الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى قوله: «اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد»
قال المؤلّف- رحمه الله: حقيقة البركة: الثّبوت واللّزوم والاستقرار، فمنه برك البعير: إذا استقرّ على الأرض ومنه المبرك لموضع البروك. قال صاحب «الصّحاح» : وكلّ شيء ثبت وأقام، فقد برك. والبرك: الإبل الكثيرة، والبركة بكسر الباء كالحوض، والجمع البرك، ذكره الجوهريّ. قال: ويقال: سمّيت بذلك لإقامة الماء فيها.
والبراكاء: الثّبات في الحرب والجدّ فيها، قال الشّاعر «1» :
ولا ينجي من الغمرات إلّا
…
براكاء القتال أو الفرار
والبركة: النّماء والزّيادة، والتبريك: الدّعاء بذلك. ويقال: باركه الله وبارك فيه. وبارك عليه، وبارك له، وفي القرآن: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها «2»
…
وفيه: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ «3» . وفيه: بارَكْنا فِيها* «4» .
وفي الحديث: «وبارك لي فيما أعطيت» «5»
…
وفي حديث سعد: «بارك الله لك في أهلك ومالك» «6» .
والمبارك: الّذي قد باركه الله سبحانه، كما قال المسيح عليه السلام: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ «7» ..
وكتابه مبارك، كما قال تعالى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ «8» .. وقال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ «9» ، وهو أحقّ
(1) هو بشر بن أبي خازم، وهو في ديوانه (ص 79) والغمرات: الشدائد، واحدها: الغمرة. والبركاء بفتح الباء وضمها: أن يبرك الرجل في القتال ويثبت ولا يبرح.
(2)
سورة النمل: 8.
(3)
سورة الصافات: 113.
(4)
سورة الأعراف: 137.
(5)
أخرجه أحمد (1/ 199، 200) ، وأبو داود (1425) ، والترمذي (464) ، وحسّنه، والنسائي (3/ 248) ، وابن ماجه (1178)، والدارمي (1/ 373) من حديث الحسن بن علي- رضي الله عنهما قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت
…
» وصححه الحاكم (3/ 172) ، ووافقه الذهبي.
(6)
أخرجه البخاري (الفتح 7/ 3937) ، وأحمد (3/ 190، 271) من حديث أنس بن مالك قال: قدم عبد الرحمن بن عوف، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان، فانظر أعجبها إليك، فأطلقها حتى إذا حلّت تزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله في أهلك ومالك، فلم يرجع يومئذ حتى أفضل شيئا من سمن وأقط، فلم يلبث إلّا يسيرا حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه وضر من صفرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مهيم؟» قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال:«ما سقت إليها؟» قال: وزن نواة من ذهب. فقال: «أولم ولو بشاة» .
(7)
سورة مريم: 31.
(8)
سورة الأنبياء: 50.
(9)
سورة ص: 29.
أن يسمّى مباركا من كلّ شيء، لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه، والرّبّ سبحانه وتعالى يقال في حقّه «تبارك» ولا يقال: مبارك.
ثمّ قالت طائفة منهم الجوهريّ: إنّ «تبارك» بمعنى بارك، مثل قاتل وتقاتل، قال: إلّا أنّ فاعل يتعدّى وتفاعل لا يتعدّى، وهذا غلط عند المحقّقين، وإنّما «تبارك» تفاعل من البركة، وهذا الثّناء في حقّه تعالى، إنّما هو لوصف رجع إليه كتعالى، فإنّه تفاعل من العلوّ، ولهذا يقرن بين هذين اللّفظين فيقال:«تبارك وتعالى» ، وفي دعاء القنوت:«تباركت وتعاليت» وهو سبحانه أحقّ بذلك وأولى من كلّ أحد، فإنّ الخير كلّه بيديه، وكلّ الخير منه، صفاته كلّها صفات كمال، وأفعاله كلّها حكمة، ورحمة، ومصلحة، وخيرات لا شرور فيها، كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«والشّرّ ليس إليك» «1» . وإنّما يقع الشّرّ في مفعولاته ومخلوقاته، لا في فعله سبحانه، فإذا كان العبد وغيره مباركا لكثرة خيره ومنافعه واتّصال أسباب الخير فيه، وحصول ما ينتفع به النّاس منه، فالله تبارك وتعالى أحقّ أن يكون متباركا، وهذا ثناء يشعر بالعظمة، والرّفعة، والسّعة، كما يقال: تعاظم وتعالى ونحوه، فهو دليل على عظمته، وكثرة خيره، ودوامه، واجتماع صفات الكمال فيه، وأنّ كلّ نفع في العالم كان ويكون، فمن نفعه سبحانه وإحسانه.
ويدلّ هذا الفعل أيضا في حقّه على العظمة والجلال وعلوّ الشّأن، ولهذا إنّما يذكره غالبا مفتتحا به كلامه وعظمته وكبرياءه.. قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ «2» . وقال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً «3» .
