الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعتبر نموا سويا ناضجا إذا ما نظرنا إليه في الإطار العام للنمو. وأن الأحكام الخلقية التي يصدرها الطفل لا توجد في مناخ اجتماعي أو ثقافي رغم ما يبدو من تلقائية نحوها، وإنما تخضع للمؤثرات الثقافية والاجتماعية في معدل نموها وهيئة تواجدها، والأبعاد التي تظهر فيها، إلا أن الفكر الخلقي لا ينمو ككل، وإنما كجهات متفرقة، وهذا ما لا يمكن أن نستخلصه من فكر بياجيه ولا من كتبه «1» .
ولا نريد أن نعرض أسماء بعض أصحاب نظريات كثيرة في هذا المجال، ولكن نكتفي بسرد بعض أسماء بعض أصحاب النظريات التي اشتهرت في هذا المجال والتي منها:
- نظرية كولبرج «2» .- نظرية رست «3» .- نظرية بل «4» .
- نظرية دامون.- نظرية ايزنبرج.- نظرية البيئة الاجتماعية «5» .
ونكتفي بهذا العرض الموجز للنظريات التي حاولت تفسير تكوين السلوك الخلقي والأخلاقيات لدى الأفراد والأطفال، وقد كان لها تطبيقات جيدة في مجال التربية الخلقية.
نظرة نقدية:
بالرغم من كثرة الآراء المتعلقة بالنمو الخلقي في الغرب، إلا أنّ الوضع يوحي بضعف شديد في التربية الخلقية، فتزعزعت القيم الجديدة، وهي مشتقة من عالم المال وأصحابه، وأصبحت الدراسة التقنية الفنية، وأرباب الإدارة والتنظيم، الذين لا يهمهم إلا تغليب قيم الكسب المادي، والربح، والاستثمار الأقصى للموارد المادية والبشرية. وقد خلت تلك القيم من القيم الإنسانية الرفيعة، وأصبح الإنسان صاغرا أمام سلطان الآلة وغدا العالم في ضياع خلقي وقيمي، حتى إن الإنسان- وعلى لسان علماء الغرب- يتساءل: هل هناك حاجة إلى قيم؟ أو ليس من الممكن أن يقوم عالم إنساني بلا أخلاق وبلا قيم؟ بل يذهب المنكرون للقيم والأخلاق إلى أن تمسك الإنسان بقيم خلقها المجتمع هو ضرب من الامتهان لقيمة الإنسان نفسه، وشكل من أشكال الطغيان على حريته، ولون من ألوان التسلط على الإنسان.
إن الذي نريد إبرازه هنا هو أنه على الرغم من انتشار النظريات والمذاهب الأخلاقية، إلا أن هناك نظريات تنكر الأخلاق، وهي أوسع انتشارا وهذا دليل على تدني الأوضاع القيمية والضياع القيمي في العصر الذي نعيشه،
(1) محمد رفقي، ص 62- 69. (بتصرف يسير) .
(2)
راجع نظريته فى المرجع السابق، ص 76- 89، وماجد عرسان، ص 24- 32.
(3)
راجع نظريته فى محمد رفقي، ص 101- 110.
(4)
راجع نظريته فى ماجد الكيلاني، ص 32- 40.
(5)
راجع محمد رفقي، ص 135- 158. ولم نحدد الأسماء لشهرتها بهذا الاسم.
وهذا بالتأكيد تجن على فطرة الإنسان، وانحطاط به إلى مستوى الحياة العضوية والغريزية الحيوانية.
والذي نعرفه ونؤمن به وما يؤمن به أصحاب التأمل في الواقع والتاريخ، وما تدل عليه الدراسات المنصفة:
«أن الإنسان بالتعريف كائن ذو قصد وهدف، وأنه لا يستطيع الحياة بلا هدف يؤمن به، وأنه يزداد رقيا في معارج إنسانيته حين يجد الرسالة التي يؤمن بها والتي يكتسب وجوده الإنساني من خلالها معناه أنه كما يدل الواقع وكما تدل الأبحاث لا يستطيع أن يلصق بحمأة الأرض ويحيا حياته البيولوجية المحضة ما لم يتخلّ عن إنسانيته، إن صح أنه في وسعه أن يتخلى عنها، أي عن طبيعته التي جبل عليها بوصفه إنسانا، أي كائنا ما هو بالملاك ولا هو بالشيطان، بل هو عوان بينهما، تتوق طبيعته الإنسانية الملكية دوما إلى التغلب على طبيعته الحيوانية والشيطانية، وهذا هو الذي يفسر ما يتعرض له إنسان العصر الحديث من اضطرابات وأمراض في حياته النفسية حين يجرب التنكر لطبيعته الإنسانية عن طريق تنكره للقيم الإنسانية، ولا نغلو إن قلنا إن الطبيعة الإنسانية حين ينكرها إنسان العصر الحديث ظنا منه أن في وسعه أن يغيرها أو يتنكر لها، تنتقم لنفسها عن طريق وقوعها في الاضطراب والتفكك والحيرة، أي عن طريق احتمائها بالمرض «1» . حيث إن جميع الشواهد تدل على أن التدخل المنافي للطبيعة الإنسانية في نمو الشخص، أثناء الطفولة وبعدها، هو أصل الأصول في المرض العقلي والاجتماعي عامة والتدمير خاصة «2» .
ويشهد على فقدان القيم، وتدني المستوى الإنساني، أن أسلوب العيش المرتكز على التملك والأنانية، والسلوك الذي يتركز حول الملكية والربح يؤكد الأنانية المنوطة والفردية المفرطة، فهو لا بد وأن يخلق الرغبة، بل الحاجة إلى القوة، فمن أجل السيطرة على كائنات بشرية أخرى، يحتاج الإنسان إلى استخدام القوة لتحطيم مقاومتهم، ولإحكام القبضة على ما استولينا عليه من ممتلكات خاصة فهو بحاجة لاستخدام القوة لحمايتها من الذين يمكن أن يأخذوها، لأنهم- والحال من بعضه- لا يمكن أن يقنعوا بما عندهم والرغبة في الحصول على أعلى ملكية خاصة وأكبرها تولد الرغبة في استخدام العنف من أجل سرقة الآخرين بوسائل سافرة أو خفية مما يؤكد الأنانية والفردية المطلقة «3» .
ويتبع نزعة التمركز حول الذات والأنانية نزعة التميز عن شيء واحد ووحيد هو المتعة الفردية، والبحث الضيق عن المتعة الفردية المباشرة (اللذة الجنسية غالبا) وشيوع الأمراض النفسية الجنسية، والأمراض الجسدية الصحية، واضطرابات خطيرة في السلوك الجنسى، وانتشار المخدرات والعنف والإرهاب وما إلى ذلك من أمور
(1) عبد الله عبد الدايم، نحو فلسفة تربوية عربية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1991 م، ص 239.
(2)
أريك فروم، الإنسان بين الجوهر والمظهر، ترجمة سعد زهران، مراجعة وتقديم لطفي فهيم، عالم المعرفة، العدد (140) أغسطس 89، ذو الحجة 1409 هـ، ص 83.
(3)
المرجع السابق: ص 83 (بتصرف يسير) .