الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيئة الدعوة:
يقع البيت العتيق وما يحيط به من مناطق سكنية وأسواق في واد تشرف عليه الجبال من أغلب النواحي، فمن الشرق يشرف عليه جبل «أبو قبيس» ، ومن الغرب جبل «قعيقعان» ، والجبلان يطوقان المنطقة على شكل هلالين متقابلين ويتركان من الناحية الشرقية منفذا إلى الأبطح وأعالي مكة مما يلي الحجون، أما من الجهة الثانية فالمسفلة حيث تنحدر الأرض مع مجرى السيل القديم، ويعرف الوادي الذي يقوم فيه البيت العتيق باسم البطحاء «1» ، وتحيط بالمسجد الحرام بيوت قريش «البطاح» التي امتازت بالتحضر والغنى والجاه. أما خارج أطراف الجبال فكانت تسكن «قريش الظواهر» وهم من العشائر الفقيرة ولكنها شديدة البأس. وتنتمي قريش إلى كنانة التي كانت تسكن قريبا من مكة، مما يعطي مكة عمقا معنويّا للحماية والدعم. وقد تعززت العلاقات النّسبيّة وصلة القربى والرحم بالمحالفات بين الطرفين، وكان الأحابيش الذين يعيشون عند مشارف مكة حلفاء لقبيلة قريش، تساندهم في حروبهم وتستخدمهم في حراسة قوافل التجارة المكية إلى اليمن والشام وأطراف الجزيرة في طريق العراق، وقد شملت محالفات قريش عددا كبيرا من القبائل العربية التي تقع مواطنها على امتداد طرق التجارة التي يباشرونها. ولما كان الاقتصاد التجاري يعتمد على استتباب الأمن، فقد اعتمدت قريش على مكانتها عند العرب، وتحالفاتها مع القبائل العربية، وما كان يظهره زعماؤها من الحصافة والحلم واللين وبعد النظر في سبيل الوصول إلى غاياتهم في تحقيق الأمن لطرق مواصلاتها التجارية. ومع أن قريشا قد دخلت قبل الإسلام في حروب الفجار الأربع التي كانت مناوشات محدودة، فإنها لم تستطع أن تحرز نصرا في تلك الحروب الصغيرة على الأعراب، وذلك يشير إلى عدم اعتمادها على القوة في تأمين مصالحها، بقدر ما تعتمد على مكانتها التي بوأها لها وجود البيت العتيق الذي يحج إليه العرب من شتّى المناطق والذي كانت تحيط به أصنامهم التي زاد عددها كثيرا حتى تجاوز ثلاثمائة وخمسين صنما، وذلك مما ساعدها على تحقيق الأمن، إضافة إلى ما كانوا يحققونه من مكاسب مادية.
لقد قام قصيّ بتوحيد قريش وجمعها في مكة وما حولها، ومكّن لها ونظّم شئونها. وقام أبناؤه بأعمال جليلة أدت إلى ازدهار الحياة في مكة وأبرزت مكانتهم وفضلهم وشرفهم ومكّنت لسيادتهم، فقد تولوا السقاية والرفادة والحجابة واللواء والندوة، وتمكّن هاشم بن عبد مناف بن قصي من عقد الإيلاف وتوسيع نطاق التجارة المكية بنقلها من النطاق الإقليمي إلى آفاق العالم القديم الرحبة، لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ «2» .
وقام هاشم كذلك بحفر عدد من الآبار وتوفير المياه لسكان مكة وحجاج البيت العتيق على حد سواء.
وقد عرف «المطلب» بن عبد مناف بالدعوة إلى مكارم الأخلاق، والأمر بترك الظلم والبغي والعدوان، كما عرف بشدّة التزامه بالنسك. وقد حاز عبد المطلب بن هاشم على مكانة متميّزة في قلوب الناس لكرمه وجوده، واشتهر بحفره بئر زمزم التي وفرت المياه في مكة، فلم تعد هناك حاجة لنقل المياه إلى مكة من خارجها، ومع أن عبد المطلب
(1) جواد علي- المفصل في تاريخ العرب 6/ 10- 25، أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 1/ 77- 88.
(2)
القرآن الكريم، سورة قريش، الآية/ 1- 2.
