الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني الأخلاق الإسلامية طبيعتها
…
مصادرها
…
أركانها
بعد أن تعرفنا على مفهوم الأخلاق، ووظائفها، يمكننا أن نعرض لطبيعة الأخلاق الإسلامية وخصائصها، باعتبارها معبّرا قويّا عن الذاتية الثقافية للأمة الإسلامية بعالميتها وشمولها، بما يدفع أي شك أو تردد في وجود تلك الأخلاق وتفردها، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأهميتها في توليد الحركة الحضارية الذاتية للمجتمع الإسلامي، وذلك بتحريك الوعي بتلك القيم في نفوس الأفراد.
أولا: طبيعة الأخلاق الإسلامية:
للأخلاق الإسلامية طبيعة متميزة متفردة سواء فيما يتعلق بالإطار النظري لها، أو بأركانها،
وفي سبيل توضيح ذلك؛ نسوق مقدمتين
،
ثم نتناول أركان الفعل الخلقي في الإسلام.
المقدمة الأولى: الأخلاق الإسلامية والعقيدة الإسلامية:
لا تصدر الأخلاق الإسلامية عن مصلحة مؤقتة أو منفعة ذاتية، ولما كانت الأخلاق تعتمد على أصل الشعور بها عند الإنسان، بحيث يترجم عنها في صورة أفعال أو انفعال أو لفظ، فإن الإسلام يجعل الإنسان الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق، وهذه الأخلاق تهدف إلى تحقيق كرامة الإنسان بمراعاة طبيعته، وقدراته، وما سخر له في السماوات والأرض، وبما أنزل عليه من كتب وما أرسل إليه من رسل، وبذا تتحقق كرامة الإنسان ويتهيأ بها للعمل الصالح المحكوم بسياج العقيدة الصحيحة «1» .
إن هدف الإسلام هو «تحرير البشرية من الرق في جميع أشكاله، وتحريك الإنسان من أجل السعي والدأب على الاحتفاظ بالخصائص الإنسانية، وعدم الانحراف في توجيهها أو في ممارستها» وإذا تحدث الإسلام عن الأخلاق كضابط لسلوك الإنسان، فإنه لا يهدف إلا إلى «أن يبقى الأفراد على مستوى إنساني لا يستذل واحد آخر، ولا يؤذي فرد فردا في بشريته، وبهذا يكون المجتمع مجتمعا إنسانيّا، كل فرد فيه يشعر بالطمأنينة وبالارتياح في صلته بغيره» «2» .
ومن أهدافه أيضا المحافظة على حرية الإنسان، التي لا يحدها إلا إطار الشرعية أو المصلحة العامة،
(1) محمد فتحى عثمان: القيم الحضارية فى رسالة الإسلام، الطبعة الأولى، الدار السعودية، 1402/ 1403 هـ، ص 42.
(2)
محمد البهي: الدين والحضارة الإنسانية، الجزائر، الشركة الجزائرية، (بدون تاريخ) ، ص 85 (بتصرف) .
فرسالة الإسلام هى رسالة الله للإنسان، وهذا يجعلنا نقول إن إرساء الإسلام لهذه الأخلاق إنما كان لتحقيق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، فأخلاق الإسلام كشريعته وعقيدته جاءت ليحصل بها السعادة في الدنيا والآخرة، وتحقيق كافة كمالات الإنسان، ذلك لأن جميع ما في الإسلام «من عقائد وعبادات ومعاملات تتكفل بتحقيق كل مصالح العباد بقسميها الدنيوي والأخروي، فالمسلم المتمسك بأحكام الدين في معاملاته مع الناس من حيث إنها أوامر إلهية، بالائتمار بها، ينال جزاء ذلك في الدنيا بالوصول إلى منافعه، وفي الآخرة بلوغ مرضاة الله وجناته» «1» .
وإذا كانت الغاية من الشرائع السماوية، حصول السعادة في الدارين، فإن هذا يدلنا على أن الله سبحانه لم يترك عباده سدى، بل أنعم عليهم بعد نعمة الخلق بإرسال الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتب المتضمنة لهداية العباد إلى الحق والخير والسعادة، وجميع الأحكام الكلية والجزئية إنما تهدف إلى تحقيق مصالحهم، وقد اتفقت كلمة العلماء على أن أحكام الله تعالى قائمة على رعاية المصالح، وإن اختلفت العبارات في ذلك «2» .
