الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيك جاهلية» ، قلت على حين ساعتي: هذه من كبر السن؟ قال: «نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه فليعنه عليه» «1» .
- وذكر رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ويحك، قطعت عنق صاحبك- يقول مرارا- إن كان أحدكم ما دحا لا محالة فذلك أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه ولا يزكي على الله أحدا» «2» .
- ويروى عن جابر بن عبد الله: أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذ، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يا معاذ، أفتان أنت- ثلاثا- اقرأ: وَالشَّمْسِ وَضُحاها وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ونحوها» «3» .
إن هذه الأمثلة وغيرها توضح أنه ما من واقعة تحدث، إلا وكان يبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى فإذا وقعت بعد ذلك، عرف الناس كيف يتصرفون حيالها، وهناك عدة أمور توافرت لتضمن فعالية هذا الأسلوب، وهي:
- وقوع الشخصية في موقف ما، اجتماعي أو إنساني أو غير ذلك من مواقف أو واقعات.
- إثارة قوى الشخصية الانفعالية والعقلية بكافة الأساليب الممكنة: السؤال، الاعتراض، الاستنكار
…
الخ، وإشعارها أنها تقف موقفا يحتاج إلى معيار يضبطه.
- الإجابة عن السؤال أو الاعتراض.
- تزويد الشخصية بالحل الأمثل بالقيمة المطلوبة في هذا الموقف.
وتأتي بعد ذلك الاستجابة والاختيار في إطار هذا الخلق والالتزام به، وهكذا وبهذه الطريقة استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبني الأخلاق في نفوس المسلمين.
ز- القصة:
وهي من أكبر وأكثر الوسائل فعالية في تنمية الأخلاق، وقد استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم، وحرص على أن
(1) الإمام البخاري، صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 5، كتاب الأدب، ص 2248، حديث رقم 5703.
(2)
المصدر السابق، كتاب الأدب، ص 2252، حديث رقم 5714.
(3)
المصدر السابق، كتاب الأدب، ص 2264، حديث رقم 5755.
يضمنها الكثير من الأخلاق الإسلامية، إما من أجل توضيحها أمام المسلمين من ناحية، وإما من أجل تعميقها في نفوسهم من ناحية ثانية، وذلك «من خلال جعلها موضوعات تدور حولها أو تتحدث عنها أحداث القصة ومواقفها، وهي قيم ذات جوانب متعددة» «1» .
وتأتي فعالية القصة من كونها «مزيجا من الحوار والأحداث والترتيب الزمني مع وصف للأمكنة والأشخاص والحالات الاجتماعية والطبيعية التي تمر بشخصيات القصة» «2» .
وهي قادرة على تأكيد الاتجاهات المرغوبة وترسيخ القيم والأخلاق، وذلك عن طريق استثارة مشاركة الإنسان العاطفية لنماذج السلوك والقيم التي تقوم القصة بتقديمها وللمواقف التي تصورها.
وقد كانت القصة القرآنية وسيلة من وسائل التربية وتنمية القيم الخلقية الإسلامية، وذلك باستخراج العبرة من التجربة السابقة، واستخراج المثل وشرح طرق الخير، والتحذير من الكفر والجحود، يقول تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «3» .
ويقول تعالى:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ «4» .
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها «5» .
فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «6» .
وهذا القصص باحتوائه على ألوان كثيرة وصور كثيرة عن الماضي من لدن آدم لبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان من أخبار الرسل والأمم السابقة، وما يعرض من صور المكذبين لتخليهم عن تحكيم القيم والمعايير التي جاء بها الرسل، كل هذا يؤكد معلما بارزا حيا في استخدام هذا القصص كوسيلة من أهم وسائل التربية وتنمية القيم.
تمد القصة القرآنية الفرد والجماعة بالقيم الأخلاقية الإسلامية الصادقة وتسهم- بإيجابية- في غرس هذه القيم في نفوسهم، وهي إحدى وسائل التربية، التي يميل إليها النشء. فإن «القصة تؤثر في النفس إذا وضعت في
(1) محمد بن حسن الزير، القصص في الحديث النبوي، الطبعة الثالثة، بدون ناشر، 1405 هـ/ 1985 م، ص 388.
(2)
حسن إبراهيم عبد العال، أصول تربية الطفل والإسلام، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية تربية، جامعة طنطا، 1400 هـ/ 1980 م، ص 295.
(3)
سورة يوسف: 2، 3.
(4)
سورة غافر: 78.
(5)
سورة الأعراف: 101.
(6)
سورة الأعراف: 176.
قالب عاطفي مؤثر، وهي تجعل القاريء أو السامع يتأثر بما يقرأ أو يسمع، فيميل إلى الخير وينفذه، ويمتعض من الشر فيبتعد عنه» «1» .
وكل القصص الذي تضمنه القرآن الكريم هو قصص واقعي، جاء به القرآن للتربية. «وهذا القصص يشتمل على كل أنواع التعبير الفني ومشخصاته، من حوار إلى سرد، إلى إحياء للشخص، إلى دقّة في رسم الملامح، إلى اختيار دقيق للخطة الحاسمة في القصة» «2» .
