الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سرية عبد الله بن حذافة السهمي:
وردت روايات صحيحة «1» تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من أصحابه، يرجح أن يكون عبد الله بن حذافة السهمي «2» ، على سرية وأمرهم أن يطيعوه، فأغضبوه في شيء، فأمرهم فأوقدوا نارا، ثم ذكرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالسمع والطاعة له، وأمرهم أن يدخلوا النار التي أوقدوها، فامتنعوا وقالوا:«إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار» وحين علم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر قال «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» . وقد روى الشيخان أن الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «3» قد نزلت فيه عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في السرية «4» .
غزوة تبوك: «جيش العسرة» :
«5»
أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بجهاد أهل الكتاب، كما أمرهم بجهاد المشركين، وخلافا لما حصل مع المشركين الذين لا يقبل منهم إلا الدخول في الإسلام أو أن يأذنوا بقتال، فإن أهل الكتاب لهم حق الاحتفاظ بدينهم إذا ما اعترفوا بالسيادة لدولة الإسلام وأدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون. قال تعالى:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «6» .
ولذلك فليس هناك ما يدعو إلى البحث عن الأسباب المباشرة لهذه الغزوة، كما حاول بعض المؤرخين المسلمين حين ذكروا أن هرقل قد جمع الجموع «7» ، أو كما ذكر آخرون أنه قد قصد منها أخذ الثأر لقتلى المسلمين في مؤتة عامة وجعفر بن أبي طالب خاصة «8» ، أو ادعاء العض أنها ناجمة عن مشورة يهود «9» .
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 7145) ، مسلم- الصحيح 3/ 1469، كتاب الإمارة، (الحديث 1840) .
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث 4584) ، مسلم- الصحيح 3/ 1465، (الحديث 1834) ، أحمد- المسند 3/ 67، وانظر صحيح سنن ابن ماجه للألباني 2/ 142 (حديث 2863) والحاكم- المستدرك 3/ 630- 1.
(3)
القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 59.
(4)
خالف ذلك الحافظ ابن كثير (التفسير 2/ 303) والطبري (التفسير 8/ 498- 9) وقالا إنها إنما نزلت في خالد بن الوليد، وقالا إن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، وذكر الواقدي في المغازي (3/ 983) وتابعه ابن سعد في الطبقات (2/ 163) أنها نزلت في علقمة بن محرز حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية لرد الأحباش عن جدة.
(5)
وردت «العسرة» تسمية للغزوة في القرآن الكريم سورة التوبة، الآية (29) ، وعنون البخاري لها «باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة» ، وأورد مسلم في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سماها تبوك (الصحيح- كتاب الفضائل 7/ 60- 61) .
(6)
القرآن الكريم- سورة التوبة (29) .
(7)
ابن سعد- الطبقات 2/ 165.
(8)
اليعقوبي- التاريخ 2/ 67.
(9)
ابن كثير- التفسير 5/ 210- 211. وانظر ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 167- 168، والخبر في ذلك مرسل وضعيف.
وهكذا فقد كانت غزوة تبوك استجابة إيمانية لفريضة الجهاد حيث كان الروم أقرب الناس إلى ديار الإسلام ولذلك فإنهم أولى الناس بالدعوة. «1» وقد قال تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «2» ، وهكذا، فبعد القضاء على الوثنية في جزيرة العرب، وإجلاء يهود من المدينة وغيرها، كان على المسلمين أن يقاتلوا أهل الكتاب من النصارى الذين كانوا يقطنون على المشارف الشمالية الغربية من جزيرة العرب، حيث كانت المنطقة التي توجه إليها الرسول في هذه الغزوة من ديار قضاعة وهي خاضعة لسلطان الإمبراطورية البيزنطية (الروم) .
ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إلى الإنفاق على هذه الغزوة نظرا لكثرة المشاركين فيها، وبعد المسافة التي كان على الجيش أن يقطعها، ووعد المنفقين بعظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فسارع أغلب الصحابة إلى المشاركة في توفير الأموال المطلوبة كل حسب مقدرته، وكان عثمان بن عفان أكثر المنفقين على جيش العسرة استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من جهّز جيش العسرة فله الجنّة» ، وتواترت الأخبار الصحيحة بأن عثمان بن عفان قد تحمل نفقات جيش العسرة، فلقد سارع بتقديم ألف دينار في بداية الاستعدادات صبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم «3» كما قدم أموالا أخرى تتمثل في الجمال والعدد التي يحتاج إليها في نقل الجيش والحرب «4» . وساهم عبد الرحمن بن عوف في تحمل قسط من نفقات الجيش حين قدم نصف أمواله حينذاك وبلغت مساهمته في حدود ألفي درهم «5» . كما قدم عمر بن الخطاب مائة أوقية «6» ، ولا شك في أن عددا آخر من الصحابة قد ساهموا في تغطية بقية النفقات كل على قدر طاقته، والدليل على ذلك أن فقراء المسلمين قدموا ما قدروا عليه من النفقة، رغم بساطته وقلته، على استحياء منهم فقد جاء أحدهم بصاع من تمر، وجاء آخر بنصف صاع منه، مما عرضهم لسخرية ولمز المنافقين، فأنزل الله تعالى قوله الكريم: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «7» .
ولا شك في أن المنافقين كانوا يتهمون أغنياء المسلمين بالرياء، في نفس الوقت الذي يسخرون فيه من صدقة الفقراء، وكان علبة بن زيد، وهو من البكائين، واحدا من سبعة رجال من المسلمين الذين أرادوا المشاركة في الغزوة وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجد لهم ما يحملهم عليه، فلم يجد فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألّا يجدوا
(1) يقول الحافظ ابن حجر «فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدعوة لقربهم إلى الإسلام وأهله» (البداية والنهاية 2/ 5) .
(2)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 123، وانظر الطبري- التفسير 11/ 71.
(3)
البخاري- الصحيح 4/ 11 (كتاب الوصايا) ، فتح الباري 5/ 306، أحمد- المسند 5/ 53.
(4)
الترمذي- السنن 13/ 153- 154، الحاكم- المستدرك 3/ 102.
(5)
الطبري- التفسير 10/ 191- 196.
(6)
ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 408- 409، وانظر الترمذي- السنن 9/ 277.
(7)
القرآن الكريم- سورة التوبة، آية (79)، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث 4668) .
ما ينفقون وقد أنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وفي أمثالهم قوله: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ «1» .
أعلن النبي صلى الله عليه وسلم النفير العام فأمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وقد انفرد الواقدي بذكر خبر إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبائل يستنفرها بالخروج مع الجيش الإسلامي من المدينة إلى تبوك وقد أشار القرآن الكريم إلى إعلان النفير فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ «2» .
وكان النفير المعلن أمرا واجبا على الجميع تنفيذه والالتزام به؛ فقد طالبهم القرآن الكريم أن ينفروا شبابا وشيوخا أغنياء وفقراء وأن يكون جهادهم جميعا بالأموال والأنفس، فقال تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «3» .
وقد أورد ابن هشام مروية لابن إسحاق جمع فيها معلومات أخذها من عدة مصادر، جاء فيها:«أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان من عسرة الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ «4» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنّى عنها ويخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بيّنها للناس، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم» «5» .
ولقد نجم النفاق في المدينة واستعلن بشأن هذه الغزوة، «وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحق، وإرجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم»
، فأنزل الله تعالى فيهم: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «7» .
(1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 91- 92.
(2)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 38.
(3)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 41.
(4)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 42، الطبري- تفسير 14/ 272 بإسناد حسن الى قتادة ولكنه مرسل.
(5)
«وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا» ، ابن هشام- السيرة 3/ 516.
(6)
ابن هشام- السيرة 3/ 517.
(7)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية 81- 82.
وحين عرض النبي صلى الله عليه وسلم على الجد بن قيس أحد بني سلمة المشاركة في جهاد الروم، اعتذر عن ذلك تحت ستار الخوف من الفتنة بسبب شدة ولعه بالنساء وقال:«وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر» ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك» ، وفيه نزلت الآية: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ. «1»
وكما اعتذر الجد بن قيس كذبا ونفاقا، فقد بادر عدد من المنافقين إلى تقديم أعذار كاذبة للنبي صلى الله عليه وسلم لكي يأذن لهم بالتخلف عن الغزوة، ولذلك نزلت الآية. عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ. «2»
لم يقتصر النفاق على من نافق من أهل المدينة بل إنه امتد إلى البادية حولها، قال تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ «3» .
