الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصدر عن واثق بأنّ ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته، ولا الإتيان بمثله، ولو كان من متقوّل من عند نفسه لخاف أن يعارض، فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد من متابعة النّاس له.
ومعلوم لكلّ ذي لبّ أنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم من أعقل خلق الله، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في الأمر نفسه، فما كان ليقدم على هذا الأمر إلّا وهو عالم بأنّه لا يمكن معارضته وهكذا وقع، فإنّه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا، فإنّه كلام ربّ العالمين الّذي لا يشبهه شيء من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فأنّى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟.
قال الحافظ ابن حجر: وقد جمع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء:
أحدها: حسن تأليفه والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة.
ثانيها: صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظما ونثرا حتّى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء مثله مع توفّر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه.
ثالثها: ما اشتمل عليه من الإخبار عمّا مضى من أحوال الأمم السّالفة والشّرائع الدّاثرة ممّا كان لا يعلم منه بعضه إلّا النّادر من أهل الكتاب.
رابعها: الإخبار عمّا سيأتي من الكوائن الّتي وقع بعضها في العصر النّبويّ وبعضها بعده. ومن غير هذه الأربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قضايا أنّهم لا يفعلونها فعجزوا عنها مع توفّر دواعيهم على تكذيبه، كتمنّي اليهود الموت، ومنها الرّوعة الّتي تحصل لسامعه، ومنها أنّ قارئه لا يملّ من ترداده وسامعه لا يمجّه ولا يزداد بكثرة التّكرار إلّا طراوة ولذاذة.
ومنها أنّه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدّنيا، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لا تنقضي عجائبها ولا تنتهي فوائدها. أ. هـ ملخّصا من كلام عياض وغيره «1» .
الإسراء والمعراج:
عن أنس بن مالك- رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أتيت بالبراق (وهو دابّة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه) قال: فركبته حتّى أتيت بيت المقدس- قال: فربطته بالحلقة الّتي يربط بها الأنبياء. قال ثمّ دخلت المسجد فصلّيت فيه ركعتين ثمّ خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللّبن. فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة، ثمّ عرج بنا إلى السّماء، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه
(1) انظر فتح الباري (8/ 623، 624) .
ففتح لنا، فإذا أنا بآدم. فرحّب بي ودعا لي بخير. ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّانية- فاستفتح جبريل- عليه السلام فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريّاء صلوات الله عليهما فرحّبا ودعوا لي بخير. ثمّ عرج بنا إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن. فرحّب ودعا لي بخير. ثمّ عرج بنا إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح جبريل- عليه السلام قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل:
وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب ودعا لي بخير. قال الله- عز وجل:
وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا «1» . ثمّ عرج بنا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم. فرحّب ودعا لي بخير.- ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمّد قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم. فرحّب ودعا لي بخير- ثمّ عرج بنا إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال محمّد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، مسندا ظهره إلى البيت المعمور- وإذا هو يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه- ثمّ ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة- وإذا ثمرها كالقلال قال: فلمّا غشيها من أمر الله ما غشي تغيّرت- فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها- فأوحى الله إليّ ما أوحى- ففرض عليّ خمسين صلاة في كلّ يوم وليلة- فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربّك على أمّتك؟ قلت: خمسين صلاة: قال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف فإنّ أمّتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم- قال: فرجعت إلى ربّي فقلت: يا ربّ خفّف على أمّتي. فحطّ عنّي
خمسا، فرجعت إلى موسى فقلت: حطّ عنّي خمسا. قال. إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف- قال: فلم أزل أرجع بين ربّي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتّى قال: يا محمّد، إنّهنّ خمس صلوات كلّ يوم وليلة- لكلّ صلاة عشر. فذلك خمسون صلاة- ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن همّ بسيّئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيّئة واحدة- قال: فنزلت حتّى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته- فقال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: قد رجعت إلى ربّي حتّى استحييت منه «2» .
(1) سورة مريم: آية (57) .
(2)
رواه مسلم (162) في الإيمان: باب الإسراء.