الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلان ما له قيمة: إذا لم يدم على شيء» «1» . وقول صاحب أساس البلاغة: القيمة ثبات الشيء ودوامه «2» ، وهما يشيران بذلك إلى أن القيمة ترد بمعنى الأمر الثابت الذي يحافظ عليه الإنسان ويستمر في مراعاته.
ماهية القيم:
لقد تعددت الاتجاهات واختلفت المدارس العلمية في تحديد مفهوم القيمة ومن ثم فإن المعنى الاصطلاحي للقيمة يختلف باختلاف الاتجاهات والآراء وسنحاول فيما يلي إبراز أهم هذه المفاهيم حتى نصل بعد ذلك إلى تحديد واضح لمفهوم القيم الإسلامية.
أ- في المجال الاقتصادي تعرف القيمة بأنها «قيمة التبادل أي السعر المقرر للسلعة، ويميزون بين القيمة والسعر على أساس أن القيمة حقيقية أما السعر فاعتباري، وذلك راجع إلى التراضي بين المتبادلين للسلعة، ولهذا تكون القيمة أحيانا أكثر أو أقل من السعر «3» .
ب- وأما في المجال السياسي فتعني اكتشاف المسلمات القيمية الضمنية التي تشكل السلوك السياسي، والتي تعد عوامل تفسيرية «4» .
ج- واهتم بدراسة القيم علم النفس، وعلم الاجتماع كل من زاويته ورؤيته، واتضح أن هناك مفاهيم للقيمة تضم جوانب معنوية تتعلق بموضوعات معينة، تعرضت لها تعريفات ومفاهيم، تراوحت بين التحديد الضيق للقيم على أنها «مجرد اهتمامات أو رغبات غير ملزمة» إلى تحديدات واسعة «يراها معايير مرادفة للثقافة ككل» «5» .
ولعل التعريف التالي يوضح مفهوم القيمة لدى المختصين في علم النفس الاجتماعي وهو:
هـ- أما مفهوم القيمة عند علماء أصول التربية فمن الممكن تصوره من خلال ما كتبه بعض الباحثين
(1) القاموس المحيط ص 1487 (ط. بيروت) .
(2)
أساس البلاغة للزمخشري، ص 528.
(3)
عبد الرحمن بدوي، الأخلاق النظرية، ط 2، الكويت، 1975 م، ص 79.
(4)
محمد أحمد بيومي، علم اجتماع القيم، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990 م.
(5)
ضياء زهار، القيم في العملية التربوية، ص 10.
(6)
فؤاد البهي السيد، علم النفس الاجتماعي، ص 94.
(7)
هناك تعريفات أخرى للقيمة لا تخرج عما ذكر منها أن القيمة مرادف للاصطلاح نافع أو لائق (فوزية دياب، القيم والعادات الاجتماعية) ص 21 وهناك من يرى أن القيم تكمن في اللذة أو الألم الذي يشعر به الإنسان ومن ثم تكون القيمة كل ما أحدثت لذة أو ألما، انظر: المرجع السابق، ص 23) .
التربويين قائلا:
ز- وهناك تعريفات أخرى للقيمة لا تنتمي إلى أي من الاتجاهات السابقة نذكر منها:
- القيم عبارة عن «مستوى أو مقياس أو معيار نحكم بمقتضاه ونقيس به ونحدد على أساسه المرغوب فيه والمرغوب عنه» «2» .
- القيم عبارة عن مفهوم أو تصور ظاهر أو ضمني يميز فردا أو يختص بجماعة، لما هو مرغوب فيه وجوبا مما يؤثر في انتقاء أساليب العمل ووسائله وغايته» «3» .
ويلاحظ في كل المفاهيم السابقة أن القيم تتمتع بالخصائص أو الموجهات الآتية:
1-
أنها عناصر توجيه في الحياة تعكس توجّها معينا حيال نوع معين من الخبرة.
2-
أنها تحمل صفة الانتقائية.
3-
أن الاختيار الذي تفرضه القيمة على الفرد في مجال التعامل يعد أفضل اختيار له.
وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات المختلفة من وجهة النظر الإسلامية فإنه يمكن القول: إنها جميعا لا تعدو أن تكون اجتهادات نابعة من تخصص أصحابها، ومن ثم فإنه يلاحظ عليها ما يلي:
1-
أن هذه المفاهيم تعبر عن بيئاتها وثقافتها التى نشأت فيها، وهى مختلفة متعددة، ومع هذا فإن فيها ما قد يتوافق مع البيئة العربية الإسلامية وفيها ما لا يتوافق.
2-
أقامت المفاهيم المختلفة- رغم تفاوتها واختلافها- من الفرد أو المجتمع مصادر للقيم، وجعلت الحكم على الأفعال يتأتى من قبل الإنسان فقط، يحكم عليها من خلال منفعتها الآنية أو ضررها الآنيّ، بغض النظر عن الخير أو الشر الكامن فيها، والإنسان لا يمكنه إدراك الحسن والقبح بعقله المحض، كما أنه لا يدركها إدراكا جامعا قبل الفعل أو بعده. ثم إن الإنسان بحكم نسبيته عرضة للتفاوت والاختلاف والتناقض، فقد يحكم على الفعل بالحسن تارة وبالقبح تارة، تبعا للظروف، أما الحكم الموضوعى الحقيقى فلا يستطيعه، لأن الذى يستطيع أن يزود الإنسان بهذا على وجه الحقيقة هو الدين السماوي، وهذا ما لم يرد فى تعريف أو مفهوم حتى لدى الباحثين العرب.
(1) ماجد الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية، ص 299.
(2)
محمد إبراهيم كاظم، التطور القيمي وتنمية المجتمعات الدينية، ص 111.
(3)
جابر عبد الحميد وسليمان الخضري، دراسات نفسية في الشخصية العربية، ص 228.
3-
إن هذه المفاهيم ناتجة عن عقلية وضعية خاصة، ومن ثم لا تكاد تفي بفهم القيم الإسلامية نظرا لأن الرؤية الإسلامية تلتزم بالتصورات الإسلامية الأساسية، وهى منبثقة من دلالات النص القرآني الكريم، والنص النبوي الصحيح، ولأن وصف الفعل الإنساني والحكم عليه إنما يصدر عنهما بعد النظر فيهما لاستجلاء الأحكام التى تشتمل عليها هذه النصوص، فى إطار هدف محدد وهو استجلاء «المراد الإلهى فى تحديد أفعال الإنسان دون أن يكون له أي مدخل فى الإضافة الذاتية بما يؤثر على ذلك المراد بالزيادة أو النقصان أو التغيير» «1» .
والأمر إذا: ليس خاضعا للوضعية العقلية الذاتية المحضة، وإن كان لها اعتبارها الخاص فى فهم النص وتنزيله.
4-
إن هذه المفاهيم تختلف عن الرؤية الإسلامية والنهج الإسلامي الذى يرى أن أعمال الإنسان ليست هدفا فى حد ذاتها، بل ترتبط بالله وتتجه نحو مرضاته، وإن لم يتحقق من هذا العمل أو ذاك نفع مباشر أو مصلحة عاجلة، أو لذة آنيّة. لأن الله تعالى هو وحده المتفرد بخلق الإنسان، ولهذا فهو متفرد بكمال العمل بما خلق فى طبيعته وقدراته ونوازعه وحاجاته، وبناء على ذلك فهو متفرد بوضع منهاج الحياة له على الوجه الذى يكون فيه خيره، وسعادته وترقيه فى كافة شئون حياته الفردية والاجتماعية، وبذلك يكون الأساس والمعيار الأوحد فيما يأتى الإنسان ويذر فكرا أو سلوكا هو ميزان البيان الإلهى، ائتمارا بما أمر الله، وانتهاء عما نهى عنه «2» .
5-
إن هذه المفاهيم لا تعبر عن المقاصد الكلية للحياة، وإنما تعطى الإنسان ضابطا للحياة الدنيا وعلاقتها، ولذلك ارتبط بعضها بتحقيق السعادة للإنسان على وجه الأرض فى الحياة الدنيا فى حين أنه من المسلم به فى المنهج الإسلامي وجود حياة آخرة فيها ثواب وعقاب على ما يأتى الإنسان ويدع وما يختار.