وحيث إن المنافقين من الأعراب، وهم أقسى قلوبا وأكثر جفوة وأقل علما بالأحكام والسنن، فإنهم أشد كفرا ونفاقا من منافقي أهل المدينة، كما وصفهم القرآن الكريم. الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ. «4»
لقد كانت غزوة تبوك منذ بداية الإعداد لها مناسبة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين، وضحت فيها الحواجز بين الطرفين ولم يعد هناك أي مجال للتستّر على المنافقين أو مجاملتهم بل أصبحت مجابهتهم أمرا ملحا بعد أن عملوا كل ما في وسعهم لمجابهة الرسول والدعوة، وتثبيط المسلمين عن الاستجابة للنفير الذي أعلنه الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم والذي نزل به القرآن الكريم، بل أصبح الكشف عن نفاق المنافقين، وإيقافهم عند حدهم واجبا شرعيا. فحين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أعدادا من المنافقين كانوا يجتمعون في بيت سويلهم اليهودي يثبطون الناس عن الغزوة، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم من أحرق عليهم بيت سويلم «5» ، وحين ابتنى المنافقون مسجدا لهم ليجتمعوا فيه مكايدة للمسلمين وتفريقا لاجتماعهم ووحدتهم وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه، نهاه الله تعالى عن ذلك وسماه (مسجدا ضرارا) فقال جل شأنه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ
(1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 49.
(2)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 43.
(3)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 101.
(4)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ 97، الطبري- تفسير 11/ 3.
(5)
ابن هشام- السيرة 4/ 217- 218 بإسناد منقطع.
اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «1» .
وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم الله تعالى «2» .
وهكذا فقد تخلف عن هذه الغزوة كثير من الأعراب والمنافقين، وعدد قليل من الصحابة من أهل الأعذار، وثلاثة من الصحابة تخلفوا دون أن يكون لهم عذر «3» .
سارع المؤمنون إلى الالتحاق بهذه الغزوة التي كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهتها كما أسلفنا لكي يستعدوا لذلك، ولم يهابوا المشاق التي تنتظرهم بسبب بعد المسافة والحر الشديد وقلة المئونة، كما لم تفتنهم طيبات الحياة الدنيا ورغد العيش والأمن الذي يوفره لهم البقاء في المدينة.
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه من المدينة ضرب معسكره بالجرف عند ثنية الوداع لكي يتلاحق أفراد الجيش به «4» ، واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري «5» ، وخلف على أهله علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث أمره بالإقامة فيهم. وقد أرجف به المنافقون وقالوا «ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه» ، وأخذ عليّ سلاحه وخرج من المدينة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فأخبره بما قاله المنافقون عنه «6» ، وقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟، وقد كذّب النبي صلى الله عليه وسلم مقولة المنافقين وقال لعلي:«ولكنّي خلّفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا إنّه لا نبيّ بعدي» «7» ، فرجع علي إلى المدينة. وأورد ابن إسحاق خبرا مرسلا «8» ذكر فيه أن عبد الله بن أبي بن سلول ضرب معسكرا خاصا به أفرده عن معسكر النبي صلى الله عليه وسلم وجعله «على حدة، عسكره أسفل منه نحو ذباب» «9» ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي،
(1) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات 107- 108، الطبري- التفسير 14/ 468- 475.
(2)
من مرويات ابن إسحاق بدون إسناد، ابن هشام- السيرة 3/ 518.
(3)
وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وسوف يرد تفصيل أمرهم بعد اكتمال الحديث عن الغزوة وعودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
(4)
البخاري- الصحيح (الفتح حديث 4416) ، مسلم- الصحيح 1870- 1871 (حديث 2404) .
(5)
ابن هشام- السيرة 3/ 519، كما أورد خبرا نقله عن الدراوردي أنه استعمل على المدينة مخرجه إلى تبوك سباع بن عرفطة.
(6)
وردت مرسلة في ابن هشام- السيرة 3/ 519- 520.
(7)
وردت الحادثة، في البخاري- الصحيح 5/ 7، وفي مواضع أخرى منه، كما أوردها مسلم في صحيحه 7/ 120- 121 مع بعض التعديل لبعض المفردات، فقد جاء فيه:«أما ترضى» بدلا من «أفلا» ، وأسقط اسم علي من وسط الحديث، وانظر أحمد- فضائل الصحابة.
