الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى «1» » «2» .
وقد خرجت هذه النّار بالمدينة المنوّرة كما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك سنة أربع وخمسين وستّمائة كما ذكر ذلك جمع من العلماء منهم النّوويّ في شرحه على مسلم «3» ، والسّيوطيّ في الخصائص الكبرى «4» .
قال النّوويّ رحمه الله: وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستّمائة وكانت نارا عظيمة جدّا من جنب المدينة الشّرقيّ وراء الحرّة تواتر العلم بها عند جميع الشّام وسائر البلدان وأخبرني من حضرها من أهل المدينة «5» .
وقال الحافظ ابن حجر: قال أبو شامة في ذيل الرّوضتين «وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة الشّريفة فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصّحيحين، فذكر هذا الحديث، قال: فأخبرني بعض من أثق به ممّن شاهدها أنّه بلغه أنّه كتب بتيماء على ضوئها الكتب، فمن الكتب
…
فذكر نحو ما تقدّم» «6» .
-
إفحام أهل الكتاب:
كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء على سبيل الامتحان والتّعجيز وليس على سبيل الهداية والانصياع للحقّ فسألوه عن أشياء كثيرة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يورد الجواب على وجهه ويأتي به على نصّه كما هو معروف لديهم ومقرّر في كتبهم.
وقد علموا أنّه صلوات الله وسلامه عليه أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولم يتلقّ العلم على أيديهم. ومع هذا لم يحك عن واحد من اليهود والنّصارى على شدّة عداوتهم له وحرصهم على تكذيبه وكثرة سؤالهم له وتعنّتهم في ذلك، أنّه أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابه أو كذبه بل أكثرهم صرّح بصحّة نبوّته وصدق مقالته، والمكابر منهم اعترف بعناده وحسده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وها هي بعض النّماذج الّتي سئل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأجاب بما طابق الحقّ المقرّر عند أهل الكتاب:
- فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: «بلغ عبد الله بن سلام مقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة. فأتاه فقال:
إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال ما أوّل أشراط «7» السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟ ومن
(1) بصرى: بضم الموحدة وسكون المهملة مقصور: مدينة معروفة بالشام وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. انظر شرح النووي على مسلم (18/ 30) ، فتح الباري (13/ 86) .
(2)
رواه البخاري- انظر الفتح 13 (7118) . ومسلم برقم (2902) .
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 28) .
(4)
الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 256) .
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 28) .
(6)
فتح الباري (13/ 85) .
(7)
الأشراط: العلامات، وأشراط الساعة: العلامات التي تتقدمها. مثل خروج الدجال، وطلوع الشمس من المغرب.
أيّ شيء ينزع «1» الولد إلي أبيه، ومن أيّ شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خبّرني بهنّ آنفا جبريل. قال فقال عبد الله: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت وأمّا الشّبه في الولد فإنّ الرّجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشّبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشّبه لها.
قال: أشهد أنّك رسول الله. ثمّ قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بهت «2» ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك. فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا أعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك.
فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا. ووقعوا فيه» «3» .
- عن ثوبان- رضي الله عنه؛ قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء حبر «4» من أحبار اليهود فقال:
السّلام عليك يا محمّد فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله فقال اليهوديّ؛ إنّما ندعوه باسمه الّذي سمّاه به أهله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ اسمي محمّد الّذي سمّاني به أهلي «فقال اليهوديّ: جئت أسألك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ. فنكت «5» رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه فقال: سل» فقال اليهوديّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم في الظّلمة دون الجسر «6» » قال: فمن أوّل النّاس إجازة «7» ، قال:«فقراء المهاجرين» قال اليهوديّ: فما تحفتهم «8» حين يدخلون الجنّة؟ قال: زيادة كبد النّون» «9» قال: فما غذاؤهم «10» علي إثرها؟ قال:
(1) ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه: إذا جاء يشبه أحدهما.
(2)
قوم بهت: بهت فلان فلانا: اذا كذب عليه، فهو باهت، وقوم بهت. أفاد ذلك ابن الأثير رحمه الله في كتابه جامع الأصول (11/ 383) .
(3)
رواه البخاري- انظر الفتح 6 (3329) .
(4)
حبر: قال في المصباح: الحبر، بالكسر، العالم. والجمع أحبار. مثل حمل وأحمال. والحبر، بالفتح، لغة فيه. وجمعه حبور، مثل فلس وفلوس.
(5)
فنكت: معناه يخط بالعود في الأرض ويؤثر به فيها. وهذا يفعله المفكر.
(6)
الجسر: بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، والمراد به هنا الصراط.
(7)
إجازة: الإجازة هنا بمعنى الجواز والعبور.
(8)
تحفتهم: بإسكان الحاء وفتحها، لغتان. وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به ويلاطف.
(9)
النون: النون هو الحوت. وجمعه نينان.
(10)
غذاؤهم: روي على وجهين: غذاؤهم وغداؤهم. قال القاضي عياض: هذا الثاني هو الصحيح، وهو رواية الأكثرين.
«ينحر لهم ثور الجنّة الّذي كان يأكل من أطرافها» قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمّى سلسبيلا «1» » قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض. إلّا نبيّ أو رجل أو رجلان. قال:
«ينفعك إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ قال جئت أسألك عن الولد؟ قال: ماء الرّجل أبيض وماء المرأة أصفر.
فإذا اجتمعا، فعلا منيّ الرّجل منيّ المرأة، أذكرا «2» بإذن الله. وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرّجل، آنثا «3» بإذن الله قال اليهوديّ: لقد صدقت. وإنّك لنبيّ. ثمّ انصرف فذهب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد سألني هذا عن الّذي سألني عنه. وما لي علم بشيء منه. حتّى آتاني الله به «4» . «5» .
- عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ. فقال صاحبه: لا تقل نبيّ، إنّه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بيّنات. فقال لهم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولّوا الفرار يوم الزّحف «6» ، وعليكم خاصّة اليهود أن لا تعتدوا في السّبت، قال: فقبّلوا يده ورجله. فقالا: نشهد أنّك نبيّ. قال فما يمنعكم أن تتّبعوني؟ قالوا:
إنّ داود دعا ربّه أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود» «7» .
(1) سلسبيلا: قال جماعة من أهل اللغة والمفسرين: السلسبيل اسم للعين. وقال مجاهد وغيره: هي شديدة الجري وقيل هي السلسلة اللينة.
(2)
أذكرا: أي كان الولد ذكرا.
(3)
آنثا: أي كان الولد أنثى، وقد روي أنثا.
(4)
انظر في ذلك شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 226، 227، 228) .
(5)
رواه مسلم برقم (315) .
(6)
الزحف: القتال والمراد به: الجهاد في سبيل الله.
(7)
رواه الترمذي برقم (2733) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (7/ 111) . ورواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 240)، والحاكم في المستدرك (1/ 9) وقال: هذا حديث صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.