الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس وسائط تنمية الأخلاق
إن وسائط تنمية القيم الخلقية كثيرة ومتعددة، ويتم عن طريقها تنشئة الأفراد المسلمين على القيم الإسلامية الصحيحة، وهذه الوسائط هي نفسها وسائط أو وكالات الثقافة المنوط بها تنشئة الأفراد على ثقافة المجتمع، ذلك أن الثقافة هي «الإطار الأساسي والوسط الذي تنمو فيه الشخصية وتترعرع، فهي التي تؤثر في أفكاره ومعتقداته ومعلوماته ومهاراته، وخبراته ودوافعه، وطرق تعبيره عن انفعالاته ورغباته، كما تحدد له القيم والمعايير التي يسترشد بها وتفرض عليه التقاليد التي يتمسك بها» «1» ، إلا أن الثقافة لا يمكنها أن تشكل الشخصية بهذا الشكل، وتقدم لها القيم اللازمة لاستمرار حياتها إلا عن طريق التربية والتعليم أو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية، والتي ينظمها المجتمع تنظيما دقيقا بها وكالاته أو مؤسساته أو وسائطه «2» .
ولذا يأتي البحث هنا عامّا بمعني أنه لن يقتصر على المدرسة وحدها كمؤسسة تعليمية وتربوية مقصودة، بل سنبحث عن الوسائط الثقافية كلها، لما لها من دور بالغ الأهمية في عملية تنمية القيم، ولأن حديثنا عن القيم الإسلامية موصول، فإن تناولنا لهذه الوسائط يأتي في هذا الإطار الإسلامي غير مغفلين أثر التطورات والتغيرات التي لحقت بالحياة المعاصرة وما صاحبها من تخصص وتداخل وتكامل أو حتى ضياع مراكز كانت تحتل الصدارة فأصبحت في المؤخرة، وتقدم أخرى حتى أصبحت في المقدمة.
ويأتي الحديث عن هذه الوسائط في محاولة لتحديد دور كل واحد من هذه الوسائط وما يجب أن يقوم بأدائه من أدوار في إطار تنمية القيم الإسلامية في المجتمع الإسلامي المعاصر.
أ- الأسرة:
وهي الوعاء الاجتماعي الذي يتلقي الطفل معلوماته، ويتفاعل مع أفرادها، ويشعر بالانتماء إليه، وبذلك يكسب الطفل أول عضوية له في جماعة، ويتعلم منها كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته وتحقيق مصالحه من خلال تفاعله مع أعضائها.
(1) سامية الساعاتي، الثقافة والشخصية، بحث في علم الاجتماع الثقافي، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية، 1983 م ص 223.
(2)
المرجع السابق، ص 224- 226.
(3)
محمد الهادي عفيفي، في أصول التربية، الأصول الثقافية للتربية، القاهرة، الأنجلو المصرية، (بدون تاريخ) ، ص 218.
ويولد الطفل خلوا من أي شيء يحدد شكل تعامله مع المواقف والأشياء والأشخاص والأهداف التي تنتظم عليها حياته بعد ذلك، والأسرة هي التي تتولى رسم توجهاته في الحياة من خلال القيم التي تحتويها ثقافة المجتمع ويستجيب الطفل لها نظرا لما للأسرة من قدرة وإمكانات على إشباع حاجاته، ومعاونته على مواجهة المواقف التي تواجهه في حياته المبكرة «1» .
وأهم مشكلة تواجه الفرد في حياته، تلك التي تتمثل في الكيفية التي يتعامل بها مع محيطه، بعبارة أخرى:
كيف يتمكن من التعامل مع عالمه بطريقة منسقة؟ والجواب هنا يتمثل في الخبرات التي يستمدها الطفل من بيئته، وما تتضمنه من مسلمات تتعلق بدلالات الأشياء والأشخاص والأحداث، أي من خلال القيم التي يتشربها ويستدخلها في ذاته من خلال أسرته، وتظل معه طوال حياته في بنائه الشخصي والذات «2» .
وهنا تبرز أهمية التنشئة الاجتماعية عن طريق الأسرة، التي يكتسب الطفل عن طريقها الحكم على الأشياء والمواقف والخبرات، وتتأثر تلك العملية بالجو الأسري وما يسوده من تعاون واستقرار، أو تشاحن واضطراب، وكلما كانت العلاقة القائمة بين الوالدين تستند إلى المحبة والتفاهم والتعاون، تأتي التنشئة الاجتماعية صحيحة وسليمة، فيتشرب الطفل القيم بطريقة صحيحة سليمة.
وكلما كانت الأسرة متمسكة بدينها، ومبادئه وقيمه، انعكس ذلك على تربية الأطفال، حيث تعمل على تنشئة أبنائها على القيم الصحيحة، فيحكمون الدين ومبادئه وأحكامه في كل تصرفات حياتهم، والعكس صحيح «3» .
وقد أراد الله للأسرة أن تقوم على الأسس الصحيحة السليمة، فأرسى الدعائم السليمة الصحيحة، والأسس القويمة لتكوينها تكوينا سليما كحاضن جيد للطفل، بحيث ينشأ نشأة سوية، متمسكا بالقيم الإسلامية، ولهذا وردت النصوص الوافرة موجهة إليه، عاكسة روح الإسلام وأهدافه في بناء الأسرة «4» .
إن الأسرة المسلمة تقوم على مبادىء معينة، هامة وجليلة الشأن من أجل توفير جو صحي سليم لتربية الأولاد تربية سليمة على القيم الإسلامية، فهي تقوم على المودة والرحمة: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «5» .
(1) محيي الدين أحمد حسين (مرجع سابق) ، ص 59.
(2)
المرجع السابق، ص 59.
(3)
منير المرسي سرحان، في اجتماعيات التربية، الطبعة الثانية، بيروت، دار النهضة العربية 1981 م، ص 184، 183.
(4)
راجع في نظام الأسرة في الإسلام- مثلا-: أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص 179- 200.
(5)
سورة الروم: 21.