الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلفه على راحلته تكريما له حتى دخلوا المدينة. «1»
سرية أبان بن سعيد بن العاص:
لم تحدد المصادر الجهة التي وجه النبي صلى الله عليه وسلم هذه السرية إليها في نجد، كما لم يرد ما يوضح عدد المشاركين فيها، أو نتائجها، وقد عادت السرية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد أن تم فتحها «2» .
غزوة خيبر:
كان إجلاء بني النضير عن المدينة ونزول زعمائهم في خيبر حاسما في بلورة موقف معاد ليهود خيبر تجاه المسلمين، وهو أمر لم يكن ظاهرا قبل ذلك «3» ، وحين نزل سلّام بن أبي الحقيق وابن أخيه كنانة بن الربيع، وحيي بن أخطب خيبر فقد دان لهم أهلها بالولاء والطاعة «4» ، وكان لذلك أثره في تصدي يهود خيبر للصراع ضد الإسلام والمسلمين، حيث جرهم قادتهم الجدد إلى التصدي للإسلام بغية الانتقام وبدافع حقدهم الدفين على المسلمين، ورغبتهم العارمة في استعادة ديارهم ومواقعهم ومصالحهم في المدينة ولذلك فقد أجلوا منها. وهكذا فقد قام يهود خيبر وزعماؤهم الجدد بدور بارز في تجميع الأحزاب وحشدهم ضد المسلمين، بل إنهم أنفقوا أموالهم، واستغلوا علاقاتهم مع يهود بني قريظة من أجل نصرة الأحزاب. وطعن المسلمين في ظهورهم «5» ، وهكذا أصبحت خيبر مصدر خطر كبير على المسلمين ودولتهم النامية.
تفرغ المسلمون بعد صلح الحديبية لتصفية خطر يهود خيبر الذي أصبح يهدد أمن المسلمين، ولقد تضمنت سورة الفتح التي نزلت بعد الحديبية وعدا إلهيّا بفتح خيبر وحيازة أموالها غنيمة، قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً «6» .
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 4/ 173، حديث 4194) ، مسلم- الصحيح 3/ 1432- 1441، (حديث 1806) ، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 173.
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 498- 9، حديث 4238) .
(3)
ينقل ابن هشام في السيرة (3/ 272) ما يفيد بأن حادثة إجلاء بني النضير عن المدينة لم يكن كافيا لكسر شوكتهم فقد غادروا المدينة ومعهم النساء والأولاد والأموال بل وحتى القيان، وأنهم خرجوا
في تظاهرة اعتداد بالنفس غريبة، فقد «كانت العازفات خلفهم يضر بن بالدفوف ويزمرن بالمزامير وهم يغادرون بخيلاء وفخر واعتداد بالنفس لم يحصل مثله في حي من الناس في زمانهم» .
(4)
المرجع السابق 3/ 273.
(5)
ابن هشام- السيرة 3/ 253- 255، وكان ذلك سببا في العقوبة الرادعة التي أنزلت ببني قريظة بعد فشل غزوة الأحزاب، وكذلك في إرسال سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحقيق (البخاري- الصحيح، فتح الباري- كتاب المغازي 7/ 1340) .
(6)
القرآن الكريم- سورة الفتح، الآيات/ 18- 21. وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن الإشارة في قوله تعالى: وعجّل لكم هذه تعني فتح خيبر، انظر ابن كثير- التفسير 7/ 322 وهو قول مجاهد، وانظر ما أورده ابن حجر- فتح الباري 7/ 464 برواية ابن إسحاق عن المسور، ومروان وقولهما:«يعني خيبر» .
وقد كانت غزوة خيبر في المحرم من السنة السابعة للهجرة على أرجح الأقوال «1» رغم الخلاف بين مؤلفي كتب السيرة والمغازي حول ذلك «2» .