والمقاصد الكلية للشريعة تنحصر في المحافظة على كل من: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال «3» ، ولو اختل واحد من هذه الأمور الخمسة لاختلت لأجله الحياة، وقد شرع الله لحفظ هذه الضروريات أحكاما لوجودها، وأخرى للمحافظة عليها حتى لا تنعدم بعد الوجود، ووجوب المحافظة على هذه الأمور معلوم على سبيل القطع، وجاءت وسائل الحفاظ عليها في ثلاث مراحل حسب الأهمية، وتتمثل في الضروريات، والحاجيات والتحسينات.
فالضروريات: ما لا بد منه في حفظ الكليات الخمس، ويكون ذلك بإقامة أركانها، وتثبيت قواعدها وبدرء الفساد الواقع أو المتوقع عليها. وفي هذا الإطار شرع الشارع أوامر لتقويم الأركان والوجود، وأوامر أخرى لحفظها من الهدم والفساد، فهى أوامر ونواهي.
أما الحاجيات: فمعناها أنه قد تتحقق من دونها الأمور الخمسة، ولكن مع الضيق، فشرعت لحاجة الناس إلى رفع الضيق عن أنفسهم، كي لا يقعوا في حرج قد يفوت عليهم المطلوب، ومن هذا المجال الرّخص، وإباحة التمتع بالطيبات والتوسع في المعاملات، وغير ذلك.
والتحسينات: هى الأمور التي إذا تركت لا يؤدى تركها إلى ضيق، ولكن مراعاتها متفقة مع مبدأ الأخذ بما
(1) محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، الطبعة الرابعة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1402 هـ/ 1982 م، ص 85.
(2)
يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1412 هـ/ 1991 م، ص 77.
(3)
الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة ج 1، ط 4، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1402 هـ/ 1982 م، ص 85.
يليق، وتجنب ما لا يليق، ومتمشية مع مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ومن هذا المجال أحكام النجاسات، والطهارات، وستر العورة وما أشبه ذلك، وآداب الأكل وآداب الشرب وغير ذلك مما يندرج تحت ما يسمى بالآداب الشرعية «1» .
والهدف من ذلك كله أن يعرف الإنسان الغاية من خلقه وهى معرفة الله عز وجل، ولزوم موقف العبودية له، حيث ينال بذلك الخلود في جناته وظل مرضاته وهذه هي رابطة الحياة الآخرة بالدنيا» «2» .
والأدلة على ذلك كثيرة وافرة من القرآن الكريم والسنة، ومن ذلك قوله تعالى:
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «3» .
وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا «4» .
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ «5» .
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً «6» .
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ «7» .
ويسوق الراغب تعليلا جيدا حيث يقول: «ما أحد إلا وهو فازع إلى السعادة يطلبها بجهد، ولكن كثيرا ما يخطئ فيظن ما ليس بسعادة في ذاته أنه سعادة فيغتر بها، والنعم الدنيوية تكون نعما وسعادة متى تناولها الإنسان على ما يجب وكما يجب، ويجري بها على الوجه الذي لأجله خلق، وذلك أن الله جعل الدنيا عاريّة ليتناول منه قدر ما يتوصل به إلى النعم الدائمة والسعادة الحقيقية، وشرع لنا في كل منها حكما بين فيه كيف يجب أن يتناول ويتصرف عنها، لكن صار الناس في تناولها فريقين: فريق يتناولونه على الوجه الذي جعله الله لهم فانتفعوا به، فصار ذلك لهم نعمة وسعادة وهم الموصوفون بقوله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «8» ، وقوله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ «9» ، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ
(1) راجع: محمد سعيد رمضان، مرجع سابق، ص 119- 120 ويوسف حامد العالم، المقاصد العامة، مرجع سابق، ص 80- 82.
(2)
محمد سعيد رمضان، مرجع سابق، ص 121.
(3)
الذاريات: 56.
(4)
القصص: 77.
(5)
المؤمنون: 115.
(6)
مريم: 93.
(7)
الشورى: 20.
(8)
الحج: 41.
(9)
النحل: 30.