الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«اكتب له يا أبا بكر» . فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة، ثم ألقاه إلي فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت فسكتّ فلم أذكر شيئا مما كان، ثم حكى خبر لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وإسلامه «1» .
وقد ذكر سراقة في رواية صحيحة أنه اقترب من الاثنين حتى سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات، كما ذكر أنه عرض عليهما الزاد والمتاع فلم يأخذا منه شيئا، وأن وصيته كانت: أخف عنا «2» .
وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه بخيمة أم معبد بقديد طالبين القرى، فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها، إلّا شاة هزيلة لا تدر لبنا فأخذ صلى الله عليه وسلم الشاة فمسح ضرعها بيده، ودعا الله، وحلب في إناء حتى علت الرغوة، وشرب الجميع «3» . أما الصحابي قيس بن النعمان السكوني فقد ذكر نزولهما في خيمة أبي معبد وقوله لهم: والله ما لنا شاة، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- فما تلك الشاة؟ فأتى بها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها، ثم حلب عسا فسقاه، ثم شربوا. فقال أنت الذي تزعم قريش أنك صابيء؟ قال: إنهم يقولون، قال: أشهد أن ما جئت به حق. ثم قال: أتبعك، قال: لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا. فاتّبعه بعد. ولا شك في أن هذا الخبر فيه معجزة حسيّة للرسول صلى الله عليه وسلم شاهدها أبو معبد فأسلم «4» .
وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى ظاهر المدينة ينتظرونه حتى إذا اشتد الحر عليهم عادوا إلى بيوتهم، فلما كان يوم الاثنين الثاني من ربيع الأول سنة أربع عشرة من المبعث «5» . انتظروه حتى لم يبق لهم ظل يستظلون به، فعادوا وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا بيوتهم، فبصر به يهودي فناداهم، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرّة وهم يهللون ويكبرون، وسمعت الرجّة والتكبيرة في بني عمرو بن عوف، فكبر المسلمون فرحا بقدومه وخرجوا وتلقوه وحيّوه بتحية النبوّة «6» . فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في قباء في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء «7» .
ولما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يدخل المدينة أرسل إلى زعماء بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم «8» . وقدر
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 230- 248 حديث 3906) ، ابن هشام 2/ 152- 154، مسلم- الصحيح 4/ 309- 15 (حديث 2009) ، أحمد- الفتح الرباني 20/ 284.
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 238- 239) .
(3)
طرق هذه الرواية بين ضعيفة وواهية وردت في دلائل النبوة للبيهقي 2/ 493، الطبراني- المعجم الكبير 4/ 56، ابن سعد- الطبقات 1/ 230، البخاري- التاريخ الكبير 20/ 2/ 28 وشك البخاري في انقطاع السند، وفي إسناده عبد الملك بن وهب متروك.
(4)
البزار- كشف الأستار 2/ 301، ابن حجر- الإصابة 5/ 506 بسند صحيح.
(5)
الموافق 23 ايلول (سبتمبر) 622 م.
(6)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 239، 265 الاحاديث 3906، 3925) ، ابن هشام- السيرة 2/ 156- 7، الحاكم- المستدرك 3/ 11.
(7)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 265 حديث 3925) وكان ذلك يوم الاثنين لاثنى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، الحاكم- المستدرك 3/ 8 بإسناد حسن، وصححه ابن حجر وأشار إلى طريقين آخرين له (فتح الباري 7/ 238) .
(8)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 265) .
عدد الذين استقبلوه من المسلمين الأنصار خمسمائة حيث أحاطوا بركب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه «1» . ومضى الموكب داخل المدينة والجموع تهتف: «جاء نبي الله
…
جاء نبي الله» «2» .
وقد صعد الرجال والنساء فوق البيوت وتفرق الغلمان في الطرق وهم ينادون: «يا محمد يا رسول الله يا محمد يا رسول الله» «3» .
وقال أحد شهود العيان وهو الصحابي البراء بن عازب- رضي الله عنهما: «ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم» «4» .
وتطلع زعماء الأنصار إلى استضافة الرسول صلى الله عليه وسلم «5» ، وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم بناقته حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب الأنصاري، فتساءل:«أيّ بيوت أهلنا أقرب» فقال أبو أيوب: «أنا يا نبي الله، هذه داري، وهذا بابي» فنزل صلى الله عليه وسلم في داره «6» . وكانت داره طابقين، قال أبو أيوب:«لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السّفل وأنا وأم أيوب في العلوّ، فقلت له صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله- بأبي أنت وأمي- إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلوّ وننزل نحن فنكون في السفل، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيّوب: إنّ أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت» . قال أبو أيوب: «فلقد انكسر حبّ لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء يؤذيه» «7» .
اقترعت الأنصار على سكنى إخوانهم المهاجرين وآثروهم على أنفسهم «8» فأثنى الله تعالى عليهم ثناء عظيما خلّد ذكرهم وحسّن صنيعهم أبد الدهر، فقال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَ
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 251) .
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 250) .
(3)
مسلم- الصحيح 4/ 2311، أما الروآيات التي تفيد استقباله صلى الله عليه وسلم بنشيد: طلع البدر علينا..» فلم ترد بها روآية صحيحة، انظر عن ذلك ابن حجر- فتح الباري 7/ 261، 262، ابن القيم- زاد المعاد 3/ 551، الزرقاني- شرح المواهب اللدنيّة 1/ 359، 360.
(4)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 260) .
(5)
ابن هشام- السيرة 1/ 494، موسى بن عاقبة- المغازي 1/ 183، ابن حجر- فتح الباري 3/ 245، 7/ 246، التقريب ص/ 393، ابن كثير- البدآية والنهاية 3/ 200، وانظر ابن سعد- الطبقات 236- 237، وقد ورد في المصادر المذكورة روآية عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها للأنصار:«دعوا الناقة فإنها مأمورة» وهي بدون إسناد عند ابن هشام وموسى بن عاقبة، وهي عند الحاكم وابن كثير بسند ضعيف فيه محمد بن سلمان لا يعرف حاله، وعند ابن سعد بسند الواقدي متروك، كما أوردها بسند معضل (1/ 237) .
(6)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 250، 265) .
(7)
ابن هشام- السيرة 1/ 498- 499 بإسناد صحيح، الحاكم- المستدرك 3/ 460- 461، وقال هذا إسناد صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ابن حجر- فتح الباري 7/ 252، ابن كثير- البدآية والنهاية 3/ 199، وأورد ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 237 بإسناد ضعيف روآية تشير إلى أن مقامه بدار أبي أيوب قد استمر سبعة أشهر.
(8)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 247) .