الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سريّة أبي سلمة لتأديب بني أسد:
بلغت النبي صلى الله عليه وسلم أخبار الاستعدادات التي قام بها بنو أسد بن خزيمة بقيادة طليحة الأسدي من أجل غزو المدينة طمعا في خيراتها وانتصارا لشركهم، ومظاهرة لقريش في عدوانها على المسلمين. وقد سارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تشكيل سريّة من مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار، وأمّر عليهم أبا سلمة بن عبد الأسد، أرسلهم إلى ديار بني أسد، فباغتوهم على ماء لهم في ديارهم، غير أنّ بني أسد سرعان ما تفرقوا تاركين ماشيتهم وإبلهم غنيمة للمسلمين من هول المباغتة «1» .
سريّة عبد الله بن أنيس:
كان خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي قد جمّع المقاتلة من هذيل وغيرها في عرفات، وكان يتهيأ لغزو المسلمين في المدينة مظاهرة لقريش، وتقربا إليها، ودفاعا عن عقائدهم الفاسدة، وطمعا في خيرات المدينة «2» ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي عبد الله بن أنيس الجهني إليه بعد أن كلّفه بمهمة قتله، فقتله في وادي عرنة وهو يرتاد بماشيته هناك وكان عبد الله قد غادر المدينة في الخامس من محرم. على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة، وعاد إليها بعد أن أنجز مهمته يوم السبت لسبع بقين من محرم. «3» وقد هش في وجهه النبي صلى الله عليه وسلم حين عاد وقال له:
«أفلح الوجه
…
» ثم أدخله بيته، وأعطاه عصا ليتكيء عليها- آية بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة «4» .
سريّة الرجيع:
اختلفت مرويات سريّة الرجيع فيما بينها كثيرا حول السبب الذي من أجله بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت الذي يورد البخاري بأنه إنما بعث بالسريّة عينا لتجمع المعلومات عن العدو «5» ، فإن مرويات أخرى بأسانيد صحيحة ورد فيها أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من قبيلتي عضل والقارة المضريتين إلى المدينة وقالوا:
«إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام» «6» .
(1) الواقدي- مغازي 1/ 340، ابن سعد- الطبقات 2/ 50 دون إسناد، ابن هشام- السيرة 4/ 344، ابن كثير- البداية والنهاية 4/ 70 وكان تاريخ هذه السرية في أول محرم من نهاية السنة الثالثة من الهجرة.
(2)
ابن سعد- الطبقات 2/ 50، ابن القيم- زاد المعاد 2/ 121.
(3)
ابن سعد- الطبقات 2/ 50، ابن هشام- السيرة 4/ 354- 355 بإسناد منقطع وقد وصلها البيهقي في السنن- كتاب صلاة الخوف وإسنادها حسن، وفي دلائل النبوة (4/ 42- 43)، وانظر: أحمد- المسند 3/ 496، أبو داود- السنن 2/ 41- 42 كتاب الصلاة (حديث 2249) ابن حجر- فتح الباري- غزوة الرجيع، الواقدي- المغازي 2/ 531.
(4)
فصّل الرواية ابن إسحاق في السيرة (ابن هشام 4/ 354- 5) وقد وردت في عدد من المصادر كسنن البيهقي وأبي داود ودلائل البيهقي، وأحمد في المسند 3/ 496 وكذلك مغازي الواقدي وطبقات ابن سعد، انظر: الهامش السابق.
(5)
البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث 4086) ، رواه أحمد- المسند (الرباني 21/ 60- 62) بمثل سياق البخاري.
(6)
ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 3/ 241- 260) بإسناد موقوف على عاصم بن عمر بن قتادة، الواقدي- مغازي 1/ 354- 363، ابن سعد- طبقات 2/ 55- 56 بإسناد صحيح، وفي مغازي عروة بن الزبير (ص 175) ورد سبب إرسال السرية وهو عين ما أورده البخاري في صحيحه.
والراجح أن قبيلة هذيل قد سعت للثأر من المسلمين لسفيان الهذلي فلجأت إلى الخديعة والغدر، وقد جزم الواقدي «1» بأن السبب هو أن بني لحيان وهم حي من هذيل، مشت إلى عضل والقارة وجعلت لهم جعلا ليخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يخرج معهم من يدعوهم إلى الإسلام، ويفقههم في الدين، فيكمنوا لهم ويأسروهم ويصيبوا بهم ثمنا في مكة «2» .
وهكذا بعث الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السريّة التي تتألف من عشرة من الصحابة «3» . وجعل عليهم عاصم بن ثابت ابن الأقلح أميرا، حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة أغار عليهم بنو لحيان- وهم قريب من مائتي مقاتل- فألجئوهم إلى تل مرتفع بعد أن أحاطوا بهم من كل جانب، ثم أعطوهم الأمان من القتل، ولكن قائد السريّة أعلن رفضه أن ينزل في ذمة كافر، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة من أفراد السريّة بالنبال، ثم أعطى الأعراب الأمان من جديد للثلاثة الباقين، فقبلوا غير أنهم سرعان ما غدروا بهم بعد ما تمكّنوا منهم وقد قاومهم عبد الله بن طارق فقتلوه، واقتادوا الاثنين إلى مكة- وهما خبيب وزيد بن الدثنّة فباعوهما لقريش «4» وكان ذلك في صفر سنة 4 هـ «5» . فأما خبيب فقد اشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل فقتلوه بالحارث الذي كان خبيب قتله في بدر. ولما أخرجوا خبيبا من الحرم ليقتلوه صلى ركعتين قبل أن يقتل فكان أول من سن ذلك ثم دعا ربه قائلا:«اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا» ، ثم تمثّل بشعر قال فيه:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي شقّ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزّع «6»
وأما ثانيهما- وهو زيد بن الدثنّة فقد اشتراه صفوان بن أميّة وقتله ثأرا لأبيه أميّة بن خلف الذي كان قد قتل ببدر. وقد سأله أبو سفيان قبل قتله: «أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي» «7» .
(1) الواقدي- مغازي 1/ 354- 355.
(2)
يمكن التوفيق بين رواية البخاري وما ورد في كتب السيرة والمغازي بأن يكون الرسول قد قرر إرسالهم عينا للمسلمين ووافق ذلك قدوم الرهط من عضل والقارة فكلف أعضاء السرية بذلك الواجب في طريقهم لإنفاذ مهمتهم مما يوفر لهم الغطاء والحماية. وانظر: عرجون- محمد رسول الله 4/ 41.
(3)
في رواية البخاري- الصحيح 5/ 40- 41 (حديث 4086) ورد أنهم عشرة من الصحابة، وقال ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 3/ 165- 167) أنهم ستة، في حين جعلهم موسى بن عقبة سبعة.
(4)
ابن هشام- السيرة 3/ 165- 167، الواقدي- مغازي 1/ 357.
(5)
ابن حزم- جوامع السيرة ص/ 176.
(6)
البخاري- الصحيح 5/ 40- 41، أحمد- المسند 2/ 310، ابن هشام- السيرة 3/ 165- 167، وقد أورد ابن حجر زيادة في القصيدة إذ جعلها ثمانية أبيات.
(7)
ابن هشام- السيرة 3/ 245، ابن سعد- الطبقات 2/ 56 مرسلا عن ابن إسحاق.