الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو كنت من شيء سوى بشر
…
كنت المضيء لليلة البدر «1»
فيقول عمر- رضي الله عنه ومن سمع ذلك: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك ولم يكن كذلك غيره. وكذلك قالت عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، بعد ما سار من مكّة مهاجرا فجزعت عليه بنو هاشم فانبعثت تقول:
عينيّ جودا بالدّموع السّواجم «2»
…
على المرتضى كالبدر من آل هاشم
على المرتضى للبرّ والعدل والتّقى
…
وللدّين والدّنيا بهيم «3» المعالم
على الصّادق الميمون ذي الحلم والنّهى
…
وذي الفضل والدّاعي لخير التّراحم
فشبّهته بالبدر ونعتته بهذا النّعت وإنّها لعلى دين قومها.
فهذه نماذج- وهي قلّ من كثر- لما وصفه به الواصفون، ممّا يدلّ على جماله وبهائه وملاحته صلى الله عليه وسلم.
صفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
وردت أحاديث جامعة شاملة تضمّنت صفات خلقيّة عديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما وردت أحاديث أخرى تقتصر على صفة معيّنة أو أكثر ولكنّها لا تصل إلى درجة الشّمول والجمع.
وصف جامع:
وردت بعض الأحاديث والآثار الّتي تتضمّن وصفا شاملا للرّسول صلى الله عليه وسلم نذكر منها مايلي:
1-
حديث أمّ معبد: عن حبيش بن خالد «4» رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخرج من مكّة مهاجرا إلى المدينة، هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهما اللّيثي: عبد الله بن أريقط- رضي الله عنهم مرّوا على خيمتي أمّ معبد الخزاعيّة- وكانت برزة «5» جلدة تحتبي بفناء القبّة، ثمّ تسقي وتطعم فسألوها لحما، وتمرا،
(1) ديوان زهير بن أبي سلمى (ص 95) .
(2)
السواجم: انسجم الدمع: أي انصب وسال. انظر لسان العرب (12/ 280- 281) .
(3)
بهيم المعالم: أي ليس فيه شيء من الأمراض والعاهات مثل العمى والعور والعرج وغير ذلك من صنوف العاهات. انظر لسان العرب (12/ 59) .
(4)
هو أخو أم معبد واسمها عاتكة بنت خالد.
(5)
برزة: قال ابن الأثير: يقال امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب وهي مع ذلك عفيقة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم من البروز وهو الظهور والخروج. النهاية (1/ 117) .
ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين «1» مسنتين «2» . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة «3» ، فقال:«ما هذه الشّاة يا أمّ معبد؟» ، قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم. قال: «أبها من لبن؟» ، قالت: هي والله أجهد من ذلك. قال: «أتأذنين لي أن أحلبها؟» . قالت: بأبي وأمّي! إن رأيت بها حلبا فاحلبها.
فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمّى الله تعالى، ودعا لها في شاتها، فتفاجّت «4» عليه ودرّت واجترّت. ودعا بإناء يربض «5» الرّهط، فحلب فيه ثجّا «6» حتّى علاه البهاء»
، ثمّ سقاها حتّى رويت، وسقى أصحابه حتّى رووا، ثمّ شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرهم، ثمّ أراضوا «8» عللا بعد نهل «9» ، ثمّ حلب فيه ثانيا بعد بدء حتّى ملأ الإناء، ثمّ غادره عندها، ثمّ بايعها، وارتحلوا عنها.
فقلّما لبثت حتّى جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن «10» هزلا ضحا «11» مخّهنّ قليل.
فلمّا رأى أبو معبد اللّبن عجب وقال: من أين لك هذا اللّبن يا أمّ معبد، والشّاء عازب حيال «12» ، ولا حلوب في البيت؟. فقالت: لا والله إلّا أنّه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أمّ معبد.
(1) مرملين: أي نفذ زادهم. النهاية (2/ 265) .
(2)
مسنتين: أي مجدبين، أصابتهم السّنة وهي القحط والجدب. النهاية (2/ 407) .
