الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول مفهوم الحياة- الابتلاء
لما كان الابتلاء علاقة تربط بين النفس الإنسانية وبين الحياة، كان لزاما علينا أن نوضح المقصود بهذه المفاهيم الأساسية في اللغة والاصطلاح، وأن نكشف عنها من منظور إسلامي، ونبدأ أولا ب:-
الحياة الدنيا لغة:
الحياة: نقيض الموت، والحيّ: نقيض الميت، والحيوان اسم يقع على كل شيء حيّ «1» ، أما الدنيا فهي نقيض الآخرة، سميت بذلك لدنوها أي لأنها دنت وتأخرت الآخرة، وكذلك السماء الدنيا هي القربى إلينا، وقيل: الدنيا اسم لهذه الحياة (سميت بذلك) لبعد الآخرة عنها «2» ، وقال الفيروزابادي: الحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان:
الحياة الدنيا والحياة الآخرة «3» .
الحياة الدنيا اصطلاحا:
الدنيا أو الحياة الدنيا هي ذلك الحيز المكاني والزماني منذ خلق الله الكون وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهي بالنسبة للآدمي أو جنس الإنسان تمتد منذ خلق الله آدم عليه السلام وإلى أن تقوم الساعة، أما بالنسبة للأفراد أو الأشخاص فهي لا تعدو تلك الفترة الزمنية التي تمتد من لحظة الميلاد إلى لحظة الوفاة. والمقصود بها هنا: الزمن الذي يحدث فيه الابتلاء «4» ، أما مكانه فهو الأرض التي نحيا عليها، وقد وصف الله عز وجل هذه الدنيا بصفات عديدة نوجزها فيما يلي:-
وصف الحياة الدنيا:
الحياة الدنيا كما وصفها المولى عز وجل في القرآن الكريم ذات أحوال متعددة أهمها:- 1- ذات عمر قصير ومتاع قليل: يقول الله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ «5» . ويقول سبحانه: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا «6» .
2-
دار لهو ولعب وزينة وتفاخر: تأمّل قوله سبحانه: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ
(1) لسان العرب 2/ 1075 (ط. دار المعارف) .
(2)
السابق، (د ن و) 3/ 1435.
(3)
بصائر ذوي التمييز (2/ 512) ، وقد ذكر الفيروزابادي أن «الحياة» في القرآن الكريم تستعمل على ستة أوجه، وذكر منها: القوة النامية والقوة الحساسة، والقوة العاقلة، وارتفاع الغم، والحياة الآخروية الأبدية، والحياة التي يوصف بها الباري تعالى. انظر هذه الاستعمالات في المرجع المذكور ص 512- 514.
(4)
انظر: فلسفة التربية الإسلامية لماجد كيلاني 162.
(5)
الروم/ 55، وأنظر الآية 24 من سورة يونس، والآية 45 من سورة الكهف.
(6)
النساء/ 77، وانظر أيضا الآيات: 36، 126 من سورة البقرة، والآية 38 من سورة التوبة، والآية 24 من سورة لقمان.
شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ «1» .
3-
دار غرور: كما جاء في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ «2» .
4-
دار ترف واستمتاع: يؤتيها الله عز وجل لمن يحب ولمن لا يحب، للمؤمن والكافر، يقول سبحانه:
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ «3» .
5-
دار إغواء: الدنيا هي الميدان الذي يحاول فيه الشيطان (حسدا منه وكيدا) أن يغوي الإنسان بالشهوات الحسية والأهواء النفسية لمن لم يكن من عباد الله المخلصين، يقول الله تعالى: قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا* قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً* وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً «4» .
6-
دار ضلال وطغيان لمن يفتن بها: يقول الله عز وجل في شأن أولئك المفتونين بالدنيا: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً «5» ، ويقول سبحانه في شأن الطغاة: فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى «6» .
7-
دار خزي ولعنة للمعاندين: قال تعالى: فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «7» ، وقال سبحانه: وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ «8» .
8-
دار لاكتساب الحسنات والمعيشة الطيبة لمن آمن وعمل صالحا: يقول الله تبارك وتعالى: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ «9» . وقال عزّ من قائل: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ «10» .
9-
دار ابتلاء: وقد أجمل القرآن الكريم هذه السمات المتنوعة للحياة الدنيا عندما أشار إلى أنها دار ابتلاء فقال عزّ من قائل: بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
«11» ، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «12» .
(1) الحديد/ 20، وانظر أيضا الآيات: 32، 70 من سورة الأنعام، والآيات: هود/ 15، العنكبوت/ 64، محمد/ 36.
(2)
فاطر/ 5، وانظر أيضا الآية 33 من سورة لقمان.
(3)
المؤمنون/ 33، وانظر الآيات الأخرى الواردة في ذلك في: يونس/ 88، الكهف/ 46، القصص/ 79 الأحقاف/ 20.
(4)
الإسراء/ 62- 64.
(5)
الكهف/ 104.
(6)
النازعات/ 37- 39، وانظر أيضا الآيات: البقرة/ 96، إبراهيم/ 3، الأعلى/ 16.
(7)
الزمر/ 26.
(8)
القصص/ 42، وانظر أيضا الآيات: البقرة/ 85، الرعد/ 34، فصلت/ 16.
(9)
الزمر/ 10، وانظر في ذلك أيضا: البقرة/ 130، النحل/ 122.
(10)
النحل/ 97، وانظر أيضا: الأعراف/ 32.
(11)
الملك/ 1- 2.
(12)
الكهف/ 7.