(8)
ابن هشام- السيرة 3/ 519. والحديث أورده الإمام أحمد في كتابه «فضائل الصحابة» بطرق صحيحة عديدة أثناء تعرضه لفضائل الصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنه (فضائل 2/ 594 رقم 1010) .
(9)
جبل قرب المدينة.
فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب» «1» .
أما عن عدد جيش المسلمين في غزوة تبوك فالراجح أنه كان أكثر من ثلاثين ألف مقاتل «2» ، وكان معهم عشرة آلاف فرس «3» ، وقد سلك الجيش طريق الشام «4» وفي الطريق إلى تبوك لحق بالجيش أبو خيثمة مالك بن قيس وكان من الأنصار بعد أن كان تخلف بالمدينة «5» ، كما لحق به أبوذر رضي الله عنه وهو لم يتخلف وإنما أبطأ به بعيره، مما دعاه إلى أن يأخذ متاعه فيحمله على ظهره، ويتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا «6» .
وأورد الواقدي وغيره من أهل السير والمغازي مرويات عن جملة معجزات حصلت خلال غزوة تبوك ولكنها كلها ضعيفة «7» وأورد ابن إسحاق خبرا مرسلا عن تخذيل المنافقين للمسلمين أثناء الغزوة والجيش في طريقه إلى تبوك.
وأورد الطبري في تفسيره «8» آثارا متعددة في سبب نزول قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ «9» .
ومن ذلك أثر صحيح عن عبد الله بن عمر جاء فيه أن رجلا من المنافقين ذكر القراء بسوء فرد عليه رجل
(1) على الرغم من ضعف الرواية وتفرد ابن إسحاق بإيرادها دون سند، فإن تصرفات عبد الله بن أبي زعيم المنافقين هذه قد تكون السبب في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه عند موته بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من تبوك.
(2)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 8/ 113- مسلم- الصحيح 8/ 112 (حديث 2769) ، ابن حجر فتح الباري 8/ 118، وما ورد لا يتعارض مع ما أورده ابن إسحاق والواقدي.
(3)
الواقدي- المغازي 3/ 996 برواية زيد بن ثابت، ابن سعد- الطبقات 2/ 166.
(4)
تفصيلات قصته أوردها الطبراني (فتح الباري 8/ 119) كما أوردها ابن هشام برواية ابن إسحاق دون إسناد في سيرته 3/ 520- 521 كما أوردها الحافظ ابن كثير في البداية 5/ 7- 8 وقد أخرج قسما منها الإمام مسلم في صحيحه 8/ 107، والإمام أحمد في المسند 6/ 387- 388، كما أورده الواقدي- المغازي 3/ 998- 999 وجعله عبد الله بن خيثمة السالمي خلافا لما ورد برواية الزهري وابن إسحاق.
(5)
الحاكم- المستدرك 3/ 50- 51، والذهبي- ميزان 1/ 306، ابن كثير- البداية 5/ 10- 11، وأورد ابن هشام في السيرة حيث ساق خبر إبطاء بعيره والتحاقه مع خبر وفاته بالربذة، ثم خبر وصول ركب عبد الله بن مسعود مع رهط من أهل العراق، وترحمه عليه وذكره لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن مسيره من تبوك (السيرة 3/ 524) .
(6)
من ذلك ما ورد في مغازي الواقدي 3/ 1008- 1015 عن الأفعى التي اعترضت طريق المسلمين، ومعجزة الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم (المغازي 3/ 1040- 42) ، ومعجزة تكثير الطعام في تبوك (المغازي- 3/ 1017- 1018) ، ومعجزة نزول المطر بدعائه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (السيوطي- الخصائص الكبرى 2/ 106) ، ومعجزة لقاء النبي صلى الله عليه وسلم مع إلياس- عليه السلام (الخصائص 2/ 109) ، ومع أن معجزات كثيرة قد وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم وردت بطرق صحيحة ولا شك في حصولها ولا يمكن التشكيك فيها ولا مجال مطلقا لإنكار أي منها، فإن ما أشرنا إليه آنفا وقع مثلها في غير هذا الموضع وبأسانيد صحيحة. لكنها هنا ضعيفة الأسانيد.