لم يكن أغنى رجال مكة ولا هو زعيمها الوحيد، غير أن صلته المباشرة بشئون البيت العتيق، وقيامه بخدمة حجاج البيت جعلته من أبرز زعماء مكة، فكان هو الذي فاوض أبرهة حين قدم بالأحباش غازيا لمكة بقصد هدم الكعبة: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ «1» .
ومع ظهور الإسلام، وبدء نزول الوحي، وقبيل اشتداد مقاومة قريش للدعوة الإسلامية، تولى أبو طالب بن عبد المطلب الرفادة والسقاية بعد وفاة والده، ولم يكن موسرا لينفق من ماله، فاضطر إلى الاقتراض من أخيه العباس ابن عبد المطلب مبلغا كبيرا من المال أنفقه على الحجيج، ولما عجز عن إيفاء القرض تنازل عن السقاية والرفادة إلى أخيه العباس مقابل ذلك.
نتبيّن مما تقدّم بأن عشيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت تتبوأ مكانة متميّزة في مكة عند ظهور الإسلام، رغم أنهم لم يكونوا من أهل الثراء الواسع، ولعلهم كانوا وسطا في ذلك، ودون أوساط تجار مكة الآخرين. في حين كان الثراء قبيل الإسلام في بني عبد شمس وبني نوفل وبني مخزوم، وقد نازعتهم العشائر القرشية الأخرى السيادة على مكة، وكان هذا النزاع قد بدأ بين أبناء قصي وأدى إلى انقسامهم إلى محورين هما:«المطيّبون» : وهم بنو عبد مناف ومن حالفهم من بني أسد بن عبد العزى وبني زهرة وبني تيم وبني الحارث بن فهر. أما المحور الثاني فهم «الأحلاف» وهو تجمّع يضم بني عبد الدار ومن حالفهم من بني سهم وجمح ومخزوم وعدي. وحصلت منافرات ومنازعات بين زعماء الأسر الكبيرة أحيانا، مثال ذلك ما حصل بين أميّة بن عبد شمس وعمه عبد المطلب بن هاشم.
لقد بيّن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن العرب المشركين في جاهليتهم كانوا يعبدون آلهة مزعومة لتقربهم من الله وتشفع لهم عنده، قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «2» .
ولقد اتصلت فيهم هذه الوثنية مع شعائرها وعاداتها واعتقاداتها فترة طويلة، وهم يتشفعون بالأصنام والأوثان: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى «3» .
ولقد ترسخت لديهم الوثنية بمرور الزمان لما كانوا عليه من إجلال أسلافهم وتعظيمهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ «4» .
وهكذا فقد أعماهم التقليد عن نقد تراثهم العقدي وتحكيم العقل، واستتبع الانحراف في العقيدة انحرافا في العبادة والسلوك والشعائر والشرائع. وهكذا جرى تحريف الحنيفية الإبراهيمية، فدخلت الوثنية مناسك الحج، ووضعوا الأصنام حول الكعبة، وجرى الطواف بها مع التعري من الثياب أحيانا «الحمس» . وأصبحت قريش في
(1) القرآن الكريم، سورة الفيل، الآية/ 1.
(2)
القرآن الكريم، سورة يونس، الآية/ 18.
(3)
القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 19.
(4)
القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 23.
آخر المطاف لا تخرج إلى صعيد عرفات لتقف مع الناس للحج، بل تقف في مزدلفة، متميّزة عن غيرها من بقية القبائل «وكانوا لا يسلئون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة، ولا يغزلون صوفا ولا وبرا، ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر، وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم، ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، وأن يتركوا ثياب الحل ويستبدلوها بثيات الحرم إما شراء وإما عارية وإما هبة، فإن وجدوا ذلك فبها، وإلّا طافوا بالبيت عرايا، وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك. وهكذا فقد شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله مع أنهم كانوا يزعمون بأنهم إنما يسيرون وفق شريعة إبراهيم عليه السلام.