وقاد الرسول صلى الله عليه وسلم جيش المسلمين وكان عدده ألفا وأربعمائة مقاتل فيهم مائتا فارس، ولم يغب عن المشاركة في غزوة خيبر أحد من أصحاب بيعة الرضوان في الحديبية سوى جابر بن عبد الله «3» وكانت الروح المعنوية للمسلمين عالية، وكانوا يلهجون بالتهليل والتكبير لله تعالى بأصوات مرتفعة، مما يشعر بمدى إيمانهم وتوكلهم على الله، وثقتهم بالنصر منه سبحانه، وقد طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفقوا بأنفسهم فقال:
«إنّكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم» »
، وقد سلك المسلمون طريق ثنية الوداع فزغابة، ونقمي، فالمستناخ، فعصر، فالصهباء، فالخرصة، وحين وصلوا منطقة خيبر سلكوا بين الشق والنطاة، ثم المنزلة، ثم الرجيع التي تقع شمال شرق خيبر حيث عسكروا فيها «5» ، ويبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد من ذلك أن يعزل خيبر عن المنطقة الشمالية، كما يعزلها عن حلفائها من غطفان.
نزل المسلمون بساحة يهود خيبر قبل بزوغ الفجر، وصلوا الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم باشروا الهجوم مع شروق الشمس «6» ، وقد فوجيء الفلاحون من يهود بالمسلمين حين كانوا في طريقهم إلى أشغالهم، فصاحوا:«محمد والخميس!» ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» «7» .
وقد تهارب اليهود إلى حصونهم وأغلقوها دونهم فحاصرهم المسلمون، وحاولت قبيلة غطفان نجدة حلفائها اليهود، ولكنهم لم يشتركوا في القتال خوفا من أن يهاجم المسلمون ديارهم «8» .
(1) قال بذلك ابن إسحاق، انظر سيرة ابن هشام 2/ 130، الواقدي- مغازي رسول الله 2/ 634، ابن حجر- فتح الباري 7/ 464.
(2)
يكمن مرد الخلاف في الأصل إلى الاختلاف في تحديد بداية السنة الهجرية الأولى فقد احتسب بعضهم الأشهر بين محرم وربيع الأول وهو شهر الهجرة مما نجم عن احتساب إضافة سنة واحدة كاملة الى تواريخ الحوادث بسبب أن السنة الهلالية الشرعية تبدأ من المحرم، ومنهم من امتنع عن ذلك واهملها معتبرا ربيع الأول بداية التقويم، وبذلك فإنه أسقط تسعة أشهر من تاريخ الحوادث، وفي هذه المناسبة ذهب كل من الزهري ومالك إلى أن خيبر وقعت في المحرم من السنة السادسة (ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 33) في حين ذهب محمد بن سعد إلى أنها وقعت في جمادى الأولى سنة 7 هـ (الطبقات 2/ 106) في حين اعتبرها شيخه الواقدي في صفر أو ربيع الأول السنة السابعة (المغازي 2/ 634) .
(3)
أبو داود- السنن، كتاب الخراج والفيء والأمارة 3/ 413، الحاكم- المستدرك، 2/ 131، وكان غياب جابر بعذر مشروع (ابن هشام- السيرة النبوية 3/ 467) .
(4)
البخاري- الصحيح، كتاب المغازي- باب غزوة خيبر 7/ 470 (حديث 4205) .
(5)
الواقدي- مغازي 2/ 639.
(6)
الواقدي- مغازي 2/ 639، ابن هشام- سيرة 3/ 438.
(7)
البخاري- الصحيح، كتاب الصلاة 1/ 478، (حديث 610) ، مسلم- الصحيح 3/ 1426- 1427، حديث 1365) .
(8)
ذكر ابن إسحاق أنهم تجمعوا وساروا نحو خيبر وبعد أن قطعوا مرحلة، سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا فظنوا أن المسلمين قد خالفوا إليهم فرجعوا وخلوا بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين خيبر (ابن هشام- السيرة 3/ 438) ، ويقرر الواقدي وصول غطفان إلى حصون خيبر وينفرد بالقول أنهم رفضوا عرضا من النبي صلى الله عليه وسلم بمنحهم تمر خيبر لذلك الموسم مقابل إنسحابهم، ولا يصح الاعتماد على هذه المعلومات لضعف الواقدي وعدم ورود ذلك من طرق أخرى (الواقدي- مغازي 3/ 650) .