(3)
كسر الخيمة: أي جانبها وتفتح الكاف وتكسر. النهاية (4/ 172) .
(4)
فتفاجت عليه: أي فتحت ما بين رجليها للحلب، والتفاج المبالغة في تفريج ما بين الرجلين. النهاية (3/ 412) .
(5)
يربض الرهط: أي يرويهم، يثقلهم حتى يناموا ويمتدوا على الأرض. والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة. البداية والنهاية (2/ 184، 283) .
(6)
ثجا: أي لبنا سائلا كثيرا. النهاية (1/ 207) .
(7)
حتى علاه البهاء: قال ابن قتيبة: يريد علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيص رغوته يريد أنه ملأها. دلائل النبوة (1/ 282) .
(8)
ثم أراضوا: قال ابن قتيبة: يريد أنهم شربوا حتى رووا فنقعوا بالري. دلائل النبوة (1/ 282) .
(9)
عللا بعد نهل: المعنى ارتووا من الشرب مرة بعد مرة، فالنهل الشرب الأول، والعلل الشرب الثاني. منال الطالب ص 180.
(10)
يتساوكن هزلا: يقال تساوكت الإبل إذا اضطربت أعناقها من الهزال. أراد أنها تتمايل من ضعفها. النهاية (2/ 425) . ويروى تشاركن هزلا أي عمهن الهزال، منال الطالب (181) .
(11)
ضحا. قال ابن الأثير: وقوع هذه الكلمة بين صفات الغنم بعيد، وكان يغلب على الظن أنها تصحيف ومن الرواة من أسقطها من الحديث، ثم وجدت الحافظ أبا أحمد العسال قد روى «يتتاركن هزلا مخاخهن قليل» ولا أظن الصحيح إلا كما رواه، والمخاخ جمع مخ فيكون قد تصحف «مخا» ب «ضحا» ويدل عليه أنه في أكثر النسخ مكتوب بالألف، وقد وصف المخاخ وهو جمع ب «قليل» وهو مفرد لأنه أراد أنها شيء قليل، ومما يبطل «ضحا» أنهم كانوا عندها في القائلة لا في وقت الضحى. انظر منال الطالب ص 182.
(12)
عازب حيال: أي بعيدة المرعى لا تأوى إلى المنزل في الليل. و (الحيال) : جمع حائل وهي التي لم تحمل. النهاية (3/ 227) .
قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة «1» ، أبلج «2» الوجه، حسن الخلق، لم تعبه نحلة «3» ، ولم تزر به، صعلة «4» ، وسيم «5» قسيم «6» ، في عينه دعج «7» ، وفي أشفاره غطف «8» ، وفي صوته صهل «9» ، وفي عنقه سطع «10» ، وفي لحيته كثاثة «11» أزجّ «12» أقرن «13» إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء، أجمل النّاس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب. حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هزر «14» ، كأنّ منطقه خرزات نظم ينحدرن. ربعة لا يأس «15» من طول، ولا تقتحمه «16» عين من قصر، غصن بين
(1) ظاهر الوضاءة: ظاهر الحسن والجمال والنظافة. لسان العرب (1/ 195) .
(2)
أبلج الوجه: الأبلج: الأبيض الحسن الواسع الوجه. والمعنى: مشرق الوجه مضيئه. والبلج أيضا تباعد ما بين الحاجبين أي عدم التقائهما. ولم ترد أم معبد بلج الحاجب لأنها وصفته بالقرن والقرن هو التقاء الحاجبين. وقد صرح في غير حديث أم معبد بالبلج وهو عدم التقاء الحاجبين. والجمع بين وصفه بالبلج والقرن: هو أنه صلى الله عليه وسلم من شدة إضاءة وجهه لا يظهر الالتقاء الذي بين حاجبيه لخفته. النهاية (1/ 151، 4/ 54) ، لسان العرب (2/ 215) .
(3)
لم تعبه نحلة: أي دقة وهزال. النهاية (5/ 29) .
(4)
صعلة: هي صغر الرأس، وهي أيضا الدقة والنحول في البدن. البداية والنهاية (3/ 32) . ويروى صقلة وهي ضمور الخصر وقلة لحمه.
