الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاهتمامات المبكرة:
ظهرت الاهتمامات المبكرة بالفكر الأخلاقي منذ عهد الصحابة- رضوان الله عليهم- والتابعين- رحمهم الله تعالى- في شكل وصايا ونصائح، أو في شكل تفسير الآيات المتعلقة بالأخلاق في القرآن الكريم.
وفي القرن الثاني الهجري بدأت الأعمال العلمية المنظمة في مجال العلوم الفقهية التي تضمنت إشارات واضحة إلى المجال الأخلاقي، وقد تمثلت هذه الجهود في أعمال المجتهدين الكبار من أمثال الإمام أبي حنيفة النعمان (ت 150 هـ) ، والإمام مالك بن أنس (ت 179) ، والإمام الشافعي (ت 204 هـ) ، والإمام أحمد بن حنبل (ت 241) ، وقد كان هؤلاء بذواتهم قدوة، وكان ما توصلوا إليه من أحكام شكلا من أشكال الحكم الخلقي الذي ينظم حياة الناس طبقا لاجتهادات شرعية على كافة مستويات الحياة من فردية وأسرية واجتماعية، وقد كانت اجتهادات هؤلاء الأئمة مصابيح أضاءت الطريق في المجتمع الإسلامي في إطار معياري أخلاقي سليم «1» .
وفي القرن الثالث الهجري ظهرت بواكير الأعمال العلمية التي خصصها مؤلفوها للحديث عن موضوعات أخلاقية، وهنا يبرز «الجاحظ» كرائد من رواد التأليف في هذا المجال، ومن مؤلفاته البارزة «تهذيب الأخلاق» .. ورسالة في كتمان السر وحفظ اللسان، ورسالة في النبل والتنبل وذم الكبر، ورسالة في المودة والخلطة وأخرى في الجد والهزل «2» ، هذا بالإضافة إلى ما تضمنته كتاباته الأخرى مثل «البيان والتبيين» و «البخلاء» و «الحيوان» إذ تضمنت العديد من الوصايا الخلقية التي برزت في شكل أدبي جذاب.
وفي نفس الفترة (تقريبا) ظهرت الموسوعات الأدبية والتاريخية التي ضمنها مؤلفوها أبوابا في الأخلاق، من ذلك ما كتبه ابن قتيبة (ت 276 هـ) عن الطبائع والأخلاق في موسوعة «عيون الأخبار» ، وقد تتابع تأليف هذه الموسوعات في القرون التالية «3» .
مدرسة النظر العقلي:
لقد بدأ بزوغ هذه المدرسة في الفكر الفلسفي عامة والأخلاقي خاصة منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وقد كانت إسهامات هؤلاء ذات قيمة عالية في المجال الأخلاقي وكان دورهم واضحا في أمرين:
(1) انظر في ذلك على سبيل المثال: ناجي الصاعدي، المضامين التربوية لفكر الإمام أبي حنيفة (رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1408 هـ) ص 166 وما بعدها. وانظر أيضا: فاطمة محمد السيد علي، الفكر التربوي عند الإمام الشافعي (رسالة ماجستير، كلية التربية بالمنوفية 1401 هـ) ص 151- 161.
(2)
انظر رسائل الجاحظ التي حققها ونشرها عبد السلام هارون، القاهرة، د. ت.
(3)
انظر على سبيل المثال: العقد الفريد لابن عبدربه (ت: 328 هـ)، ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني (ت: 502 هـ) ، وربيع الأبرار للزمخشري (ت: 538 هـ) .
الأول: أنهم استوعبوا الثقافة اليونانية وعدلوا فيها وأضافوا إليها كثيرا من الفكر الأخلاقي عند المسلمين.
الآخر: أنهم حفظوا هذه الثقافة من الضياع ثم أعطوها للعالم مرة أخرى بعد تجريدها من النزعات الوثنية اليونانية، ويذكر في هذا الإطار:
- يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 260 هـ) ، وله في الأخلاق «القول في النفس» .
- أبو بكر الرازي (ت 313 هـ) وله في المجال الأخلاقي كتاب «الفقراء والمساكين» .
- الحكيم الترمذي (ت 320 هـ) وكان عالما بالحديث وأصول الفقه، ومن مؤلفاته في الأخلاق «كتاب الذوق» ويتضمن الفرق بين المداراة والمداهنة، والمحاجة والمجادلة والانتصار والانتقام، وله أيضا «الرياضة وأدب النفس» وكتاب المناهي، وغيرها.
- أبو نصر الفارابي (ت 339 هـ)(محمد بن أحمد) ويعرف بالمعلم الثاني، ومن مؤلفاته في الأخلاق «آراء أهل المدينة الفاضلة» ، «الآداب الملوكية» .
- ابن مسكويه (ت 421 هـ) ، ومن أشهر مؤلفاته في الأخلاق، كتاب «تهذيب الأخلاق» في التربية.
- ابن سينا (ت 428 هـ)، قال عنه الإمام ابن تيمية: تكلم في أشياء من الإلهيات والنبوات والميعاد والشرائع لم يتكلم بها سلفه ولا وصلت إليها عقولهم، ولا بلغتها علومهم، وأنه استفادها من المسلمين «1» ، ومن مصنفاته في الأخلاق «رسالة في الحكمة» ، «كتاب الطير» في الفلسفة، «أسرار الصلاة» ، «الانصاف» في الحكمة «2» .
- ابن باجة الأندلسي (ت 533 هـ) المعروف بابن الصائغ، وقد شرح كتب أرسطو، وله كتب عديدة منها:
«اتصال العقل» ، «كتاب النفس» .
- ابن الطفيل (محمد بن عبد الملك) ، وهو صاحب قصة «حي بن يقظان» وله في المجال الأخلاقي رسالة «في النفس» .
- ابن رشد (ت 595 هـ) ومن كتبه في الأخلاق: «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال» ، وقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية والعبرية والإسبانية «3» .
إن هؤلاء جميعا وإن تأثروا بالفلسفة اليونانية، إلّا أنهم لم يقتصروا عليها، وإنما أضافوا إليها ونقوها من شوائبها، ثم أخذها عنهم الأوروبيون منذ مستهل عصر نهضتهم.
(1) انظر كلام ابن تيمية في كتاب «الأعلام» لخير الدين الزكلي، ج 2 ص 241.
(2)
المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3)
راجع في جهود هؤلاء ومصنفاتهم، كتاب «الأعلام» للزركلي، وقارن بالمراجع العديدة المذكورة فيه، وقد رتبت أسماؤهم في الأعلام ترتيبا أبجديّا.