الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يئنّ أنين الصّبيّ الّذي يسكن. قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذّكر عندها» » .
وفي رواية أخرى عن جابر- رضي الله عنه؛ قال: «كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمّا صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار «2» ، حتّى جاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها، فسكنت» «3» .
وفي رواية من حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: «
…
ولو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة» «4» .
وكان الحسن البصريّ رحمه الله، إذا حدّث بحديث حنين الجذع يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقائه فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إليه» «5» .
ونقل ابن أبي حاتم في «مناقب الشّافعيّ عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشّافعيّ قال: ما أعطى الله نبيّا ما أعطى محمّدا، فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمّدا حنين الجذع حتّى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك «6» .
انقياد الشّجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن معجزاته وأعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم انقياد الشّجر بين يديه في مرّات عدّة:
- فعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما؛ قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى نزلنا واديا أفيح «7» . فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته. فاتّبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطيء الوادي «8» . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «9» ، الّذي يصانع قائده. حتّى أتى الشّجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها.
(1) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3584) .
(2)
العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها. انظر جامع الأصول (11/ 333) .
(3)
رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3585) .
(4)
رواه الإمام أحمد في مسنده (1/ 249) . وابن ماجة برقم (1415)، قال الحافظ ابن كثير: وهذا الإسناد على شرط مسلم. انظر البداية والنهاية (6/ 135)، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. انظر سنن ابن ماجه (1/ 455) .
(5)
انظر فتح الباري (6/ 697) .
(6)
أورده ابن حجر في الفتح (6/ 698) .
(7)
واديا أفيح: أي واسعا.
(8)
بشاطيء الوادي: أي جانبه.
(9)
كالبعير المخشوش: هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد. وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآلمه انقاد شيئا. ولهذا قال: الذي يصانع قائده.
فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كذلك. حتّى إذا كان بالمنصف «1» ممّا بينهما، لأم «2» بينهما (يعني جمعهما) فقال:«التئما عليّ بإذن الله» فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر «3» مخافة أن يحسّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد، فجلست أحدّث نفسي. فحانت منّي لفتة «4» ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا. وإذا الشّجرتان قد افترقتا.
فقامت كلّ واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا؟ وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا ثمّ أقبل. فلمّا انتهى إليّ قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال:
«فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته «5» . فانذلق «6» لي. فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنا. ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثمّ لحقته فقلت: قد فعلت، يا رسول الله! فعمّ ذاك؟ قال: «إنّي مررت بقبرين يعذّبان.
فأحببت، بشفاعتي، أن يرفّه عنهما «7» ، ما دام الغصنان رطبين» «8» . «9» .
- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما؛ قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابيّ، فلمّا دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال:«هل لك في خير؟» قال: وما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله» ، قال: ومن يشهد على ما تقول؟ قال: «هذه السّلمة «10» ، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطيء الوادي. فأقبلت تخدّ «11» الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه، فأشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنّه كما قال، ثمّ رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابيّ إلى قومه، وقال: إن اتّبعوني آتك بهم، وإلّا رجعت فكنت معك» «12» .
(1) بالمنصف: هو نصف المسافة.
(2)
لأم: روي بهمزة مقصورة: لأم وممدودة: لاءم. وكلاهما صحيح. أي جمع بينهما.
(3)
فخرجت أحضر: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا.
(4)
فحانت مني لفتة: اللفتة النظرة إلى جنب.
(5)
وحسرته: أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به.
(6)
فانذلق: أي صار حادا.
(7)
أن يرفه عنهما: أي يخفف.
(8)
رواه مسلم برقم (3012) .
(9)
انظر فيما سبق شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 143- 145) .
(10)
السلمة: شجرة من أشجار البادية.
(11)
تخد: تشق.
(12)
رواه الدرامي في المقدمة برقم (16)، قال الحافظ ابن كثير: إسناده جيد. انظر البداية والنهاية (6/ 131) .