الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصادق الأمين:
ولا غرابة أن يشارك محمد صلى الله عليه وسلم قومه ذلك العمل الجليل وأن يعرف بينهم بالصادق الأمين فقد نشأ والله سبحانه وتعالى يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية وأنجاسها لما يريده له من كرامته ورسالته، فما إن أصبح رجلا حتى أضحى أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأشهرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزها وتكرما، حتى لقبه قومه بالأمين، لما جمع الله فيه من الخصال الصالحة «1» .
وظهرت أمانة محمد صلى الله عليه وسلم أبين الظهور حين اشتغل بالتجارة، فقد روي أنه شارك السائب بن أبي السائب قبل بعثته فلما كان يوم الفتح جاءه السائب فقال له:«مرحبا بأخي وشريكي كان لا يداري ولا يماري» «2» . وفي رواية أبي داود أن السائب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «بأبي أنت وأمّي كنت شريكي. فنعم الشّريك كنت لا تداري ولا تماري» «3» .
هكذا عاش محمد صلى الله عليه وسلم بين قومه قبل بعثته نزيه النفس فما حكيت عنه مغامرة لنيل جاه أو مداهنة لاصطياد ثروة بل على العكس بدأت سيرته تومض في أنحاء مكة بما امتاز به على سائر أقرانه، بل على أشراف قومه من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر صائب، ورأي راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، حتى وصلت رجولته إلى القمة، وازدانت تلك الرجولة بمحامد الأدب، والاستقامة والقنوع، وسمو روحه، وصفاء نفسه، فقد صانه الله تعالى من حب العظمة ومن التظاهر والرياء، أو طلب الرياسة عن طريق المداهنة، فإذا أضفنا إلى هذا كرهه الشديد للأصنام التي عكف عليها قومه، وازدراءه للعقائد المحرفة التي تسود عالمه، وإدراكه أن الحق شيء آخر وراء هذه الخرافات والأوهام السائدة.. تبينا السر في استئناسه للجبال والفضاء، واستراحته إلى رعي الغنم في هذه الأنحاء القصية، مكتفيا بالقليل الذي يعود عليه من كسبها «4» .
إرهاصات البعثة:
لقد عصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الكفر وجنّبه عبادة الأوثان التي عبدها قومه، فلم يعبدها، ولم يقدم لها القرابين، ولم يكن يأكل مما يذبح على النصب، وكان يستمسك بإرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في حجهم ومناكحهم وبيوعهم «5» ، فكان يطوف بالكعبة المشرفة، وقد طاف معه مولاه زيد بن حارثة مرة، فلمس زيد بعض الأصنام
(1) ابن هشام- السيرة 1/ 112.
(2)
أحمد- المسند 3/ 425، أبو داود- السنن، حديث رقم (4836) ، ابن ماجه- السنن حديث رقم (2287)، وقال عنه الحافظ الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 1/ 94، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود 3/ 917 (حديث رقم 4049) .
(3)
أبو داود- السنن حديث رقم 4836.
(4)
محمد الغزالي- فقه السيرة ص/ 74- 75.
(5)
البيهقي- دلائل النبوة 2/ 37.