(5)
وسيم: الوسيم: الثابت الحسن. وفلان وسيم أي: حسن الوجه وسيما. انظر لسان العرب (12/ 637) .
(6)
قسيم: القسامة: الجمال والحسن، ورجل مقسم الوجه: أي جميل كله. انظر لسان العرب (12/ 482) .
(7)
في عينه دعج: الدعج والدعجة: السواد في العين وغيرها. والمراد أن سواد عينيه كان شديد السواد وقيل: الدعج: شدة سواد العين في شدة بياضها. النهاية (2/ 119) . لسان العرب (2/ 271) .
(8)
وفي أشفاره غطف: الأشفار جمع شفر بالضم، وقد يفتح وهو العين الذي ينبت عليه الشعر. والغطف: هو أن يطول شعر الأجفان ثم ينعطف. النهاية (2/ 484، 3/ 373)) .
(9)
صهل: الصهل: حدة الصوت مع بَحَحٍ. النهاية (3/ 337) ، ولسان العرب (11/ 387) ، ويروى صحل وهو صوت فيه بحة وغلظ.
(10)
في عنقه سطع: أي ارتفاع وطول. النهاية (2/ 365) .
(11)
وفي لحيته كثاثة: قال ابن منظور: في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان كث اللحية. أراد كثرة أصولها وشعرها، وأنها ليست بدقيقة، ولا طويلة، وفيها كثافة. لسان العرب (2/ 179) ، النهاية (4/ 152) .
(12)
أزج: الزجج: تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. قاله ابن الأثير في النهاية (2/ 296) . وقال ابن منظور: الزجج: رقة محط الحاجبين ودقتهما وطولهما وسبوغهما واستقواسهما. وقيل: الزجج: دقة في الحاجبين وطول. انظر لسان العرب (2/ 287) .
(13)
أقرن: القرن: بالتحريك: اقتران الحاجبين بحيث يلتقي طرفاهما. النهاية (4/ 54) .
(14)
لا نزر ولا هزر: النزر: القليل. أي ليس بقليل فيدل على عي، ولا كثير فاسد. (النهاية (5/ 40) ، وفي رواية ولا هذر، والهذر الكلام الكثير غير المفيد.
(15)
لا يأس من طول: أي ليس بالطويل الذي يؤيس مباريه عن مطاولته. (دلائل النبوة 1/ 284) نقلا عن ابن قتيبة، والنهاية (5/ 291) .
(16)
ولا تقتحمه عين من قصر: أي لا تتجاوزه إلى غيره احتقارا له. وكل شيء ازدريته فقد اقتحمته. النهاية (4/ 19) .
غصنين فهو أنضر الثّلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود «1» محشود «2» ، لا عابس «3» ولا مفنّد «4» صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الّذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكّة، ولقد هممت أن أصحبه.
ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا «5» .
2-
حديث هند بن أبي هالة التّميميّ في صفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما:
سألت خالي هند بن أبي هالة التّميميّ عن حلية النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان وصّافا له، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا لعلّي أتعلّق به فقال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخّما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع «6» ، وأقصر من المشذّب «7» عظيم الهامة «8» ، رجل الشّعر «9» ، إن انفرقت عقيصته فرق وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا وفّره «10» ، أزهر
(1) محفود: المحفود الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته. النهاية (1/ 406) .
(2)
محشود: أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه. النهاية (1/ 388) .
(3)
لا عابس: العابس: الكريه الملقى الجهم المحيا. النهاية (3/ 171) .
(4)
ولا مفند: المفند هو الذي لا فائدة في كلامه لكبر أصابه. النهاية (3/ 475) .