وانطلاقا من هذا، وتجنبا للثغرات التي وجدت في التعريفات السابقة فإنه يمكن تعريف «القيم» من المنظور الإسلامي بأن نقول:
القيم الإسلامية: مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله، كما صورها الإسلام، وتتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الحياتية المختلفة، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته تتفق مع إمكانياته، وتتجسد من خلال الاهتمامات أو السلوك العملي بطريقة مباشرة وغير مباشرة «3» . وبحكم هذا التعريف تجىء عدة محددات أساسية على النحو الآتى:
1-
أن حياة الإنسان تحكمها أهداف محددة، وهناك وسائل لبلوغها، ولا بد من الانتفاع بتلك الأهداف
(1) عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص 82.
(2)
المرجع السابق، ص 31.
(3)
علي خليل مصطفى، القيم الإسلامية والتربية ص 34.
فى إطار ما تقدمه الجماعة وما ترتضيه، وينبع هذا من المنهج الأساسي الذى يشكل إطارا مرجعيا لها، وفى حالة المجتمع الإسلامي، فإن كل ذلك يرتد فى النهاية للقرآن الكريم والسنة المطهرة كمصدرين أساسيين لإطار الحياة فى هذا المجتمع.
2-
تتبلور أهداف الحياة لدى الإنسان المسلم فى شكل معايير ينظر من خلالها لكافة مكونات حياته إما بالإيجاب أو بالسلب، بمعنى أنه تتكون لديه أحكام تفضيلية إزاء عناصر وجزئيات حياته، فيكون إيجابيا فى بعضها وسلبيا فى بعضها، بقدر ما تحقق له قيمة أو لا تحقق.
3-
تشمل المعايير وتتصل بكافة مكونات المجتمع ومواقفه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة باعتبارها مردودا للحياة الدنيا، ويمتصها الفرد من خلال عملية التطبيع الاجتماعي، والتفاعل الاجتماعي، وهى فى النهاية ترتد إلى ما يهدف إليه إطار الحياة العام فى المجتمع أى أهداف الإسلام ومقاصده فى المجتمع، كتوجهات القيم إلى المجتمع وأهدافه، والمسلم يهدف من وراء توجهاته القيمية رضوان الله تعالى الذى هو أبرز أهداف المجتمع الإسلامي.
4-
تتكشف تلك القيم، من خلال اختيارات الإنسان وتوجهاته، وبقدر إمكانياته ووضوح القيم لديه، بحيث نجعله مطمئنا إلى اختياره، مقتنعا به، فيوجه كافة إمكانياته من أجلها. ذلك أن الفرد الذى يتبنى القيمة يحاول أن يسلك من خلالها فى حياته، فهي تقوم بعملية التوجيه، ويعني هذا أنه لا بد من وجود وعي تام بالقيمة، مع شعور بأهميتها، فالقيمة لا تكتسب أهميتها لدى الفرد إلا إذا توفرت فيها شروط ثلاثة:
- أن يكون لديه وعي يتبلور حول وجود شيء أو فكرة أو موقف أو شخص.
- أن يحدث هذا الوعي لديه اتجاها انفعاليّا مع الشىء أو الفكرة أو الموقف أو ضده، فينظر إليه على أنه خير، أو شر إلى حد ما، بمعنى أن لا يقف موقف اللامبالاة أو عدم الاهتمام.
- أن يصبح وعيه واتجاهه الانفعالي ركيزة أساسية للسلوك وليس مجرد اهتمام وقتى عابر يأبى أن يدوم.
ومعنى هذا أن لها صفة الاختيار عند الفرد والذي يتكون عن وعى واقتناع تام. لأنها تنطوي على «أحكام معيارية للتمييز بين الصواب والخطأ، والخير والشر» «1» .
5-
تظهر هذه القيم من خلال المصادر الأصلية (القرآن والسنة) في شكل أوامر ونواه أو إلزامات تكليفية، في حين تظهر سلوكيا في صور التعبير الإيجابي أو السلبي.
ومن التصورات الأخرى لمفهوم «القيم الإسلامية» ما ذكره بعض الباحثين عندما قال: القيم الإسلامية:
حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع محددا المرغوب فيه
(1) ضياء زاهر، القيم العملية التربوية، مرجع سابق، ص 25.