الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزيرة الشمالية قريبا من تخوم الروم، فلما كان فتح مكة وما تبع ذلك من إسلام قريش وكسر شوكة هوازن في موقعة حنين، وإذلال ثقيف ومحاصرتها سقط الحاجز الأساسي الأول فبادر كل قوم بإسلامهم، ثم كانت غزوة تبوك وامتداد سلطان المسلمين إلى خطوط التماس مع الروم وعقد المحالفات مع أيلة وأذرح وغيرهما، وتسوية الأمور مع دومة الجندل بالصلح، ثم مصالحة نصارى نجران في الأطراف الجنوبية على أن يدفعوا الجزية، فلم يعد أمام القبائل العربية إلّا المبادرة الشاملة إلى اعتناق الإسلام والالتحاق بركب النبوة بالسمع والطاعة، ونظرا لكثرة وفود القبائل العربية التي قدمت إلى المدينة من أنحاء الجزيرة العربية بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك لتعلن إسلامها هي ومن وراءها، فقد سمّي العام التاسع للهجرة في المصادر الإسلامية ب
عام الوفود
، ويعد كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد من أهم المصادر وأشملها في تقديم المعلومات المبوبة عن أخبار هذه الوفود كما أشار الحافظ ابن حجر «1» .
عام الوفود:
أشارت المصادر الحديثية والتاريخية إلى قدوم بعض الوفود إلى المدينة في تاريخ مبكر عن السنة التاسعة، ولعل ذلك ما أدى إلى الاختلاف في تحديد عدد الوفود بين ما يزيد على ستين وفدا عند البعض، وليرتفع فيبلغ أكثر من مائة وفد عند آخرين،؟ ولعل البعض قد اقتصر على ذكر المشهور منهم «2» ، فقد أورد محمد بن إسحاق أنه «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه» «3» .
كان أول الوفود قدوما إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك هو وفد قبيلة ثقيف. وقد سبق أن أشرنا إلى إسلام عروة بن مسعود الثقفي على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل وصوله المدينة، عند عودته من مكة بعد الفتح، وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجع إلى قومه بالإسلام، وقد فعل ذلك فأظهر لهم دينه، ودعاهم إلى الإسلام، غير
(1) عند تدقيق النسخة المطبوعة الأولى (طبعة لايدن) من كتاب الطبقات وكذلك الطبعات الأخرى في القاهرة وبيروت والتي كانت عيالا على الطبعة الأولى، يتبين أن النقص لا يقتصر على إغفال محمد بن سعد لذكر وفد هوازن كما صرح بذلك الحافظ ابن كثير، وإنما يدفع إلى التصور أن الإغفال شامل لأغلب الوفود، وكان ذلك مثيرا للتساؤل، ودافعا إلى البحث والتقصي، ولم يكن يخطر ببال أحد أن جميع الطبعات التي حفل بها الكتاب ناقصة مبتسرة، ويعتورها نقص كبير، خاصة وقد مضى على طبع أولها ما يزيد على قرن كامل، واطلع عليها أجيال من العلماء، وأصبح موضوع الشك في حصول النقص فيها أمرا بعيد الاحتمال، ولكن ذلك قد تحقق، وإذا بنا نجد نقصا كبيرا في المطبوع شمل الطبقة الرابعة وهي طبقة «من أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك» من الصحابة، والطبقة الخامسة وهي تختص بصغار الصحابة «الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وهم صغار السن» ،. ويتزايد النقص لنكتشف أن ما هو مطبوع من الطبقة الثالثة يعتوره الكثير من النقص أيضا، فقد سقط منه في موضعين، ما يعادل القسم المطبوع منه، والمعلومات التي سقطت غاية في الأهمية، إلى جانب نقص وسقط مخل حاصل في مواضع كثيرة من المطبوع، وذلك لا يشمل قطعا النقص الواقع في طبقة النساء وطبقات التابعين. وقد استخرت الله سبحانه وتعالى في تدقيق كامل الكتاب وتخريج نصوصه وترجمة ما فيه من أعلام متونا وأسانيد وإخراجه في طبعة موحدة، فاطمأن قلبي وانشرح صدري إلى ذلك خدمة للعلم وتيسيرا للعلماء وطلاب الحديث النبوي الشريف، ومن الله العون وعليه سبحانه التكلان.