(5)
حديث أم معبد رواه ابن إسحاق في السيرة. انظر سيرة ابن هشام (2/ 129) . وابن سعد في الطبقات (1/ 230) . والحاكم في المستدرك (3/ 9- 11)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة (283- 287) . والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 276- 280) . ورواه كذلك الطبراني وابن عساكر في تاريخ دمشق. انظر تهذيب تاريخ دمشق (1/ 326) . وابن عبد البر في كتابه الاستيعاب. انظر هامش الإصابة (4/ 495) . قال الحافظ ابن كثير: وقصتها (أم معبد) مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا. انظر النهاية (3/ 188) . وقال الحافظ ابن حجر: أم معبد: الخزاعية التي نزل عليها النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر، مشهورة بكنيتها واسمها عاتكة بنت خالد. انظر الإصابة (4/ 497) . قال محققا كتاب زاد المعاد عبد القادر وشعيب الأرناؤوط: حديث حسن. انظر حاشية زاد المعاد (3/ 57) .
(6)
المربوع: المعتدل القامة، وسطا بين الطويل والقصير.
(7)
المشذب: الطويل البائن الطول، مع نقص في لحمه، والمراد أنه ليس بنحيف طويل، بل طوله وعرضه متناسبان على أتم صفة.
(8)
الهامة: الرأس، وعظم الرأس دليل على وفور العقل.
(9)
الشعر الرجل: الذي ليس شديد الجعودة، ولا شديد السبوطة بل بينهما.
(10)
العقيصة: الشعر المجموع كهيئة المضفور، من العقص: العطف واللى وقيل: هي الخصلة من الشعر اذا عقصت. والانفراق: الفصل بين الشيئين، أي كان لا يفرق شعره إلا أن ينفرق هو لنفسه، ووفّره: إذا أعفاه عن الفرق، يعني أن شعره إذا فرقه تجاوز شحمة أذنيه، وإذا ترك فرقه لم يجاوزها.
اللّون»
واسع الجبينين «2» أزجّ الحواجب «3» سوابغ في غير قرن «4» بينهما عرق يدرّه الغضب «5» أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشمّ «6» كثّ اللّحية «7» سهل الخدّين «8» ضليع الفم «9» ، أشنب «10» ، مفلّج الأسنان «11» دقيق المسربة «12» كأنّ عنقه جيد دمية «13» في صفاء الفضّة، معتدل الخلق «14» ، بادنا متماسكا «15» ، سواء البطن والصّدر، عريض الصّدر «16» ، بعيد ما بين المنكبين «17» ضخم الكراديس «18» ، أنور المتجرّد «19» موصول ما بين اللّبّة والسّرّة- بشعر يجري كالخطّ «20» ، عاري الثّديين والبطن ممّا سوى ذلك «21» أشعر الذّراعين والمنكبين وأعالي الصّدر، طويل
(1) اللون الأزهر: الأبيض المضيء المستنير.
(2)
الجبينان: ما عن جانبي الجبهة من مقدم الرأس.
(3)
الزجج: دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس خلقة، وقد تفعله النساء تكلفا، وقد نهى عنه.
(4)
القرن: أن يلتقي طرفاهما مما يلي أعلى الأنف، وهو غير محمود عند العرب، والمراد أن حاجبيه قد سبغا وامتدا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا. والسوابغ جمع سابغ: وهو التام الطويل.
(5)
يدره الغضب: يحركه ويظهره، كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما.
(6)
العرنين: الأنف، والقنا: طول الأنف ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسط قصبته، والشمم: ارتفاع رأس الأنف وإشراف الأرنبة قليلا، واستواء أعلى القصبة، والمراد أنه كان يحسب لحسن قناه قبل التأمل أشم، فليس قناه بفاحش مفرط، بل يميل يسيرا إلى الشمم.
(7)
الشعر الكث: الكثيف المتراكب من غير طول ولارقة.
(8)
سهل الخدين: أي ليس في خديه نتوّ وارتفاع، وقيل أراد أن خديه أسيلان، قليلا اللحم، رقيقا الجلد.
(9)
الضليع الفم: العظيم الواسع.
(10)
الشنب: رقة الأسنان ودقتها، وتحدد أطرافها.
(11)
الفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات.
(12)
المسربة بضم الراء: ما دق من شعر الصدر، سائلا إلى السرة.
(13)
الجيد: العنق، وإنما ذكرهما لئلا يتكرر لفظ واحد، والدمية: الصورة المصورة في جدار أو غيره.