(7)
ابن هشام- السيرة 3/ 524.
(8)
الطبري- التفسير 14/ 333 (رقم 16912) بإسناد صحيح.
(9)
القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ 65- 66.
وكذبه وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فنزل القرآن في ذلك. قال ابن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنّا نخوض ونلعب «1» .
وصل المسلمون إلى تبوك، وأوردت المصادر نص خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين عند ذلك «2» ، ولم يقع قتال مع الروم ولا مع القبائل العربية المتنصرة التي كانت تحت سيادتهم، ومكث النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه عشرين ليلة في تبوك قبل أن يعود به إلى المدينة «3» .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى اللواء الأعظم لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه، والراية العظمى للزبير بن العوام، وجعل أسيد بن حضير على راية الأوس، والحباب بن المنذر على راية الخزرج، كما أمر بطون الأنصار أن يتخذوا الألوية والرايات وكذلك الحال مع القبائل العربية الأخرى «4» .
ومن تبوك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية من أربعمائة وعشرين مقاتلا شارك فيها عدد من الصحابة عهد بها إلى خالد ابن الوليد، وجهها إلى دومة الجندل، وتم أسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي وهو في البادية يتصيد، وصالحه النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية «5» . وكانت غنائم هذه السرية ثمانمائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع ومثلها من الرماح «6» ، وقد وردت عدد من المرويات الصحيحة عن هدية أكيدر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها شملت عددا من الحلل «7» .
(1) الطبري- التفسير 14/ 333، واصح ما روى في تفسير الآية (66)، من التوبة هو أن الذي عفى عنه هو مخشي بن حمير الأشجعي الذي أنكر بعض ما سمع وعن ذلك انظر: الطبري- التفسير 14/ 336- 7، ابن كثير- التفسير 4/ 112 السيوطي- الدار المنثور 3/ 254. وأورد ابن هشام في السيرة 3/ 524- 25 رواية ابن إسحاق في أمر هؤلاء المنافقين، وقال: إنهم إنما كانوا يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق إلى تبوك، وذكر أن أحدهم قال لبعضهم: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا! والله لكأنا بكم مقرنين بالحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين، فقال مخشي بن حمير: «والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأنّا نتفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه» ، وذكر تمام الخبر. والتّفلّت هو التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث (النهاية 3/ 467) .
(2)
لم تثبت هذه الخطبة من طريق صحيح رغم أن فقراتها مأخوذة من أحاديث أخرى بعضها صحيح وبعضها حسن، وقد أخرج الإمام أحمد في المسند 3/ 37 نص خطبة أخرى قصيرة في إسنادها مجهول، وكذلك فعل القاسم بن سلام في الأموال (ص/ 255- 256) ، كما أخرج الحافظ ابن كثير نص خطبة طويلة (البداية والنهاية 5/ 13- 14) في إسنادها أحد المتروكين. وقد رجح الدكتور العمري أن يكون بعض الرواة قد لفق هذه الخطبة من بعض الأحاديث الصحيحة المعروفة.
(3)
موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص/ 145 بإسناد صحيح.
(4)
الواقدي- مغازي رسول الله، 2/ 992، ابن سعد- الطبقات، 3/ 169، ابن عساكر- تاريخ دمشق 1/ 416.
(5)
ابن كثير- البداية 5/ 17، من مراسيل عروة وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، ابن حجر- الإصابة (412- 415، السيوطي- الخصائص الكبرى 2/ 112- 113 وكلاهما عن طريق ابن إسحاق ضعيف مدلس، ابن هشام- السيرة 3/ 526 بإسناد حسن حيث صرح ابن إسحاق بالسماع والرواية عن عاصم عن قتادة عن أنس بن مالك.
(6)
ابن كثير- البداية 5/ 17، من مراسيل عروة بن الزبير.
(7)
البخاري- الصحيح (فتح الباري، الحديث 3802) ، مسلم- الصحيح 4/ 1916- 1817 (الأحاديث 2468- 2469) . وقد أوردها ابن حجر في الفتح عند شرح حديث البخاري المذكور آنفا، والذهبي في المغازي ص/ 646، وانظر كذلك البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث 2612، 2614، 2619) .