الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النمو المعرفي والانفعالي والجمالي والاجتماعي والعقدي، لا بما تقدمه من معلومات نظرية فقط، بل بالممارسة العملية وما يعينه هذا من تكامل بين المعرفة والممارسة،
وهذا يعني أن دور المدرسة في تنمية القيم الإسلامية ليس نظريا وإنما هو نظري تطبيقي وذلك في ضوء الاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول:
أن العملية التربوية تعتبر- في الأساس- عملية خلقية، وتنمي الأفراد عليها، وعلى هذا فإن العملية لا يجب أن تقوم على القيم الثابتة فقط، بل يجب أن تعتني بالقيم النسبية التفضيلية والتي هي اتجاهات تغيير حادثة في نوع الخبرات المقدمة، والمعبرة عن نفسها في سلوك الناشئة والمتعلمين.
الاعتبار الثاني:
أن هذه القيم يجب أن تتخلل جميع المناهج الدراسية، إذ لا بد أن تسيطر على كل ميادين الدراسة، إذ أن الهدف لتنمية القيم في نفوس الأفراد إنما يمكن في إعادة توجيه الحياة في إطار تكاملي شمولي إيجابي، بحيث يصبح الأفراد أكثر إيجابية في حياتهم.
الاعتبار الثالث:
أن المدرسة وحدها لا يمكن أن تتم هذا الجهد بدون مشاركة كافة أنظمة المجتمع وهيئاته ومؤسساته وأنظمته وأفراده، وهذه المشاركة التكاملية في تنمية القيم تمكن المدرسة من القيام بواجبها وتحقيق أهدافها كما ينبغي «1» .
الاعتبار الرابع:
أن المدرسة في قيامها بهذه العملية يجب أن تعتمد على فلسفة تربوية نابعة من المجتمع الإسلامي ذاته، معبرة عن أهدافه، عاكسة لصورة المجتمع وفهمه عن الإنسان، وأهدافه في الحياة. وإذا لم تفعل باءت محاولتها بالفشل، ووقعت في محذور الانعزالية عن الواقع الاجتماعي.
إن وظيفة المدرسة في هذا الإطار تشمل كل مكوناتها وأركانها، من مربين، ومناهج وأنشطة، والمدرسة نفسها كأسلوب حياة وكمجتمع تعلم، والمادة التي تقدمها، والطريقة التي تقدم بها هذه المادة وبكلمة جامعة، فإن المدرسة لكي تقوم بتنمية القيم الإسلامية يجب أو ينبغي أن تتحقق بالشروط التالية:
1-
توفير الخبرات المتنوعة لتنمية هذه القيم لدى الناشئة، وإتاحة الفرص أمامهم للتعرف عليها
(1) محمد عبد الهادي عفيفي، الأصول الفلسفية للتربية، مرجع سابق، ص 318- 322.
والانفعال بها والوعي بها، إذ أن المسألة ليست مجرد تقديم للقيم الخلقية واستيعابها نظريا، وإنما كيفية بناء هذه القيم واستدخالها في نفوسهم، ثم إنه إذا لم يكن للفرد أهداف ينفعل بها ويتجه نحوها وينمو في إطارها من خلال المشاركة والممارسة فلا يمكن أن يكون هناك تأثير ما لما يعيشه.
إن هذه الخبرات يجب أن تخضع للاختبار القائم على أساس القيمة، إذ أن القيمة أو القيم بعموم تحدد ما هو جيد، ومعنى هذا أن القائمين على أمر المدرسة وتخطيط مناهجها يجب أن يكونوا على وعي تام بأهداف القيم الخلقية الإسلامية وبنسق هذه القيم لأن هذا يساعدهم في اختيار محتوى المنهج وتوجيه السلوك، إذ أن هناك مجموعة من التساؤلات الملحة التي تواجه مخططي هذه الخبرات في المنهج والتي يجب على المدرسة أن تضمّنها في برنامجها التعليمي:
- ما المعلومات المرتبطة بالقيمة الخلقية التي ينبغي نقلها للتلاميذ عن طريق المدرسة؟
- كيف يمكن تنظيم هذه المعلومات بطريقة فعالة لتكون جزءا من المنهج؟
- ما العمليات التي سوف تؤكدها المدرسة للتعامل مع المشكلات المتعلقة بالقيم الخلقية؟
- كيف يمكن ترتيب العبارات عن العمليات في المنهج لتساعد في تطوير استراتيجيات تعليمية فعالة؟ «1» .
إن الإجابة عن هذه الأسئلة مهمة جدا من قبل المخططين وواضعي المناهج، حيث إنه يحدد نوع الخبرات اللازمة لتنمية القيم الخلقية الإسلامية كما ينبغي أن يكون.