(14)
اعتدال الخلق: تناسب الأعضاء والأطراف، وألا تكون متباينة مختلفة في الدقة والغلظ، والصغر والكبر، والطول والقصر.
(15)
البادن: الضخم التام اللحم، والمتماسك: الذي لحمه ليس بمسترخ ولا متهدل.
(16)
سواء البطن والصدر: أي متساويهما، يعني أن بطنه غير خارج فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه.
(17)
المنكبان: أعلى الكتفين، وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر والظهر.
(18)
الكراديس: جمع كردوس وهو رأس كل عظم كبير، وملتقى كل عظمين ضخمين، كالمنكبين والمرفقين، والوركين والركبتين، ويريد به ضخامة الأعضاء وغلظها.
(19)
المتجرد والمجرد: ما كشف عنه الثوب من البدن، يعني أنه كان مشرق الجسد نير اللون.
(20)
الأشعر: الذي عليه الشعر من البدن، واللّبة: الوهدة التي في أعلى الصدر، وفي أسفل الحلق بين الترقوتين.
(21)
عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك: أي أن ثدييه وبطنه ليس عليها شعر سوى المسربة.
الزّندين «1» ، رحب الرّاحة «2» ، سبط القصب، شثن الكفّين والقدمين «3» ، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين «4» مسيح القدمين ينبو عنهما الماء «5» إذا زال زال قلعا «6» يخطو تكفّؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية «7» إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب «8» ، وإذا التفت التفت جميعا «9» خافض الطّرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء، جلّ نظره الملاحظة «10» يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسّلام «11» قلت: صف لي منطقه.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكر، ليست له راحة، طويل السّكت لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصلا لا فضول ولا تقصير1»
، دمثا ليس
(1) الزندان: العظمان اللذان يليان الكف من الذراع، رأس أحدهما يلي الإبهام، ورأس الآخر يلي الخنصر.
(2)
الراحة: الكف، ورحبها: سعتها وهو دليل الجود، كما أن ضيقها وصغرها دليل البخل.
(3)
الشثن: الغليظ الأطراف والأصابع وكونها سائلة، أي ليست بمنعقدة ولا متجعدة، فهي مع غلظها سهلة سبطة، والقصب: جمع القصبة وهي كل عظم أجوف فيه مخ، والسبط: الممتد في استواء، ليس فيه تعقد ولا نتوء، ويوصف به الشعر والأعضاء والجلد.
(4)
الأخمص من القدم الموضع الذي لا يصل إلى الأرض منها عند الوطء، والخمصان المبالغ منه، أي أن ذلك الموضع من رجله شديد التجافي عن الأرض.
(5)
مسيح القدمين: أي أن ظاهرهما ممسوح غير منعقد، فإذا صب عليهما الماء مر سريعا لملاستهما فينبو عنهما الماء ولا يقف.
(6)
قلعا، ويروى قلعا، ويروى قلعا: والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض، أراد أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة، وقد جاءت صفته في حديث آخر «إذا مشى تقلع» أراد به قوة مشيه، وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويّا، لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطوه فإن ذلك من مشي النساء ويوصفن به.
(7)
التكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام، والأصل في التكفؤ إذا كان مهموزا أن يكون بضم الفاء وإذا كان معتلا (أي بتسهيل الهمزة) فيكون بكسرها. أفاده ابن الأثير في منال الطالب، والهون: المشي في رفق ولين غير مختال ولا معجب، والذريع: السريع أي أنه كان واسع الخطو فيسرع مشيه.
(8)
الصبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل على سرعة مشيه لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.
(9)
وإذا التفت التفت جميعا: أي لم يكن يلوي عنقه ورأسه إذا أراد أن يلتفت إلى ورائه، فعل الطائش العجل، إنما يدير بدنه كله وينظر، وقيل أراد أنه كان لا يسارق النظر.
(10)
الطرف: العين، خفض الطرف: ضد رفعه، وهو الغض منه والإطراق، جل الشيء: معظمه وأكثره، الملاحظة: أن ينظر الرجل بلحظ عينه وهو شقها الذي يلي الصدغ والأذن، ولا يحدق إلى الشيء تحديقا، و «نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء» ، تفسير لخفض الطرف والملاحظة.
