الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انشقاق القمر:
روى البخاريّ ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك- رضي الله عنه؛ أنّ أهل مكّة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقّتين، حتّى رأوا حراء بينهما» «1» .
فكان هذا الانشقاق- كما قال الخطّابيّ- آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنّه ظهر في ملكوت السّماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركّب من الطّبائع، فليس ممّا يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر «2» .
وقد ذكر الله سبحانه هذه المعجزة في كتابه العزيز، فقال عزّ من قائل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ* وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ «3» .
ونقل الحافظ ابن كثير الإجماع على أنّ انشقاق القمر قد وقع في زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنّه كان إحدى المعجزات الباهرات. وإنّ الأحاديث الّتي وردت بذلك متواترة من طرق متعدّدة تفيد القطع.
ومع عظم هذه المعجزة، فإنّ أهل مكّة المعاندين لم يصدّقوا ولم يذعنوا، بل استمرّوا على كفرهم وإعراضهم، وقالوا سحرنا محمّد، فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر النّاس كلّهم، فسألوا من قدم عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما شاهدوه فعلموا صحّة ذلك وتيقّنوه.
تكثيره الماء ونبعه من بين أصابعه الشّريفة صلى الله عليه وسلم:
قال القرطبيّ رحمه الله: قصّة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، تكرّرت منه في عدّة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة، يفيد مجموعها العلم القطعيّ المستفاد من التّواتر المعنويّ ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبيّنا صلى الله عليه وسلم، حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه» «4» .
ومن هذه المواطن الّتي حدث بها تكثير الماء ونبعه من بين أصابع نبيّنا صلى الله عليه وسلم:
- ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما، قال:«عطش النّاس يوم الحديبية والنّبيّ صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة «5» ، فتوضّأ فجهش «6» النّاس نحوه فقال:«ما لكم؟» قالوا: ليس عندنا ماء نتوضّأ، ولا
(1) رواه البخاري. انظر الفتح 7 (3868) . ورواه مسلم برقم (2802) .
(2)
انظر فتح الباري (7/ 224) .
(3)
سورة القمر: آية رقم (1- 5) .
(4)
انظر فتح الباري (6/ 676، 677) .
(5)
ركوة: قال ابن الأثير: الركوة إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء والجمع ركاء. انظر النهاية (2/ 261) .
(6)
فجهش: قال ابن الأثير: الجهش أن يفزع الإنسان إلى الإنسان، وهو مع ذلك يريد أن يبكي كالصبي يفزع إلى أمه. انظر جامع الأصول (11/ 347) .