بدأ المسلمون حصارهم لحصون خيبر، وحمل أبو بكر الصديق- رضي الله عنه الراية خلال اليومين الأولين من حصار حصن ناعم، ولقي المسلمون مقاومة عنيفة وأصابتهم شدة وجهد، ولم يتمكنوا من فتح الحصن خلال تلك الفترة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنّي دافع اللّواء غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، ولا يرجع حتّى يفتح له» «1» ، فطابت نفوس المسلمين، فلما صلّى فجر اليوم الثالث دعا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه ودفع إليه اللواء فحمله فتم فتح الحصن على يديه «2» ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى عليّا بأن يبدأ بدعوة يهود إلى الإسلام وبأن يقاتلهم إذا رفضوا ذلك «حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» «3» ، وقد استشهد في حصار حصن ناعم محمود بن مسلمة الأنصاري الذي ألقى عليه مرحب اليهودي رحى من أعلى الحصن، وقد بارزه عليّ بعد ذلك فقتله، وكان لذلك أثره السلبي في هبوط معنويات اليهود، فقد كان مرحب من أبطالهم المعدودين «4» . وواصل اليهود في حصن الناعم مقاومتهم الحصار الإسلامي الذي استمر لمدة عشرة أيام «5» .
توجه المسلمون بعد فتح حصن الناعم إلى حصار حصن الصعب بن معاذ في منطقة النطاة، وقد تحصن فيه خمسمائة مقاتل من اليهود ومعهم المؤن والطعام والمتاع، وقد أبلى المسلمون، وحامل رايتهم الحباب بن المنذر، بلاء حسنا وأحكموا الحصار، واستمرت مقاومة اليهود ثلاثة أيام قبل أن يفتح الله بالنصر للمسلمين، وقد غنموا منه الكثير من الطعام والمتاع «6» .
وكان حصن قلعة الزبير آخر حصون منطقة النطاة، وأكثرها حصانة، وقد تجمع فيه إضافة إلى من كان فيه أصلا، أولئك الذين فروا من حصني ناعم والصعب وبقية حصون اليهود القريبة، وحاصرهم المسلمون، وقطعوا عن الحصن مجرى الماء واضطروهم إلى الخروج من الحصن للقتال، وأصابوا منهم عشرة من مقاتليهم، قبل أن يتم فتح الحصن بعد ثلاثة أيام من الحصار «7» .
(1) أحمد- المسند 5/ 353.
(2)
أحمد- المسند 5/ 353، الحاكم- المستدرك 3/ 37، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 150، وأصل الرواية ورد في صحيح مسلم 4/ 1872 (الاحاديث 2405- 2407) وليس فيه خبر حمل أبي بكر الراية، ووردت عدة روايات ضعيفة أخرى فيها أن عمر- رضي الله عنه هو حامل الراية، وبأنه قد تعاقب مع أبي بكر- رضي الله عنه عليها.
(3)
مسلم- الصحيح، كتاب الفضائل 4/ 1872، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 177.
(4)
مسلم- الصحيح 3/ 1433 (حديث 1807) ، وانظر ابن هشام- السيرة 3/ 438، الواقدي- مغازي 2/ 645 وقد وردت عدة روايات تفيد أن عليا تترس بأحد أبواب الحصن بعد أن أسقط ترسه بعد مبارزته لأحد أبطال اليهود وكلها روايات ضعيفة وإهمالها وعدم إعتبارها لا ينفي عن علي- رضي الله عنه قوته وشجاعته وجهاده وصلابته ويكفيه ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه وما ورد في فضائله بالمرويات الصحيحة. انظر الساعاتي- الفتح الرباني 21/ 120، ابن هشام السيرة 3/ 446، ابن كثير- السيرة 3/ 359، ابن حجر الإصابة 2/ 509، البيهقي- دلائل 4/ 212، الشامي السيرة 5/ 201.
(5)
الواقدي- المغازي 2/ 657، وانظر البيهقي- دلائل 4/ 212.
(6)
الواقدي- المغازي 2/ 659- 663.