والقرآن الكريم يقرر ذلك كله- منذ مئات السنين- في لفظ قصير، وأسلوب جميل، وبيان معجز، ونستدل من ذلك على أن القصة تلعب دورا فعالا في غرس كثير من القيم الإسلامية السامية في نفوس الأفراد.
والقصة لم تكن وسيلة من وسائل الدعوة الإسلامية إلى الله في القرآن «إلّا بعد أن قطعت الدعوة أشواطا من سيرها مع العقل الإنساني، والتعريف بالخالق العظيم الرزّاق، بالنظر في آيات الله، وما صورت من عجائب الخلق والإبداع» «3» .
والقصة القرآنية الهادفة «سلاح نفسي، في الدعوة الإسلامية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين عن طريق الجدال والحوار بسمو هذه العقيدة ونيل أهدافها» «4» .
وجاء القرآن الكريم بقصص تربوية، هي «غاية في الأهمية، في علاقات الإنسان الأخلاقية- ذلك مع جمال الأسلوب وبلاغة المعنى» «5» .
كما نص القرآن الكريم على أهمية القصة، ودورها في غرس القيم الأخلاقية، وذلك في مثل قوله تعالى:
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «6» .
ونتيجة لما للقصص من دور خطير في التوجيه الفني الخفي، ألح علماء التربية على حسن اختيار ما يعرض أو يقدم للناشئة من قصص، حتى لا ينقلب عاملا سيء الأثر من تربيتهم، وتكوينهم الفكري والخلقي، وهم لم يبلغوا درجة من النضج تؤهلهم للتمييز، وتمكنهم من الحكم الصحيح على المواقف والتصرفات «7» .
(1) محمد فاضل الجمالي: تريبة الإنسان الجديد، مرجع سابق، ص 140، 141.
(2)
سعيد إسماعيل علي: أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1978، ص 26.
(3)
عبد الكريم الخطيب، الله ذاتا وموضوعا، القاهرة، ط 2، دار الفكر العربي، 1971، ص 403.
(4)
التهامي نفرة، سيكولوجية القصة في القرآن، جامعة الجزائر، الشركة التونسية للتوزيع، 1971 م، ص 572.
(5)
محمد فاضل الجمالي: تريبة الإنسان الجديد، مرجع سابق، ص 49.
(6)
سورة يوسف: 3.
(7)
التهامي نفرة، سيكولوجية القصة في القرآن، مرجع سابق، ص 14.
والقرآن الكريم استخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه التي يشملها: تربية الخلق، تربية الوجدان، تربية الجسم، والتربية بالموعظة.
لقد كانت القصة- وما تزال- مدخلا طبيعيّا، يدخل منه أصحاب الرسالات والدعوات والهواة والقادة إلى الناس، وإلى عقولهم وقلوبهم، ليلقوا فيها ما يريدونهم عليه، من قيم وآراء ومعتقدات «1» .
والقصة في عصرنا الحاضر من «أقوى أجهزة التأثير في قيادة الجماعات البشرية، فلا عجب أن تكون القصة في القرآن ركيزة قوية من ركائز الدعوة الإسلامية، القائمة على الاقتناع العقلي، والاطمئنان القلبي، لما تدعو إليه، من الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر «2» . وبهذا تكون القصة القرآنية لها دور فعال في غرس القيم المرغوب فيها في نفوس النشء.
والقصة القرآنية يمكن أن تكون عملا تربويّا هامّا في نشر الاتجاهات والقيم المرغوب فيها، والدعوة إلى الإصلاح، والتحلي بكريم الأخلاق، بما لها من أثر عميق وعظيم في نفوس المتعلمين، ولما لها من قدرة على التأثير والتغيير والتوجيه، وفي هذا الشأن يقول رب العزة في قصة يونس عليه السلام: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «3» . ومن هذه الآية الكريمة، يمكن غرس قيمة وجدانية أساسية، وهي قيمة الإيمان بالله، وتشير الآية أيضا إلى أن الإيمان يجعل المؤمن مستجاب الدعوة، حيث ينجي الدعاء صاحبه حتى في أحرج الظروف.
ويمكن الإشارة إلى أن بعض الآيات الكريمة، التي فيها دلالة صريحة على القيم الأخلاقية التي يعني بها القصص القرآني، ومن هذه الآيات يمكن الإشارة إلى أهم القيم الخلقية، التي تتشكّل في ضوئها أهداف التربية الخلقية للقصص القرآني منها على سبيل المثال لا الحصر:-
أ- الرحمة، حيث يقول الله تعالى، على لسان أيوب- عليه السلام: وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «4» .
ب- العدل، يقول- جلّ شأنه- على لسان شعيب عليه السلام: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ «5» .
ج- الصدق، يقول الله تعالى: ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ «6» .
(1) سيد أحمد طهطاوي: القيم التربوية في القصص القرآني، رسالة ماجستير منشورة، دار الفكر العربي، ط 1، القاهرة، 1416 هـ/ 1996 م.
(2)
عبد الكريم الخطيب: القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، القاهرة، ط 1، مكتبة السنة المحمدية، 1964 م، ص 6.
(3)
سورة الأنبياء: 88.
(4)
سورة الأنبياء: 83.
(5)
سورة الشعراء: 182.
(6)
سورة الأنبياء: 9.