(2)
ابن هشام- السيرة 3/ 599.
(3)
ابن كثير- البداية والنهاية 5/ 46- 47.
أنهم اجتمعوا عليه فرموه بسهامهم وهو يؤذن في أعلى داره فقتلوه، ثم ائتمر زعماء ثقيف فيما بينهم فوجدوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من قبائل العرب وقد بايعت وأسلمت» فأجمعوا على أن يرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفدا، ففعلوا وقد حاول الوفد بعد وصوله المدينة تأجيل هدم اللات «الطاغية» بعض الوقت غير أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، وأصر على أن يبعث المغيرة ابن شعبة وأبا سفيان بن حرب لهدمها، كما أنه أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان أحرصهم على تعلم القرآن والتفقه في الدين «1» .
وبالإضافة إلى أخبار وفد ثقيف الذي كان برئاسة عبد ياليل بن عمرو بن عمير، أورد ابن إسحاق معلومات مبوّبة عن ستة عشر وفدا تضمنت تفصيلات عن رؤساء وفود ورجالها وأخبار قدومهم وإقامتهم، وحوارهم، والأشعار التي قيلت، وما انتهى إليه أمرهم، والآيات التي نزلت في أمرهم إن كان ذلك قد حصل.
وقد استقصى ابن سعد في جمع المعلومات عن الوفود، كما فصل كثيرا وقدم ترجمات وافية عن رجال الوفود، ومن كانت له صحبة منهم، وما ورد عن طريقهم من آثار. ولا تخلوا أسانيد ابن سعد أحيانا من المطاعن، كما أن فيها أسانيد من الثقاة أيضا، ولا شك في أن الأخبار التي أوردها المؤرخون ليست ثابتة بالنقل الصحيح المعتمد وفق أساليب المحدثين، رغم أن عددا كبيرا من المرويات عن تلك الوفود ثابتة وصحيحة، فمثلا: أشارت سورة الحجرات إلى ما صدر عن بعض رجال وفد تميم من أعمال تتسم بعدم العقلانية «2» ، كما أورد الإمام البخاري معلومات عن وفد قبيلة تميم وقدومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم «3» ، وتعززت أخبار هذا الوفد بمعلومات إضافية وردت في مصادر تاريخية إلى جانب ما ورد عنها في كتب السير والمغازي «4» .
وإضافة إلى معلوماته عن وفد تميم يقدم الإمام البخاري معلومات عن وفود أخرى مثل: عبد القيس «5» ، وبني حنيفة «6» ، ووفد نجران «7» ، ووفد الأشعريين «8» ، وأهل اليمن «9» ، ووفد دوس 1»
، ووفد بني عامر «11» .
(1) ابن هشام- السيرة 3/ 599.
(2)
حكت آيات من سورة الحجرات بعض ما صدر من أفراد وفد تميم من تصرفات تتسم بالبداوة وجفاء الطبع وقلّة الذوق، كالمناداة على النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات وبصوت مرتفع بدلا من أن يستأذنوا ويسلموا عليه صلى الله عليه وسلم. انظر في ذلك الطبري- التفسير 26/ 122.
(3)
الطبري- الصحيح (فتح الباري 8/ 83- 102) .
(4)
ابن كثير- البداية 5/ 40- 98 مثلا.
(5)
البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4368- 9) ، مسلم- الصحيح 1/ 46- 5 (الأحاديث 17- 18) .
(6)
البخاري، المصدر السابق (حديث 4373) .
(7)
المرجع السابق (حديث 4380، 4381) ، مسلم- الصحيح 4/ 1822، (حديث 2420) .
(8)
البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 3136) .
(9)
المرجع السابق (الفتح حديث 2714، 2715) مسلم- الصحيح 1/ 75 (حديث 56) .
(10)
البخاري- الصحيح (فتح، حديث 4392) ، مسلم- الصحيح 4/ 1957، (حديث 2524) ، أحمد- المسند 13/ 39 (حديث 7313) .
(11)
البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4091) ، أحمد- المسند 4/ 25.