(7)
الواقدي- المغازي 2/ 663- 670، الشامي- سبل 5/ 202- 206.
انتقل المسلمون بعد ذلك من معسكرهم في الرجيع، وعسكروا في منطقة المنزلة بعد أن تخلصوا من أهل النطاة الذين كانوا أشد وأشرس اليهود، وقد ارتفعت معنويات المسلمين كثيرا بسبب انتصاراتهم المتكررة على عدوهم وحيازتهم طعامه ومتاعه، في الوقت الذي انحطت فيه معنويات يهود خيبر الآخرين، إضافة إلى ما أصابهم من رعب وقنوط وهم يشاهدون حصون منطقة النطاة وهي تتهاوى تحت ضربات المسلمين وحصارهم.
وتوجه المسلمون لفتح منطقة الشق التي تحتوي على عدد من حصون اليهود أهمها حصن أبيّ، وحصن النزار، وبعد مبارزات فردية هجم المسلمون على حصن أبّي فاقتحموه وحازوا ما فيه من طعام ومتاع، وتمكن بعض مقاتلة اليهود من الانتقال إلى حصن نزار، فدعموا مقاومته بوجه الهجوم الإسلامي، وقاتلوا بالنبال والحجارة، غير أنهم سرعان ما تهاوت مقاومتهم، وكتب الله النصر للمسلمين، وفتح الحصن، وفر من تمكن من مقاتلته إلى منطقة الكتيبة حيث تحصنوا في حصن القموص المنيع، كما التحق بعضهم بمن كان في حصني الوطيح والسلالم. وقد حاصرهم المسلمون أربعة عشر يوما، حتى طلبوا الصلح دون أن يحصل قتال «1» ، وكان القتال عند حصن نزار في منطقة الشق هو آخر قتال ليهود خيبر، فقد انهارت بعد ذلك مقاومتهم، فاقتصروا على التحصن في قلاعهم وآطامهم وحصونهم وكانوا دائما ينزلون على الصلح «2» والثابت أن يهود حصن القموص سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلح ثم نكثوا العهد فحاز أموالهم «3» ، وتواترت الروايات الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر عنوة فقد غلب على الأرض والنخل وألجأهم إلى حصونهم التي قاتلهم عليها أو صالحهم فنكثوا العهد «4» .
ولقد أيقن يهود حصني الوطيح والسلالم بعدم جدوى المقاومة بعد أن سقطت حصونهم الشمالية المنيعة:
النطاة والشق والقموص، ولذلك فإنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسيّرهم وأن يحقن دماءهم، وقد وافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك «5» . وبذلك فقد سقطت سائر منطقة خيبر أرضها وزروعها ومياهها وحصونها بيد المسلمين «6» .
(1) الواقدي- المغازي 658- 671.
(2)
انفرد الواقدي بتقديم صورة واضحة عن أحداث فتح منطقة خيبر ووادي القرى وفدك وما جاورها، ومع أنه ضعيف عند المحدثين والنقاد، فإنه إخباري غزير المعلومات، وما يقدمه في هذا المجال هو مما يتساهل فيه من الأخبار.
(3)
وكان صلحهم على أن للمسلمين ما كان عندهم من ذهب وفضة وسلاح ودروع «الصفراء والبيضاء والحلقة» ، وأن لهم ما حملت ركابهم، على ألّا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكا لحيي بن أخطب، وحين سئلوا عنه أنكروا وجوده وادعوا أنه إنما أذهبته الحروب والنفقات، فوجد المسلمون المسك عندهم مما أسقط ذمتهم وعهدهم (ابو داود- السنن 3/ 408) .
(4)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 3/ 32 حديث 1365) ، مسلم الصحيح 3/ 1427 (حديث 1365) ، أبو داود- السنن 3/ 408- 410، كتاب الخراج (حديث 3009) بإسناد صحيح وقد جزم ابن القيم في زاد المعاد 3/ 352- 354 أنها فتحت عنوة، وبه قال ابن عبد البر- الدرر ص/ 214.
(5)
ابن هشام- السيرة 3/ 449.
