الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لينقله الحاضر إلى الغائب، ولما لم يبق فيهم إلى الأبد فكل من يأتي في عصر بعد عصر يأخذون بمن تقدمهم من عصر وينقلون إلى من بعدهم من عصر، لينقل عنه كل سلف إلى خلفه فيستديم على الأبد نقل سننه ويعلم جميع ما يأتي لشرائعه.
فصار نقل الأخبار عنه واجبا على أهل كل عصر وصار قبولها واجبا في كل عصر، فلذلك صارت الأخبار عنه أصلا من أصول الشرع» «1» .
ويذكر ابن حبان: «قال أبو حاتم- رحمه الله قوله «بلغوا عني ولو آية» أمر قصد به الصحابة، ويدخل في جملة هذا الخطاب من كان بوصفهم إلى يوم القيامة في تبليغ من بعدهم عنه صلى الله عليه وسلم، وهو فرض على الكفاية، إذا قام البعض بتبليغه سقط عن الآخرين فرضه، وإنما يلزم فرضيته من كان عنده منه ما يعلم أنه ليس عند غيره، وأنه متى امتنع عن بثه، خان المسلمين، فحينئذ يلزم فرضه.
وفيه دليل على أن السنة يجوز أن يقال لها: الآي، إذ لو كان الخطاب على الآي نفسه دون السنن، لاستحال، لاشتمالهما معا على المعنى الواحد» «2» .
وكل هذا يؤكد المعنى الذي نريد وهو أن السنة الأصل الثانى أو المصدر الثاني من مصادر الإلزام الخلقي في الإسلام، لأن ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما يتصل ببيان المنهج الإسلامي هو شرع متبع، وبالتالي يكون خلقا من أخلاق الإسلام، وما صدر عنه بمقتضى طبيعته البشرية فهو ملزم إذا قام على ذلك دليل يدل على أن المقصود من فعله الاقتداء، وكذا ما صدر عنه بمقتضى الخبرة البشرية أو بمقتضى العادات الجارية، أما ما صدر عنه ودل الدليل على أنه خاص به فلا يعتبر تشريعا لعموم المسلمين. وعليه: فإن ما يثبت بدليل يقصند به التشريع العام واقتداء المسلمين به فهو من قبيل الإلزام، لأنه قانون يجب اتباعه «3» .
ومهما يكن من أمر، فإن السنة زاخرة بالأخلاق، ولا غرو فهى حياة النبى صلى الله عليه وسلم، والمجتمع الإسلامي المعاصر له، ولأنها مصدر تشريعى لهذه الحياة كانت بالتوجيه ملازمة للقرآن، وبالتالي فإن اعتبارها مصدر الإلزام الخلقي أمر واجب.
(ج) المصدر الثالث: الإجماع:
وهو «اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعى في
(1) الماوردي: أدب القاضي، مرجع سابق، ص 370.
(2)
الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط. الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1412 هـ/ 1991 م، ج 14/ 149.
(3)
عبد الوهاب خلاف: مرجع سابق ص 44، 43، ومحمد أبو زهرة، مرجع سابق ص 89، 90.
واقعة» «1» .
ومعنى الاتفاق: الاشتراك إما في القول أو في الفعل أو الاعتقاد، والمقصود بأهل الحل والعقد المجتهدون في الأحكام» «2» . وإذا أجمعوا على فعل نحو أكلهم طعاما دل إجماعهم على إباحته، كما يدل أكله عليه الصلاة والسلام على الإباحة، ما لم تقم قرينة دالة على الندب أو الوجوب» «3» .
والأدلة عليه في القرآن كثيرة منها:
- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ «4» .
- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
…
«5» .
- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً «6» .
- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
…
«7» .
- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
…
«8» .
ومن النصوص النبوية، قوله صلى الله عليه وسلم، «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» «9» . وفي تفسير البخاري: أن الطائفة هم أهل العلم.
ويعلق محمد عبد الله دراز: «أنه إذا كانت عصبة الحق لا تزال باقية في العالم الإسلامي، فإن فكرة الاتفاق الإجماعي على الضلالة سوف تكون إذن مستبعدة، على أنها أمر محال من الوجهة العملية في العالم الإسلامي» «10» .
ودور الإجماع هو حسم مشكلة جديدة، ذات طابع أخلاقي أو فقهي، أو عبادي، أما الحياة المادية فليس
(1) عبد الوهاب خلاف: مرجع سابق ص 45.
(2)
يوسف حامد العالم، مرجع سابق، ص 61.
(3)
المرجع السابق: 61.
(4)
البقرة: 143.
(5)
آل عمران: 110.
(6)
النساء: 115.
(7)
آل عمران: 103.
(8)
النساء: 59.
(9)
ابن حجر: الفتح (ط المكتبة التجارية)(7311) 13/ 227.
(10)
محمد عبد الله دراز، مرجع سابق، ص 43.