الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتميم، وخاصة بطونها عوف والأبناء والرباب ويهوى، ولكن لم تتح الفرصة لتعميق الإيمان والثقافة الإسلامية في فروع أخرى مهمة منها مثل بني حنظلة، ومقاعس، والبطون «1» . كما أن الإسلام امتد إلى الأقسام الشمالية من شبه الجزيرة العربية حيث أسلمت قبيلة شيبان، وقبيلة بني عذرة «2» . وأما المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربية، فإن أسرعها استجابة هي منطقة البحرين وخاصة جواثا التي تقطنها عبد القيس حيث أقيمت فيها أول جمعة بعد إقامتها في المسجد النبوي بالمدينة.
ويمثل إرسال الرسل إلى الملوك والأمراء عام سبعة من الهجرة أول اتصال بين الدولة الإسلامية والقوى الكبرى في العالم- آنذاك- والمتمثلة بالامبراطورية الساسانية (الفرس) والامبراطورية البيزنطية (الروم) ، وكان رد فعل الملك الساساني عنيفا، في حين أظهر هرقل في الشام والمقوقس في مصر تعاطفا شخصيّا، وإن لم يدخلا في الإسلام. ومن الواضح أن الدعوة الإسلامية شقت طريقها في عصر الرسالة بمدى عميق مكنها من الصمود في وجه المرتدين والاستعداد لمواجهة القوى العالمية الخارجية «3» .
تأسيس الدولة الإسلامية- حكومة النبي صلى الله عليه وسلم:
يشير كتاب تنظيم المدينة، أو ما يعرف بالوثيقة التي نظمت علاقة المهاجرين والأنصار، وكذلك كتاب الموادعة الذي ضبط العلاقة بيهود المدينة وحدد التزاماتهم، ومسئولياتهم، وإذعانهم لسلطة النبي صلى الله عليه وسلم، وما سبق ذلك من هجرة المسلمين إلى المدينة وانتشار الإسلام فيها، ثم إعلانها حرما آمنا، وتشريع الجهاد والإذن بقتال المشركين إرهاصا بقيام الدولة الإسلامية التي تمثلت مقوماتها في أرض المدينة وما حولها، والامّة وهم المهاجرون والأنصار، ومن التحق بهم فأعلن الإسلام، وهم الغالبية العظمى من السكان، ومن تعاقد وأذعن لسلطة النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والمشركين من القبائل العربية التي شملتها الوثيقة. ولم تكن هناك حاجة إلى إعلان قيام السلطة الحاكمة، لأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته. وكان المسلمون يتنافسون على تنفيذ أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة وفرض، وقد وعى ذلك المسلمون وسارعوا إلى تنفيذه. وكانت بيعتا العقبة الأولى والثانية على الطاعة، كما أن الوثيقة التي نظمت العلاقات بين السكان في المدينة في أعقاب الهجرة قد تضمنت:«بأنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد» «4» . وبذلك أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أسلفنا، المرجع الوحيد للفصل في كل ما يقع بين السكان من مشكلات.
وهو تحديد واضح لمرجعية السلطة في المدينة بين الجميع مسلمين كانوا أو مشركين أو يهود ومن شملتهم الوثيقة.
اعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم في تنظيم الدولة الإسلامية الناشئة وإدارتها على الصحابة، فاتخذ من كبارهم مستشارين وكان في مقدمتهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما، كما اتخذ منهم ولاته وعماله على الصدقات.
(1) الطبري- تاريخ 3/ 268، 269.
(2)
ابن أعتم الكوفي- الفتوح ص/ 45.
(3)
أكرم العمري- السيرة النبوية الصحيحة 2/ 454- 460.
(4)
الفقرة (23) من الوثيقة.
وبعد أن توسعت الدولة الإسلامية عيّن الرسول صلى الله عليه وسلم الولاة على مكة المكرمة والطائف والبحرين وعمان واليمامة كما عيّن عددا من الولاة على مقاطعات بلاد اليمن. وحيث إن مهمة الوالي تتمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فقد كان ولاته صلى الله عليه وسلم من فقهاء الصحابة الكبار، فكان من ولاته عتّاب بن أسيد على مكة المكرمة، وعلي بن أبي طالب على نجران، ومعاذ بن جبل على الجند، وأبو موسى الأشعري على زبيد وما والاها، وخالد بن سعيد بن العاص على صنعاء، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، وعمرو بن سعيد بن العاص على خيبر، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وسليط بن سليط على اليمامة، وعمرو بن العاص على عمان.
