي رحمه الله: معنى اللفظتين متقارب فمعنى الأولى أنهم يعتنون بسؤال الشفاعة وزوال الكرب الذي هم فيه، ومعني الثانية أن الله تعالى يلهمهم سؤال ذلك. والإلهام أن يلقي الله تعالى في النفس أمرا يحمل على فعل الشيء أو تركه- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 53) .
عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقول: ارفع محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه، قال: ثمّ أشفع فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النّار وأدخلهم الجنّة حتّى ما يبقى في النّار إلّا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. ثمّ تلا الآية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «1» . قال: وهذا المقام الّذي وعده نبيّكم صلى الله عليه وسلم «2» .
- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثمّ بموسى «3» ثمّ بمحمّد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم «4» .
هذا، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى غير الشّفاعة العظمى، منها ما اختصّ بها وحده، ومنها ما شاركه فيها غيره ممّن أذن الله تعالى له من الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وغيرهم.
فنسرد شفاعته «5» صلى الله عليه وسلم، ثمّ نقتصر في ذكر الأدلّة على ما اختصّ به منها دون غيره:
1-
الشّفاعة في استفتاح باب الجنّة.
2-
الشّفاعة في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنّة.
3-
الشّفاعة فيمن استحقّ النّار من الموحّدين أن لا يدخلها.
4-
الشّفاعة في إخراج عصاة الموحّدين من النّار.
5-
الشّفاعة في رفع درجات ناس في الجنّة.
(1) قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله: والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة. لكن الشفاعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان: الأول العامة في فصل القضاء، والثاني الشفاعة في إخراج المذنبين من النار. ثم ذكر أقوالا أخرى في تفسير المقام المحمود
…
إلى أن قال: ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة. فإن إعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه
…
كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضى بين الخلق. وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك- انظر فتح الباري (11/ 435) .
(2)
رواه البخاري- الفتح 13 (7440) ، ومسلم برقم (193) .
(3)
قوله (بآدم ثم بموسى) : قال الحافظ ابن حجر: هذا فيه اختصار وسيأتي في الرقاق- أي في كتاب الرقاق- في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم انظر فتح الباري (3/ 397) وقد مر ذلك قريبا.
(4)
رواه البخاري- الفتح 3 (1475) .
(5)
انظر في ذلك فتح الباري (11/ 436) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 378) .