2-
الاهتمام بتوفير مواقف ممارسة هذه القيم، وهي مواقف عملية لأنه لا يكفي ترديد المعلومات ولا الوعظ والتلقين، وإنما لا بد من النشاط الواقعي والمواقف الحية التي لا بد أن يعيشها الناشىء في المدرسة، ومعنى هذا أنه بعد تحديد القيم التي ستقدم لا بد من إتاحة الفرصة أمام الناشئة للمشاركة في تحمل المسئولية إزاء المهام والقيم المطلوب الالتزام بها.
3-
الاهتمام باتجاهات الناشئة ومشاعرهم، واستخدام القوة الانفعالية والتفكير معا في تنمية القيم الإسلامية، وإشعارهم بأهمية القيم بالنسبة لهم وبالنسبة للجماعة التي ينتمون إليها، وتدريبهم على الاستقلال في الاختيار، ومنحهم مساحة كافية من الحرية للتدريب على الاختيار والممارسة لهذه القيم.
4-
الاهتمام بتوفير القدوة الصالحة المتمثلة في المعلم الخيّر الكفء الذي يكون على درجة عالية من المهارة، وعلى وعي وتدريب كافيين لتنمية القيم، ليمكن الناشىء من التفاعل مع المواقف المتغيرة بشكل جيد، ومعنى هذا
(1) جورج بوشامب، نظرية المنهج، ترجمة: ممدوح محمد سليمان وآخران، مراجعة ممدوح محمد سليمان، القاهرة، الدار العربية للنشر، توزيع 1987، ص 105.
أن هناك شروطا معينة لا بد من توافرها في المعلم:
- أن يكون واعيا بوظيفته وأهميتها في مجال تنمية القيم الخلقية.
- أن يكون على علم بتوجيهات الكتاب والسنة في هذا المجال.
- أن يكون عالما بما يريد تعليمه وتنميته من قيم في الأفراد.
- أن يكون ملتزما بتلك القيم، أي أن يكون قدوة متمثلة فيه الشروط التي سبق تناولها، اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
- أن يكون عالما متمكنا بتخصصه العلمي، وبالأساليب التي يستطيع عن طريقها تنمية القيم الخلقية من خلال تدريس التخصص.
5-
الاهتمام بتنظيم العلاقة القائمة بين المدرسة والمجتمع ومؤسساته، وكذا العلاقة القائمة بين العاملين في المدرسة، إذ يجب أن يسودها جو قيمي موات لأن يتأثر به الناشئة إيجابيا.
6-
الاهتمام بالجو الاجتماعي المدرسي القائم على أساس الحب والألفة والتفاهم والتشجيع، إذ أن هذا يعطي المتعلم فرصا مناسبة ليكون على علاقة وطيدة توجيهية وإرشادية مع معلمين وإداريين وعاملين يعرفونه جيدا، وبالتالي يتشرب القيم الإسلامية عن طريق العلاقة الحميمة مع أساتذته ومعلميه.
7-
الاهتمام بالأنشطة المدرسية المتنوعة، والتي تعتبر بيئة مناسبة جدا لتنمية القيم الخلقية، إذ يمكن عن طريقها ممارسة تلك القيم، كالشورى والحوار وتبادل الرأي والخبرة، والتعاون، والصدق، والتخطيط وحسن اتخاذ القرار، وتقديم أفكار جديدة، والالتزام بالقرارات والاقتراحات، كما أنها تعمل على تنمية القيم السياسية والإدارية، وقيم التنظيم، والرقابة، وغير ذلك، وتؤدي دورا ملحوظا في تنمية المسئولية وقيمها «1» .
8-
الاهتمام بالمكتبة المدرسية، على أن تختار محتوياتها بعناية بالغة من حيث الشكل والمضمون ومراعاة نوعها، وتنظيمها، وكذا الاهتمام بأماكن الرياضة واللعب، وغير ذلك «2» .
إن دور المدرسة مهم في مجال تنمية القيم الخلقية الإسلامية ولا بد أن يعلم القائمون عليها هذا وأن يجعلوا منها بيئة تربوية مناسبة تعمل على تنمية هذه القيم، ولكن كما أشرنا، نؤكد أهمية التكامل بين المدرسة ومؤسسات المجتمع، والوسط الاجتماعي العام الذي تترجم عنه المدرسة وتعكس إطاره الثقافي وعلاقاته وقيمه.
(1) راجع: كافية رمضان وأخرى، مرجع سابق، ص 220، 201.
(2)
راجع: المرجع السابق، ص 212، 214.