الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمرغوب عنه من السلوك «1» .
خصائص القيم الإسلامية:
في ضوء ما سبق يمكن القول: إن خصائص القيم الإسلامية تتميز بما يلي:
أ- أنها تصدر من مصادر الإسلام ذاته، أي أنها تستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويعتبران الأساسين اللازمين للحديث والبحث عن القيم الإسلامية.
ب- أنها تستمد من الأحكام الشرعية، باعتبار أن الحياة الإسلامية كلها تقوم على هذه الأحكام، وتأتي القيم في صورة أمر بالفعل أو أمر بالترك والكف بكافة درجات أمر الفعل وأمر الترك، وهي بهذا تحدد توجيهات الإنسان في حياته حيال الأشياء والمواقف، تاركة له مساحة من الاختيار.
ج- أنها تقوم على أساس الشمول والتكامل بمعنى:
1-
أنها تراعي عالم الإنسان وما فيه، والمجتمع الذي يعيش فيه، وأهداف حياة الإنسان طبقا للتصور الإسلامي، أي تحدد أهداف الحياة وغايتها وماوراءها، ومن ثم تكون قيمة أي إنجاز بشري في تقدير حسابه وجزائه، في الدار الآخرة مع عدم إهمال الدنيا «2» .
2-
أنها جامعة لكافة مناشط الإنسان وتوجهاته، تستوعب حياته كلها من جميع جوانبها، ثم هي في هذا لا تقف عند حد الحياة الدنيا.
د- أنها تقوم على مبدأ التوحيد، باعتباره النواة التي تتجمع حولها اتجاهات المسلم وسلوكياته، حتى يصل لأهدافه، وبهذا تجعل لحياة الإنسان معنى ووظيفة.
هـ- أنها تتميز بالاستمرارية والعمومية لكل الناس في كل زمان ومكان، ويؤيد ذلك القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «3» .
ولا تتأتى تلك الاستمرارية إلا إذا كانت هذه القيم موضوعية، أي من عند الله تعالى، فالإنسان لا يمكنه من تلقاء نفسه ودون معونة إلهية أن ينشىء نظاما حياتيا صالحا له، ولا يمكنه أن يقيم منظومة قيمية تساعده على أداء دوره في الأرض، بسبب ما يطرأ عليه من ميل للهوى، وما جبل عليه من ضعف، ولذا فإن الوحي هو الذي يستطيع ذلك، وهذا ما حدث فعلا، فقد جاء الوحي بقيم خالدة تحفظ على الإنسان جهده وحياته، ولترتفع به إلى المستوى اللائق به كخليفة الله في الأرض.
(1) حامد زهران، علم النفس الاجتماعي، ط 41، 1977، ص 132.
(2)
محمد فتحي عثمان، القيم الحضارية في رسالة الإسلام، ط 1، الدار السعودية، 1402 هـ/ 1403 هـ، ص 42.
(3)
سورة الفرقان، (1) - ويمكن الرجوع إلى سور: الأنبياء (7) ، والقلم (52) ، وسبأ (28) ، والفتح (28) .
وتأتي تلك القيم في استمراريتها من موضوعيتها، فهي لا يطرأ عليها أي تغيير أو تبديل بسبب تغير الظروف والأزمان، وهي ليست من نتاج بشر، بل هي وحي من الله تعالى لنبيه، وعلى هذا تكون الاستمرارية سمة فاصلة بين قيم الله سبحانه وتعالى وقيم البشر.
وأنها جامعة للثبات والمرونة، فهناك قيم عليا ثابتة لا تقبل الاجتهاد أو التغيير أو التبديل، كالقيم العقدية، وقيم العبادات وقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما القيم الأخرى فهي نسبية، بمعنى أن القيم التي تستند إلى نص قطعي الدلالة لا يجوز فيها التغيير أو التبديل، أما تلك التي تعتمد على ظني الدلالة، فإن مجال الاختيار فيها واسع، وهي مرنة مرونة كافية لمواجهة ما يتولد في حياة الناس من مواقف وحوادث، وما تصير إليه الأمور في المجتمعات، وهي مما يحتاج إلى نظر وتأمل واستنباط.
فالقيم والقواعد القطعية الواجبة لا يجوز فيها التبديل، أما ما يستحدث من مواقف وما يجوز فيه الاجتهاد ويستجد من قيم بحسب اقتضاء المصلحة زمانا ومكانا وحالا، فتلحقها الحركة والمرونة، وبهذه الميزة استطاعت القيم الإسلامية الحفاظ على المجتمع الإسلامي بالرغم من التغيرات التي أصابته والتي واجهته على مر الزمن.
ز- أنها وسطية، تلك الوسطية الانتقائية لا التلفيقية، فقد عمد الإسلام إلى القيم الجيدة عند العربي فأبقاها وضبطها، وأضاف إليها، وزود الإنسان بقيم ليعيش عالمه المادي والمعنوي في توازن دقيق، وزوده بقيم تهتم بالفرد كما تهتم بالجماعة، كما وازن بين الدنيا والآخرة، القوة والرحمة
…
الخ وبهذا كانت معبرة تعبيرا صحيحا عن الفطرة البشرية والطبيعة الإنسانية، في واقعية كاملة.
إن وسطية القيم الإسلامية لم تلغ الطبيعة البشرية، بل عملت وتعمل على توجيهها باعتبارها مفاهيم ضابطة، تعمل على توجيه هذه الطبيعة، فهي لا تضاد الفطرة ولا تلغيها ولا تكبتها ولا تقف في سبيلها، بل تحاول توجهها بطريقة دافعة، ومن منطلق هذه الوسطية يلزم الإسلام الإنسان بالقيم المحققة لإنسانيته، والتي لا تغلو في طرف وتهمل طرفا آخر، فالإنسان مطالب- مثلا- بالتوسط في الإنفاق، والعاطفة، والاعتقاد، وتوفية مطالب الروح والجسد، والآيات التي تؤيد ذلك عديدة منها:
- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً «1» .
- وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ «2» .
(1) سورة الإسراء (29) .
(2)
سورة القصص (77) .