أما تصوراتهم عن الله سبحانه وتعالى فقد كان يعتورها القصور والنقص فهم ينحرفون عن الطريق القويم في جملة أمور أساسية في العقيدة، فقد اتخذوا أصناما لهم في كل بيت، يعبدونها ويتمسحون بها عند سفرهم وعند قدومهم ولذلك فإنهم عابوا التوحيد وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ «1» .
وروى الشيخان أن عمرو بن عامر الخزاعي كان أول من سيّب السوائب «2» ، وأورد ابن كثير عددا من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أن عمرو بن لحيّ كان أول من غيّر دين إبراهيم عليه السلام، فنصب الأوثان، وبحّر البحيرة، وسيّب السائبة، ووصل الوصيلة وحمى الحامي، فاتّبعته العرب فضلوا ضلالا بعيدا «3» .
وقد أنكر الله تعالى عليهم ذلك في أكثر من آية فقال عز وجل: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ «4» .
ذلك أنهم يشركون بالله فلا يوحدونه بل إنهم يلحدون في أسمائه سبحانه وصفاته «5» ، فيسمونه بأسماء لا توقيف فيها، أو بما يوهم معنى فاسدا، وينكرون بعض صفاته سبحانه، وينسبون إليه النقائص كالحاجة والولد فزعموا أن الملائكة بناته «6» ، والجن شركاؤه «7» ، وجحدوا القدر، وقالوا- كما في القرآن الكريم على ألسنتهم-:
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ «8» .
وأنكروا القيامة والبعث والنشور والدار الآخرة والحساب والجنة والنار، رغم إقرارهم بالربوبية وقسمهم
(1) القرآن الكريم- سورة ص، الآية/ 5.
(2)
البخاري- فتح 17/ 156- 158 (التهذيب 4623- 4624) ، مسلم- الصحيح 4/ 2192 (حديث 2856) .
(3)
ابن كثير- البداية 2/ 206- 207، ابن هشام- السيرة 1/ 121.
(4)
القرآن الكريم- سورة النحل، الآية 116، وانظر سور: النحل/ 56، المائدة، الآية/ 103، الأنعام، الآيات 136- 140، وقال ابن عباس- رضي الله عنهما:«إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام» ، الطبري- تفسير 12/ 155.
(5)
قال تعالى في ذلك: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ سورة الأعراف، الآية/ 180.
(6)
قال تعالى في ذلك: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ سورة النحل، الآية/ 57.
(7)
قال تعالي في ذلك: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ
…
سورة الأنعام، الآية/ 100.
(8)
القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 148.
بالله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «1» .
وأما عبادتهم الناقصة لله تعالى، وحجهم إلى بيته العتيق، وتوسيطهم الأصنام والأوثان لتقربهم إلى الله زلفى وتقديم القرابين، ونذرهم النذور، فإنه لا يعكس إلّا الرغبة في الحياة السعيدة الرغيدة في الدنيا والحصول على الأموال والثراء، وتحقيق آمال دنيوية أخرى مثل جلب المنفعة، ودفع الشر والإضرار، فهم يعبدون الأصنام لتقربهم من الله تعالى الذي يطمعون منه أن يمنحهم ما يأملون في هذه الحياة التي تنتهي عادة بالهلاك الأبدي الدائم عندهم، الذي ينسبونه إلى الدهر: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ «2» .
ويفضح القرآن الكريم إنكارهم للآخرة في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز «3» : وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «4» .
وفي قوله تعالى: وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ «5» .
وقد زادوا في شعائر الحج التي جاء بها إبراهيم- عليه السلام، ونقصوا فيها، وحرّفوها عن مقاصدها فقد كانت قريش كما أسلفنا لا تقف مع الناس في عرفات ولا تفيض معهم منها، وذلك ما وضحه حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها «6» عنهم، وفي أسباب نزول قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «7» .
وكانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحج ويرون أن ذلك من أفجر الفجور في الأرض. ولم يبق من دين إبراهيم- عليه السلام إلّا القليل، مثل تعظيم البيت العتيق والطواف به والحج والعمرة، مع ما فيهما من تحريف، والوقوف في عرفات والمزدلفة وإهداء البدن، مع أنهم أدخلوا في هذا ما ليس منه فقد كانت قريش وكنانة إذا أهلوا بالحج أو بالعمرة قالوا:«لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك» «8» . فهم يوحدونه بالتلبية، في الوقت الذي يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده. ومما زادوه في عباداتهم المكاء والتصدية في المسجد الحرام وهو التصفيق والصفير. قال تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «9» ، إضافة إلى ذبحهم على النصب تعظيما للأصنام. ويستسقون بالأنواء، ويقسمون باللّات والعزى.