(11)
يسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، ويمشي وراءهم.
(12)
تواصل أحزانه، ودوام فكره، وعدم راحته: لاهتمامه بأمر الدين والقيام بما بعث به وكلف تبليغه وخوفه من أمور الآخرة. والسكت: السكوت، والأشداق: جمع شدق وهو جانب الفم وإنما يتكلم الرجل بأشداقه لرحبها وسعتها، والعرب تمتدح بذلك. وجوامع الكلم: هي القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني، والقول الفصل: هو البين الظاهر المحكم الذي لا يعاب قائله، والفضول من الكلام: ما زاد عن الحاجة وفضل.
بالجافي ولا المهين «1» ، يعظّم النّعمة وإن دقّت ولا يذمّ منها شيئا، غير أنّه لم يكن يذمّ ذواقا ولا يمدحه «2» ، ولا تغضبه الدّنيا ولا ما كان منها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له «3» ، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار، أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى «4» ، فإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه «5» ، جلّ ضحكه التّبسّم ويفترّ عن مثل حبّ الغمام «6» .
قال الحسن: فكتمتها الحسن زمانا، ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عمّا سألته ووجدته قد سأل أباه- يعني عليّا كرّم الله وجهه- عن مدخله ومخرجه وشكله «7» فلم يدع منها شيئا، فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله عز وجل، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين النّاس، فيردّ ذلك على العامّة بالخاصّة، ولا يدّخر عنهم شيئا «8» .
وذكر دخول أصحابه عليه فقال: يدخلون روّادا ولا يفترقون إلّا عن ذواق، ويخرجون أدلّة «9» ، وذكر مجلسه فقال: مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تثنى فلتاته «10» ، إذا
(1) الدمث: السهل اللين الخلق، والجافي: المعرض المتباعد عن الناس، والمهين: بضم الميم من الإهانة وهي الإذلال والاطراح، أي لا يهين أحدا من أصحابه أو من الناس، وبفتح الميم من المهانة وهي الحقارة والصغر.
(2)
يعظم النعمة: لا يستصغر شيئا أوتيه وإن كان صغيرا، دق الشيء: إذا صغر مقداره، والذواق: اسم ما يذاق باللسان أي لا يصف الطعام بطيب ولا بشاعة.
(3)
«إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد» أي إذا نيل من الحق أو أهمل أو تعرض للقدح فيه تنكر عليهم وخالف عادته معهم حتى لا يكاد يعرفه أحد منهم، ولا يثبت لغضبه شيء حتى ينتصر للحق، والتعاطي: الأخذ والتناول.
(4)
وإذا تحدث اتصل بها: أي أنه كان يشير بكفه إلى حديثه، وجمله فيضرب بباطن راحته.. إلخ تفسير لها.
(5)
أشاح: بالغ في الإعراض وجدّ فيه، أي: إذا غضب لم يكن ينتقم ويؤاخذ، بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه، وغض الطرف عند الفرح: دليل على نفي البطر والأشر.
(6)
التبسم: أقل الضحك وأدناه، يفتر: أي يكشف عند التبسم عن أسنانه، من غير قهقهة، والغمام: السحاب، وحبه: البرد.
(7)
الشكل هنا: السيرة والطريقة.
(8)
أوى: رجع، التجزئة: القسمة، والجزء المختص بالله تعالى: هو اشتغاله بعبادته ومناجاته في ليله ونهاره، والجزء المختص بأهله: هو الوقت الذي يصحبهم ويعاشرهم فيه، الجزء المختص بنفسه، هو الذي لا يتعبد فيه ولا يعاشر أهله فقسمه بقسمين بينه وبين الناس «فيرد ذلك على العامة بالخاصة» أراد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت فكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه، فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة، وقيل إن الباء في «الخاصة» بمعنى من أي يجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة وبدلا منهم.