فقد ذكر تباركه سبحانه في المواضع الّتي أثنى فيها على نفسه بالجلال والعظمة، والأفعال الدّالّة على ربوبيّته وإلهيّته وحكمته وسائر صفات كماله، من إنزال الفرقان، وخلق العالمين، وانفراده بالملك وكمال القدرة.
ولهذا قال أبو صالح عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما: تبارك بمعنى تعالى.
وقال أبو عبّاس: تبارك: ارتفع، والمبارك: المرتفع.
وقال ابن الأنباريّ: تبارك بمعنى تقدّس، وقال الحسن: تبارك: تجيء البركة من قبله، وقال الضّحّاك:
تبارك: تعظّم، وقال الخليل بن أحمد: تمجّد، وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته، وبارك من شاء من خلقه.
وهذا أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه وصف ذات له، وصفة فعل، كما قال الحسين بن الفضل.
وقال ابن عطيّة: معناه عظم، وكثرت بركاته، ولا يوصف بهذه اللّفظة إلّا الله سبحانه وتعالى.
(1) هو جزء من حديث طويل رواه مسلم (771) ، والنسائي (2/ 199، 130) .
(2)
سورة الأعراف: 54.
(3)
سورة الفرقان: 1.
والمقصود الكلام على قوله: «وبارك على محمّد، وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم» فهذا الدّعاء يتضمّن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة، وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ* وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ «1» . وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «2» .
وتأمّل كيف جاء في القرآن: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ ولم يذكر إسماعيل. وجاء في التّوراة ذكر البركة على إسماعيل، ولم يذكر إسحاق كما تقدّمت حكايته، وعن إسماعيل «شمعتك، هانا باركتخ» (أي: ها أنا باركتك) فجاء في التّوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة، لا سيّما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلّها برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنبّههم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك صلى الله عليه وسلم، وذكر لنا في القرآن بركته على إسحاق منبّها لنا على ما حصل في أولاده من نبوّة موسى عليه السلام وغيره، وما أوتوه من الكتاب والعلم مستدعيا من عباده الإيمان بذلك، والتّصديق به، وأن لا يهملوا معرفة حقوق هذا البيت المبارك وأهل النّبوّة منهم، ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلّق لنا بهم، بل يجب علينا احترامهم، وتوقيرهم، والإيمان بهم، ومحبّتهم، وموالاتهم، والثّناء عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ولمّا كان هذا البيت المبارك المطهّر أشرف بيوت العالم على الإطلاق خصّهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص:
منها: أنّه جعل فيه النّبوّة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم عليه السلام نبيّ إلّا من أهل بيته.
ومنها: أنّه سبحانه جعلهم أئمّة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكلّ من دخل الجنّة من أولياء الله بعدهم، فإنّما دخل من طريقهم وبدعوتهم.
ومنها: أنّه سبحانه اتّخذ منهم الخليلين: إبراهيم، ومحمّدا صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا «3» .
وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا» «4» . وهذا من خواصّ البيت.
ومنها: أنّه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إماما للعالمين، كما قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «5» .
ومنها: أنّه أجرى على يديه بناء بيته الّذي جعله قياما للنّاس وقبلة لهم وحجّا، فكان ظهور هذا البيت من
(1) سورة الصافات: 112، 113.
(2)
سورة هود: 73.
(3)
سورة النساء: 125.
(4)
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 5) وعزاه للطبراني وقال: وفيه يزيد الألهاني وهو ضعيف.
(5)
سورة البقرة: 124.
أهل هذا البيت الأكرمين.
ومنها: أنّه أمر عباده بأن يصلّوا على أهل البيت، كما صلّى على أهل بيتهم وسلفهم وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصّة لهم.
ومنها: أنّه أخرج منهم الأمّتين المعظّمتين الّتي لم تخرج من أهل بيت غيرهم، وهم أمّة موسى وأمّة محمّد صلّى الله وسلّم عليهما، وأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم تمام سبعين أمّة خيرها وأكرمها على الله «1» .
ومنها: أنّ الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم، فلا يذكرون إلّا بالثّناء عليهم والصّلاة والسّلام عليهم، قال الله تعالى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ «2» .
ومنها: جعل أهل هذا البيت فرقانا بين النّاس، فالسّعداء أتباعهم ومحبّوهم ومن تولّاهم، والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنّة لهم ولأتباعهم، والنّار لأعدائهم ومخالفيهم.
ومنها: أنّه سبحانه جعل ذكرهم مقرونا بذكره، فيقال: إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيّه، ومحمّد رسول الله، وخليله ونبيّه، وموسى كليم الله ورسوله، قال تعالى لنبيّه يذكّره بنعمته عليه: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ «3» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما في تفسيرها: إذا ذكرت ذكرت معي، فيقال: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، في كلمة الإسلام، وفي الأذان، وفي الخطب، وفي التّشهّدات وغير ذلك.
ومنها: أنّه سبحانه جعل خلاص خلقه من شقاء الدّنيا والآخرة على أيدي أهل هذا البيت، فلهم على النّاس من النّعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم المنن الجسام في رقاب الأوّلين والآخرين من أهل السّعادة، والأيادي العظام عندهم الّتي يجازيهم عليها الله عز وجل.
