الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً «1» . وهذه الطّريقة أحسن من الطّريقة الأولى، ودعوى الاختلاف في مسمّى الدّعاء وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصّلاة الشّرعيّة، هل هو منقول عن موضعه في اللّغة، فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيّا.
فعلى هذا تكون الصّلاة باقية على مسمّاها في اللّغة، وهو الدّعاء، والدّعاء: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلّي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقيّة لا مجاز، ولا منقولة، لكن خصّ اسم الصّلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ الّتي يخصّها أهل اللّغة والعرف ببعض مسمّاها كالدّابة، والرّأس، ونحوهما، فهذا غايته تخصيص اللّفظ وقصره على بعض موضوعه، ولهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصليّ، والله أعلم.
صلاة الله على عبده
هذه صلاة الآدميّ، وأمّا صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان: عامّة، وخاصّة.
أمّا العامّة: فهي صلاته على عباده المؤمنين، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ «2» ، ومن دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصّلاة على آحاد المؤمنين كقوله:«اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» «3» ، وفي حديث آخر أنّ امرأة قالت له:
صلّ عليّ وعلى زوجي. قال: «صلّى الله عليك وعلى زوجك» «4» .
النّوع الثّاني: صلاته الخاصّة على أنبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وخيرهم محمّد صلى الله عليه وسلم.
فاختلف النّاس في معنى الصّلاة منه سبحانه على أقوال: أحدها أنّها رحمته.
قال إسماعيل: حدّثنا نصر بن عليّ، حدّثنا محمّد بن سواء، عن جويبر، عن الضّحّاك قال: صلاة الله رحمته، وصلاة الملائكة الدّعاء «5» ، وقال المبرّد: أصل الصّلاة الرّحمة، فهي من الله رحمة، ومن الملائكة رقّة، واستدعاء للرّحمة من الله، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخّرين.
والقول الثّاني «6» : أنّ صلاة الله مغفرته.
(1) سورة الأنبياء: 90.
(2)
سورة الأحزاب: 43.
(3)
أخرجه البخاري (الفتح 13/ 7941) ، ومسلم (1078) من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وقوله:«اللهم صل على آل أبي أوفى» يريد أبا أوفى نفسه، لأن الآل يطلق على ذات الشيء واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي شهد هو وابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرة، وعمّر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وذلك سنة سبع وثمانين.
(4)
أخرجه الدارمي (1/ 24) ضمن حديث مطول عن جابر ابن عبد الله، وقال الأرناؤوط رجاله ثقات.
(5)
فضل الصلاة على النبي رقم (96) وسنده ضعيف جدا، جويبر هو ابن سعيد الأزدي البلخي، قال في «التقريب» : ضعيف جدا. وانظر جلاء الأفهام ص (109) .
(6)
ذكر ابن القيم أن هذا القول من جنس الذي قبله، وقد ضعفها من عدة وجوه. للمراجعة انظر: جلاء الأفهام ص 109.
قال إسماعيل: حدّثنا محمّد بن أبي بكر، حدّثنا محمّد بن سواء، عن جويبر، عن الضّحّاك (هو الّذي يصلّي عليكم) قال: صلاة الله: مغفرته، وصلاة الملائكة الدّعاء «1» .
وقد ذكر البخاريّ في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على رسوله: ثناؤه عليه عند الملائكة «2» .
وقال إسماعيل في كتابه، حدّثنا نصر بن عليّ، حدّثنا خالد بن يزيد، عن أبي جعفر، عن الرّبيع بن أنس عن أبي العالية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «3» قال: صلاة الله عز وجل: ثناؤه عليه، وصلاة الملائكة عليه: الدّعاء.
فإذا كان معنى الصّلاة: هو الثّناء على الرّسول، والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو المعروف من هذه اللّفظة، لم يكن لفظ «الصّلاة» في الآية مشتركا محمولا على معنييه، بل يكون مستعملا في معنى واحد، وهذا هو الأصل.
وقيل الصّلاة المأمور بها في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «4» هي الطّلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته، وهي ثناء عليه، وإظهار لفضله وشرفه وإرادته تكريمه وتقريبه، فهي تتضمّن الخبر والطّلب، وسمّي هذا السّؤال والدّعاء منّا نحن صلاة عليه لوجهين:
أحدهما: أنّه يتضمّن ثناء المصلّى عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبّة لذلك من الله تعالى، فقد تضمّنت الخبر والطّلب.
والوجه الثّاني: أنّ ذلك سمّي منّا صلاة، لسؤالنا من الله أن يصلّي عليه. فصلاة الله عليه: ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به.
وأمّا ما ذكر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال:
يباركون عليه، فهذا لا ينافي تفسيرها بالثّناء، وإرادة التّكريم والتّعظيم، فإنّ التّبريك من الله يتضمّن ذلك، ولهذا قرن بين الصّلاة عليه والتّبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ «5» ، وقال المسيح: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ «6» ، قال غير واحد من السّلف: معلّما للخير أينما كنت، وهذا جزء المسمّى، فالمبارك كثير الخير في نفسه الّذي يحصّله لغيره تعليما، وإقدارا ونصحا، وإرادة واجتهادا، ولهذا يكون العبد مباركا، لأنّ الله بارك فيه، وجعله كذلك، والله تعالى متبارك، لأنّ البركة كلّها منه، فعبده مبارك وهو المتبارك تَبارَكَ الَّذِي* «7»
(1) فضل الصلاة على النبي رقم (97) وهو كسابقه ضعيف جدّا.
(2)
البخاري 8/ 409 تعليقا بصيغة الجزم، ووصله إسماعيل القاضي كما ذكره المؤلف رقم (95) وسنده قابل للتحسين.
(3)
سورة الأحزاب: 56.
(4)
سورة الأحزاب: 56.
(5)
سورة هود: 73.
(6)
سورة مريم: 31.
(7)
سورة الملك: 1.