الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا وتطاوعا» «1» ، وبعث صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى اليمن أيضا ثم استبدله بعلي بن أبي طالب، وكان من مهامه أن يستوفي الأخماس، وقد نجح علي في مهمته، وقد أسلمت همدان على يديه «2» .
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية من مائة وخمسين راكبا عليهم جرير بن عبد الله البجلي فكسروا الصنم ذا الخلصة في الكعبة اليمانية وقتلوا من كان عنده، فدعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم «3» .
حجة الوداع:
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على أداء فريضة الحج- وهي الحجة الوحيدة التي أداها بعد هجرته إلى المدينة «4» - فقدم المدينة عدد كبير من المسلمين وفدوا من مختلف أنحاء جزيرة العرب للحج معه، والاقتداء بهديه، وقد خرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة «5» . وقد جاءت حجته صلى الله عليه وسلم حافلة بالأحكام والمناسك والوصايا، أفرد لها العلماء كتبا خاصة بها «6» ، واستنبطوا منها الكثير من أحكام المناسك مما تزخر به كتب الفقه والحديث وشروحه «7» ، وقد تعلم المسلمون مناسك الحج من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بناء على توجيهه الكريم حين قال لهم:«خذوا عنّي مناسككم» .
ولما وقف صلى الله عليه وسلم في عرفات نزلت عليه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «8» .
وكان مما قاله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع التي ألقاها على الحجاج في عرفات: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وإنّكم
ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، وإنّ كلّ ربا موضوع، وأوّل ربا أضع، ربا عبّاس بن عبد المطّلب فإنّه موضوع كلّه. وإنّ كلّ دم في الجاهليّة موضوع، وإنّ أوّل دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب.
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4347) ، وذكر ابن كثير أنه قد «أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة» . البداية والنهاية 5/ 113.
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4349) ، مسلم الصحيح 2/ 888 (حديث 1218) ، أحمد- المسند 3/ 86، أبو داود- السنن 14/ 11- 12 (حديث 3582) .
(3)
البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث 4355- 57) ، مسلم- الصحيح 4/ 1926 (حديث 2476) ، واليمانية نسبة إلى موقعها، وقد تعرف أحيانا بالشامية باعتبار أن بابها يواجه بلاد الشام، أو الشمال.
(4)
مسلم- الصحيح 2/ 1887 (الحديث 1218) .
(5)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 104) . ابن هشام- السيرة 4/ 272 برواية ابن إسحاق، بإسناد حسن، ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 125 بإسناد جيد.
(6)
انظر مثلا ابن كثير- البداية 5/ 223- 233.
(7)
ابن القيم- زاد المعاد 2/ 101- 324، وانظر مسلم- الصحيح بشرح النووي 8/ 170.
(8)
القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 3، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4407) ، ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 123.
أيّها النّاس: اتّقوا الله في النّساء فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، وإن لكم عليهنّ ألّا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وإنّي قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعد إن اعتصمتم به، كتاب الله. وأنتم تسألون عنّي فما أنتم قائلون؟» ، قالوا نشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربّك، وأدّيت، ونصحت لأمّتك، وقضيت الّذي عليك، فقال صلى الله عليه وسلم:
«اللهمّ اشهد» «1» .
وقد ألقى الرسول صلى الله عليه وسلم خطبا أخرى في مزدلفة ومنى، فأكد في عرفات أن عرفة كلها موقف، وقال حين وقف في قزح صبيحة المزدلفة:«هذا الموقف وكلّ المزدلفة موقف» «2» . ثم لما نحر بالمنحر في منى، قال:«هذا المنحر وكلّ منى منحر» . وقال في إحدى خطبه في منى: «لا ترجعوا من بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» «3» .
وهكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، وقد أرى المسلمين مناسكهم، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم، من الموقف ورمي الجمار، وطواف بالبيت، وما أحل لهم من حجهم، وما حرم عليهم، فكانت حجة البلاغ، وحجة الوداع، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها «4» .
وقد وافى علي بن أبي طالب- رضي الله عنه عند عودته من اليمن، رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج، فحج معه «5» ، وقد اشتكى بعض الجند عليّا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشتد في معاملتهم، وأنه استرجع منهم حللا كان نائبه على اليمن قد وزعها عليهم، فأوضح لهم النبي صلى الله عليه وسلم في غدير خم قرب الجحفة مكانة عليّ وفضله لينتهوا عن الشكوى «6» . وقال صلى الله عليه وسلم:«من كنت مولاه فعليّ مولاه» «7» .
(1) مسلم- الصحيح بشرح النووي 8/ 170، وهو أهم المرويات الصحيحة التي وردت فيها أحكام حجة النبي صلى الله عليه وسلم ووصاياه فيها وهو حديث جابر- رضي الله عنه الذي رواه مسلم وتفرد به، ولم يرد في صحيح البخاري، ورواه أبو داود، ونقل النووي قول القاضي عياض: «وتكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا وخرّج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريبا منه
…
» ، وانظر تخريجه في كتاب «حجة النبي صلى الله عليه وسلم» للألباني ص/ 38- 41، ووردت بعض الخطبة في صحيح البخاري (فتح الباري 8/ 108، ورواه أئمة الحديث في كتبهم مقطعا في أبواب متفرقة متعددة من طرق صحيحة، وانظر أحمد- الفتح الرباني 21/ 280- 1، البيهقي- دلائل 5/ 449، الحاكم- المستدرك 1/ 93، البزار- كشف الأستار (رقم 1524) .
(2)
ابن هشام- السيرة 4/ 605- 606.
(3)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 107 حديث 4403) ، مسلم- الصحيح 1/ 82 (حديث 65- 66) ، احمد- الفتح الرباني 12/ 210- 212، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 101- 311.
(4)
ابن هشام- السيرة 4/ 606 برواية ابن إسحاق.
(5)
المرجع السابق 4/ 602- 603، وأورد ابن كثير- البداية 5/ 209 رواية قوية جيدة الإسناد.
(6)
ابن كثير- البداية 5/ 212.
(7)
أحمد- فضائل الصحابة 2/ 594 (رقم 1010) بإسناد صحيح، المسند 4/ 164، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، كما في تحفة الأشراف (3/ 13) من طريق يحيى بن آدم، والنسائي- الخصائص (ص/ 20) وابن ماجه 1/ 44، وانظر المسند أيضا 5/ 419، (بإسناد صحيح الحاكم المستدرك 3/ 110، والترمذي 5/ 63، وأحمد 5/ 347 عن ابن عباس. وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن بريدة، وجابر، وأبي هريرة (المطالب العالية 4/ 59- 60) ، وعقد الهيثمي في مجمعه (9/ 103) بابا في ذلك ذكر فيه طرقا كثيرة جدّا غير ما أسلفنا.