(9)
الرواد جمع رائد: وهو الذي يتقدم القوم يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم، ويخرجون أدلة جمع دليل: أي يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه، يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء، ويروى أدلة جمع دليل: يريد يخرجون من عنده متواضعين متعظين بما سمعوا، «ولا يفترقون إلا عند ذواق» ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يتفرقون إلا عن علم يتعلمونه، يقوم لهم مقام الطعام والشراب، لأنه يحفظ الأرواح كما يحفظان الأجسام.
(10)
لا تؤبن: لا تقذف ولا ترمي بعيب، والحرم جمع حرمة وهي المرأة وما يلزم الإنسان حفظه وصونه. لا تثنى فلتاته: أي لا يتحدّث عن مجلسه بهفوة أو زلة إن حدثت فيه من بعض القوم، الفلتات جمع فلتة: وهي هنا الزلة والسقطة، وقيل معناه: أنه لم تكن فيه فلتات فتثنى أي تذاع.
تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رءوسهم الطّير، فإذا سكت تكلّموا، كان دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا فحّاش ولا غيّاب ولا مدّاح ولا يقبل الثّناء إلّا من مكافيء «1» .
3-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كأنّ الشّمس تجري في جبهته «2» . وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّما الأرض تطوى «3» له، إنّا لنجهد أنفسنا «4» وإنّه لغير مكترث «5» » «6» .
4-
وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان «7» وعليه حلّة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر «8» .
5-
وعن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر، قال: قلت للرّبيّع بنت معوّذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت
(1) الإطراق: خفض الرأس وإدامة النظر إلى الأرض بين يديه كأنما على رءوسهم الطير: أراد وصفهم بالسكون والثبات في المجلس لأن الطير لا تسقط إلا على ساكن، والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته، والفظ: السيء الخلق، والسخاب: من السخب وهو الضجة واضطراب الأصوات، والفحاش والعياب: مبالغة من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة فيهم. لا يقبل الثناء إلا من مكافيء: أراد أنه كان إذا ابتديء بثناء ومدح كره ذلك، وإذا اصطنع معروفا فأثنى عليه مثن وشكر له قبل ثناءه، وقيل: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه، ولا يكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وقيل: إنه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه الله إليه، والمكافأة: المجازاة على الشيء، والتكافؤ: التساوي. (الحديث وشرحه في منال الطالب لابن الأثير تحقيق د. محمود الطناحي: ص 197- ص 217- مطبعة المدني بالقاهرة نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة 1979) .
(2)
وفي رواية البيهقي في دلائل النبوة: «كأن الشمس تجري في وجهه» . قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم، وفيه عكس التشبيه للمبالغة، قال: ويحتمل أن يكون من باب تناهى التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس. انظر فتح الباري (6/ 662) .
(3)
تطوى له الأرض: أي تقطع مسافتها بسهولة ويسر وسرعة. انظر البداية والنهاية لابن الأثير (3/ 146) بتصرف.
(4)
إنا لنجهد أنفسنا: أي نحمل عليها في السير، يقال جهد الرجل في الشيء: أي جد فيه وبالغ. انظر البداية والنهاية لابن الأثير (1/ 319) .
(5)
وإنه لغير مكترث: أي غير مبال.
(6)
رواه الترمذي برقم (3648) ، والإمام أحمد في المسند (2/ 350، 380) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح. انظر ترتيب المسند (16/ 248) برقم (8588) ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 290) .
(7)
إضحيان: قال ابن الأثير: يقال: ليلة إضحيان، وإضحيانة، أي مضيئة مقمرة، النهاية 3/ 78.
(8)
رواه الترمذي برقم (2811) وقال: حديث حسن غريب، ورواه الدارمي (1/ 33) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 186) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. رواه البيهقي في دلائل النبوة (1/ 196) بهذا اللفظ وفي آخره: «
…
فلهو كان في عيني أحسن من القمر» ، وفي لفظ آخر عن جابر بن سمرة «
…
فجعلت أماثل بينه وبين القمر» . وأيضا صححه الألباني. انظر مختصر شمائل الترمذي له: ص (27) .