(6)
لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أبقى يهود خيبر فيها على أن يعملوا في زراعتها وينفقوا عليها من أموالهم ولهم نصف ثمارها على أن للمسلمين حق إخراجهم منها متى ما أرادوا ذلك، وكان هذا الاتفاق بمبادرة من يهود أنفسهم انظر: البخاري- الصحيح (باب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر) 7/ 496، مسلم- الصحيح- كتاب المساقاة 3/ 1186- 1187، أبو داود- السنن، كتاب البيوع 3/ 697.
ولما فرغ المسلمون من فتح خيبر، بلغت يهود فدك أخبارهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الصلح على أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ويتنازلوا في المقابل عن أموالهم له، وقد وافق النبي صلى الله عليه وسلم على طلبهم «1» ، وبذلك كانت فدك خالصة للرسول صلى الله عليه وسلم. «2»
حاصر المسلمون بعد ذلك وادي القرى فاستسلمت، وغنم المسلمون منها أموالا كثيرة وتركوا الأرض والنخل بيد يهود وعاملوهم عليها مثل خيبر «3» ، وكذلك الحال مع تيماء التي صالحت وعومل أهلها في زراعة أرضهم على مثل معاملة خيبر ووادي القرى «4» .
استشهد من المسلمين خلال هذه المعارك عشرون رجلا «5» ، في حين بلغ عدد قتلى يهود في معارك خيبر ثلاثة وتسعين رجلا «6» ، وذلك من خذلان الله تعالى ليهود، حيث كانوا يقاتلون من خلف حصونهم وهم يدافعون عنها، في حين كان المسلمون في حالة هجوم وهم بدون حواجز أو سواتر سوى عصمة الله تعالى.
أحدث فتح خيبر وفدك ووادى القرى وتيماء دويّا هائلا في الجزيرة العربية بين مختلف القبائل، وقد أصيبت قريش بالغيظ والكآبة إذ لم تكن تتوقع ذلك، وهي تعلم مدى حصانة قلاع يهود خيبر، وكثرة مقاتلتهم، ووفرة سلاحهم ومتاعهم ومئونتهم «7» ، أما القبائل العربية الأخرى المناصرة لقريش فقد أدهشها خبر هزيمة يهود خيبر، وخذّلها انتصار المسلمين الساحق، ولذلك فإنها جنحت إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم بعد أن أدركت عدم جدوى استمرارها في عدائهم، مما فتح الباب واسعا لنشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، بعد أن تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم إلى جانب ما تحقق لهم من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي.
وقد نزلت آية من الذكر الحكيم، أوضحت بأن غنائم خيبر هي خاصة بمن شهد الحديبية من المسلمين
(1) أبو داود- السنن 3/ 414 كتاب الخراج (حديث 3016) ، المنذري- مختصر سنن أبي داود 4/ 239، أبو يوسف- الخراج ص/ 50.
(2)
حيث أنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي الفيء الذي نصت عليه الآية/ 6 من سورة الحشر.
(3)
خليفة بن خياط- التاريخ ص/ 85 وهي مجموعة قرى في واد كثير الزراعة إلى الشمال من خيبر بينها وبين تيماء، وانظر ابن القيم- زاد المعاد 1/ 405.
(4)
ابن القيم- زاد المعاد 1/ 405.
(5)
أورد ابن هشام في السيرة 20/ 804- 805 قائمة بأسماء الشهداء في خيبر، أما الواقدي فقد ذكر أنهم خمسة عشر شهيدا (المغازي 2/ 700) .
(6)
الواقدي- المغازي 2/ 699، وقد سبيت نساؤهم، وكانت أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب- رضي الله عنها أصلا ضمن سبي خيبر وقعت في سهم دحية الكلبي، فاشتراها النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقها ثم تزوجها في طريق العودة إلى المدينة (البخاري- الصحيح) فتح الباري حديث 4211) ، وعنده أنه اصطفاها لنفسه، وانظر مسلم- الصحيح 2/ 1045- 1046 (حديث 1365) ، الحاكم- المستدرك 4/ 28.
(7)
أحمد- المسند 3/ 138، الهيثمي- موارد الظمآن ص/ 143.