أما أخلاقهم وأعرافهم وعاداتهم، فكثير منها هدمه الإسلام، ومن ذلك ممارسة الكثير من الرذائل من
(1) القرآن الكريم- سورة النحل، الآية/ 38.
(2)
القرآن الكريم- سورة الجاثية، الآية/ 24.
(3)
سورة الحج، الآية/ 5، سورة هود، الآية/ 7، سورة الإسراء، الآية/ 49، 98، سورة المؤمنون، الآية/ 37، 82، سورة الصافات، الآية/ 16، سورة الواقعة، الآية/ 47، سورة المطففين، الآية/ 4، سورة الأنعام، الآية/ 29.
(4)
القرآن الكريم- سورة هود، الآية/ 7.
(5)
القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ 29.
(6)
مسلم- الصحيح 2/ 893 (الحديث 1219) .
(7)
القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 199.
(8)
ابن هشام- السيرة 1/ 122، البزار- كشف الأستار 2/ 15، الهيثمي- مجمع الزوائد 3/ 223، ورجاله رجال الصحيح. وفي صحيح مسلم من حيث جاء الطويل.
(9)
القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ 35.
شرب للخمور، ولعب الميسر، والزواج بغير عدد، وقتل بعضهم للأولاد بسبب الفقر، ووأد البنات خوف العار والفقر، وإثارتهم الحروب لأتفه الأسباب وأخذ الثأر، وقد حكى عنهم الله تعالى كل تلك الرذائل في القرآن الكريم وعابهم عليها ومن ذلك قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ «1» .
وقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ «2» .
وقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ «3» .
وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ «4» .
وقوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» .
سادت في بعض الأوساط أنواع من الأنكحة، التي لا تختلف عن الدعارة، فقد أورد البخاري وأبو داود بسندهما رواية عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها ذكرت فيها أنواع الأنكحة الفاسدة في الجاهلية «6» . حيث إنها ذكرت تفصيلات عن «نكاح الاستبضاع» ، و «نكاح الرهط» ، و «نكاح ذوات الرايات» ، ويظهر أنهم لم يكونوا يشعرون بالعار من هذه الممارسات «7» . كما أنهم يجمعون بين الأختين، ويتزوجون بزوجات آبائهم إذا ما طلقن أو ماتوا عنهن.
ومن خصال الجاهلية تعييرهم بعضهم لبعض بفعل الأمهات والآباء، وافتخارهم بولاية المسجد الحرام «8» ، وازدراؤهم الفقراء والضعفاء «9» ، وقد شاعت فيهم العيافة والطّرق والطيرة والكهانة «10» ، وكانوا يتعوذون بالجن خوفا منهم «11» .
(1) القرآن الكريم- سورة التكوير، الآيات/ 8- 9.
(2)
القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 17.
(3)
القرآن الكريم- سورة النحل، الآيات/ 58- 59.
(4)
القرآن الكريم- سورة الاسراء، الآية/ 31.
(5)
القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 90.
(6)
البخاري- الفتح 19/ 220- 222 (حديث 5127) ، أبو داود- السنن 2/ 702- 703.
(7)
البخاري- الفتح 9/ 138 (حديث 2053) ، مسلم- الصحيح 2/ 1080 (حديث 1757) .
(8)
قال تعالى في ذلك: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ سورة المؤمنون، الآية/ 67.
(9)
قال تعالى في ذلك: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، القرآن الكريم- سورة الزخرف، الآية/ 31.
(10)
العمري- السيرة النبوية الصحيحة 1/ 86. والطّرق: الضرب بالحصا الذي يفعله النساء، وقيل هو الخط في الرمل.
(11)
قال تعالى في ذلك: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً سورة الجن، الآية/ 6، البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 156) ، مسلم- الصحيح 2/ 644، حديث رقم 934.