الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
هل يصلّى على آله صلى الله عليه وسلم منفردين عنه؟ فهذه المسألة على نوعين:
أحدهما: أن يقال: «اللهمّ صلّ على آل محمّد» فهذا يجوز، ويكون صلى الله عليه وسلم داخلا في آله، فالإفراد عنه وقع في اللّفظ، لا في المعنى.
الثّاني: أن يفرد واحد منهم بالذّكر، فيقال: اللهمّ صلّ على عليّ، أو على حسن، أو حسين، أو فاطمة، ونحو ذلك، فاختلف في ذلك وفي الصّلاة على غير آله صلى الله عليه وسلم من
الصّحابة ومن بعدهم، فكره ذلك مالك، وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبي حنيفة أيضا، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثّوريّ، وبه قال طاوس.
وقال ابن عبّاس: لا ينبغي الصّلاة إلّا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال إسماعيل بن إسحاق: حدّثنا عبد الله بن عبد الوهّاب قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زياد، حدّثني عثمان بن حكيم بن عبّاد بن حنيف، عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قال:«لا تصلح الصّلاة على أحد إلّا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار» «1» .
وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز.
عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أمّا بعد، فإنّ ناسا من النّاس قد التمسوا الدّنيا بعمل الآخرة، وإنّ القصّاص قد أحدثوا في الصّلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءك كتابي، فمرهم أن تكون صلاتهم على النّبيّين، ودعاؤهم للمسلمين عامّة» «2» .
وهذا مذهب أصحاب الشّافعيّ ولهم ثلاثة أوجه:
أحدها: أنّه منع تحريم.
والثّاني: وهو قول الأكثرين: أنّه منع كراهية تنزيه.
والثّالث: أنّه من باب ترك الأولى وليس بمكروه، حكاها النّوويّ في «الأذكار» قال: والصّحيح الّذي عليه الأكثرون أنّه مكروه كراهة تنزيه.
ثمّ اختلفوا في السّلام هل هو في معنى الصّلاة فيكره أن يقال: السّلام على فلان، أو قال: فلان عليه السلام؟ فكرهه طائفة منهم أبو محمّد الجوينيّ، ومنع أن يقال: عن عليّ- عليه السلام، وفرّق آخرون بينه وبين
(1) فضل الصلاة على النبي لإسماعيل بن إسحاق القاضي وقال محققه الشيخ ناصر الدين الألباني، إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2)
فضل الصلاة على النبي (ص 69) وقال الألباني، إسناده مقطوع صحيح، وقال محققا جلاء الأفهام رجاله ثقات.
الصّلاة فقالوا: السّلام يشرع في حقّ كلّ مؤمن حيّ وميّت، وحاضر وغائب، فإنّك تقول: بلّغ فلانا منّي السّلام، وهو تحيّة أهل الإسلام، بخلاف الصّلاة فإنّها من حقوق الرّسول صلى الله عليه وسلم وآله، ولهذا يقول المصلّى:
«السّلام علينا وعلي عباد الله الصّالحين» ولا يقول: الصّلاة علينا وعلى عباد الله الصّالحين، فعلم الفرق «1» .
وفصل الخطاب في هذه المسألة: أنّ الصّلاة على غير النّبيّ صلى الله عليه وسلم إمّا أن يكون آله وأزواجه وذرّيّته أو غيرهم، فإن كان الأوّل فالصّلاة عليهم مشروعة مع الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجائزة مفردة.
وأمّا الثّاني: فإن كان الملائكة وأهل الطّاعة عموما الّذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضا، فيقال: اللهمّ صلّ على ملائكتك المقرّبين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان شخصا معيّنا، أو طائفة معيّنة كره أن يتّخذ الصّلاة عليه شعارا لا يخلّ به. ولو قيل بتحريمه، لكان له وجه، لا سيّما إذا جعلها شعارا له، ومنع منها نظيره، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرّافضة بعليّ- رضي الله عنه فإنّهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع لا سيّما إذا اتّخذ شعارا لا يخلّ به، فتركه حينئذ متعيّن، وأمّا إن صلّى أحيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما يصلّي على دافع الزّكاة، وكما قال ابن عمر للميّت:«صلّى الله عليه» . وكما صلّى النبيّ صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن عليّ من صلاته على عمر فهذا لا بأس به. وبهذا التّفصيل تتّفق الأدلّة وينكشف وجه الصّواب. والله الموفّق.
(1) ساق المؤلف- رحمه الله عقب هذا الكلام أدلة القائلين بعدم جواز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأدلة من يقول بالجواز. ثم ختم ذلك بقوله: «وفصل الخطاب..» .