ومنها: أنّ كلّ ضرّ ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم، فلهم من الأجر مثل أجور عامليها، فسبحان من يختصّ بفضله من يشاء من عباده.
ومنها: أنّ الله سبحانه وتعالى سدّ جميع الطّرق بينه وبين العالمين، وأغلق دونهم الأبواب، فلم يفتح لأحد قطّ إلّا من طريقهم وبابهم.
ومنها: أنّه سبحانه خصّهم من العلم بما لم يخصّ به أهل بيت سواهم من العالمين، فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته
(1) أخرجه أحمد (5/ 5)، والترمذي (3004) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى:«كنتم خير أمة أخرجت للناس» قال: «إنكم تتمون سبعين، أنتم خيرها وأكرمها على الله» وسنده حسن.
(2)
سورة الصافات: 108- 110.
(3)
سورة الانشراح: 4.
منهم، فسبحان من جمع لهم علم الأوّلين والآخرين.
ومنها: أنّه سبحانه خصّهم من توحيده ومحبّته وقربه والاختصاص به، بما لم يختصّ به أهل بيت سواهم.
ومنها: أنّه سبحانه مكّن لهم في الأرض واستخلفهم فيها، وأطاع أهل الأرض لهم ما لم يحصل لغيرهم.
ومنها: أنّه سبحانه أيّدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائه وأعدائهم بما لم يؤيّد غيرهم.
ومنها: أنّه سبحانه محابهم من آثار أهل الضّلال والشّرك، ومن الآثار الّتي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم.
ومنها: أنّه سبحانه غرس لهم من المحبّة والإجلال والتّعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم.
ومنها: أنّه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقيا ما بقيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض، فذاك أوان خراب العالم. قال الله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ «1» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما في تفسيرها: لو ترك النّاس كلّهم الحجّ، لوقعت السّماء على الأرض. وقال:«لو ترك النّاس كلّهم الحجّ لما نظروا. وأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ في آخر الزّمان يرفع الله بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرّجال «2» . فلا يبقى له في الأرض بيت يحجّ ولا كلام يتلى، فحينئذ يقرب خراب العالم، وهكذا النّاس اليوم إنّما قيامهم بقيام آثار نبيّهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم، وحصول مصالحهم، واندفاع أنواع البلاء والشّرّ عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشّرّ بهم عند تعطّلها والإعراض عنها، والتّحاكم إلى غيرها، واتّخاذ سواها.
ومن تأمّل تسليط الله سبحانه على من سلّطه على البلاد والعباد من الأعداء، علم أنّ ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيّهم وسننه وشرائعه، فسلّط الله عليهم من أهلكهم وانتقم منهم، حتّى إنّ البلاد الّتي لآثار الرّسول صلى الله عليه وسلم وسننه وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم.
وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت، فلهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نطلب له من الله تعالى أن يبارك عليه، وعلى آله، كما بارك على هذا البيت المعظّم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(1) سورة المائدة: 97.
(2)
روى ابن ماجه (4049) عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدرس الإسلام، كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة، ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية
…
» ، قال البوصيري في «الزوائد» إسناده صحيح، رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان» والضياء في «المختارة» .
ومن بركات أهل هذا البيت، أنّه سبحانه أظهر على أيديهم من بركات الدّنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم.
ومن بركاتهم وخصائصهم أنّ الله سبحانه أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم، فمنهم من اتّخذه خليلا، ومنهم الذّبيح، ومنهم من كلّمه تكليما، وقرّبه نجيّا، ومنهم من آتاه شطر الحسن، وجعله من أكرم النّاس عليه، ومنهم من آتاه ملكا لم يؤته أحدا غيره، ومنهم من رفعه مكانا عليّا.
ولمّا ذكر سبحانه وتعالى هذا البيت وذرّيّته، أخبر أنّ كلّهم فضّله على العالمين.
ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أنّ الله سبحانه رفع العذاب العامّ عن أهل الأرض بهم وببعثهم، وكانت عادته سبحانه في أمم الأنبياء قبلهم أنّهم إذا كذّبوا أنبياءهم ورسلهم، أهلكهم بعذاب يعمّهم، كما فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، فلمّا أنزل الله سبحانه وتعالى التّوراة والإنجيل والقرآن، رفع بها العذاب العامّ عن أهل الأرض، وأمر بجهاد من كذّبهم وخالفهم، فكان ذلك نصرة لهم بأيديهم، وشفاء لصدورهم واتّخاذ الشّهداء منهم، وإهلاك عدوّهم بأيديهم، لتحصيل محابّه سبحانه على أيديهم، وحقّ لأهل بيت هذا بعض فضائلهم أن لا تزال الألسن رطبة بالصّلاة عليهم والسّلام والثّناء والتعظيم، والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبّتهم وإجلالهم، وأن يعرف المصلّي عليهم أنّه لو أنفق أنفاسه كلّها في الصّلاة عليهم ما وفّى القليل من حقّهم، فجزاهم الله عن بريّته أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيما وتشريفا وتكريما، وصلّى عليهم صلاة دائمة لا انقطاع لها، وسلّم تسليما.