أما عماله على الصدقات، فقد أرسل أبو هريرة لجمع صدقات البحرين، وأبا عبيدة عامر بن الجراح على صدقات هذيل وكنانة، وعبد الرحمن بن عوف على صدقات كلب، وعباد بن بشر الأشهلي على صدقات سليم ومزينة، والوليد بن عقبة على صدقات بني المصطلق. وكان جمع الصدقات يتم عند تجمع العشائر على المياه في أوائل الربيع، وإلى جانب هؤلاء العمال فقد تولى رؤساء العشائر جمع الصدقات، وكان ذلك يحقق أهدافا إدارية واجتماعية ونفسية، إذ لم يكن دفع الزكاة في البادية من الأمور المستساغة عند الأعراب. ولكن حين يتولى شيخ القبيلة مهام جمعها وتوزيعها فإن ذلك يخفف من الأثر النفسي عليهم، إضافة إلى أن الشيخ يعرف الأغنياء وأصحاب الثروات منهم وكذلك الفقراء. وقد يتولى بعض كبار الصحابة مسئولية جمع الصدقات وتوزيعها حين لا يتوفر في الشيخ القدرة على استيعاب أحكام الزكاة وفقهها.
وقد أشارت المصادر الإسلامية إلى «النقباء» في سياق الحديث عن بيعة العقبة الثانية، حيث اختار النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيبا، كانوا كفلاء على قومهم، وهم يمثلونهم أمام النبي صلى الله عليه وسلم ويبلّغون تعليماته وتوجيهاته إليهم، ويتولون تنفيذ أوامره بينهم. أما «العرفاء» فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار لكل قبيلة عريفا، وكان كل من قدم المدينة من الأعراب ينزل على عريفه، أما إذا كان من قبيلة ليس لها عريف فإنه ينزل في الصّفة «1» بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتم قراهم من قبله صلى الله عليه وسلم.
واحتاجت الدولة الإسلامية الناشئة إلى عدد كبير من الكتاب، وحيث إن مثل هذا العدد لم يكن متوفرا في باديء الأمر بعد الهجرة مباشرة، فقد سعت حكومة النبي صلى الله عليه وسلم إلى إعداد الكتّاب عن طريق توسيع نطاق التعليم، وقد أثمرت تلك الجهود حيث بلغ عدد كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم وحدهم قرابة الخمسين، بينهم كتّاب الوحي أمثال: زيد ابن ثابت وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وحنظلة بن الربيع، وأبان بن سعيد، وخالد بن سعيد، ومعاوية بن أبي سفيان. ومنهم كتّاب أموال الصدقات أمثال الزبير بن العوام، وجهيم بن الصلت. ومنهم كتاب العقود والعهود والمداينات مثل عبد الله بن الأرقم الزهري، والعلاء بن عقبة «2» .
وأسندت الولايات والأعمال وقيادة الجيوش إلى كبار الصحابة من ذوي الفقه والخبرة والقوة والأمانة مما عمل على شيوع الأمن والاستقرار وتثبيت الناس على الإسلام خاصة في المدن الرئيسية.
(1) ابن شبّة- تاريخ المدينة 1/ 286.
(2)
الخزاعي- تخريج الدلالات السمعية ص/ 159، 173.
وتمكنت الحكومة الإسلامية من حماية المدينة من الهجمات من خارجها، ومن كيد اليهود والمنافقين من داخلها، ووسعت حدود سلطاتها تدريجيا حتى امتد في أواخر عصر النبوة إلى معظم أنحاء جزيرة العرب. وقد بذلت الكثير من الجهود لتنظيم عمليات الدفاع والهجوم، وزيادة أعداد المقاتلين حتى وصل في غزوة تبوك ما يزيد على ثلاثين ألف مقاتل. وكانت التجهيزات تعتمد على جهود الأفراد، وما يقدمه أغنياء المسلمين من أموال لغرض تجهيز الجيش.
ونظمت حكومة النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي، فأقامته على أساس الحب والتكافل الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحترام الإنسان، وتطمين حاجاته الروحية والمادية حسب إمكانات الدولة آنذاك.
وكانت تقوم بجباية الزكاة عن طريق المصّدقين الذين يرسلون إلى القرى والبوادي، وعن طريق الولاة في المدن، وكانت الأموال المجموعة تنفق على الفقراء من مناطق الجباية، وما فضل منها يرسل إلى المدينة. واعتمدت الحكومة النبوية في مواردها المالية على أغنياء الصحابة الذين يبذلون الكثير من أموالهم في مواجهة حاجات الدولة، كالإنفاق على الجيوش، واستضافة الوافدين من خارج المدينة، وإعانة المحتاجين من المهاجرين، وبقية فقراء المسلمين من أهل الصفة. ولكن الدولة حازت على موارد دائمة عقب غزوة أحد، حيث أوصى الحبر اليهودي مخيريق بأمواله للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سبع بساتين سخرت إيراداتها لسد نفقات المصالح العامة، فضلا عن نفقات النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته.
وقد ازدادت الأموال التي حازتها الدولة بعد فتح خيبر وأراضيها الزراعية الغنية. ولا شك في أن الغنائم التي حازها المسلمون في المعارك الكثيرة قد أسهمت في زيادة موارد الدولة، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الخمس من الغنائم. غير أن الغنائم لم تكن تمثل ثروة كبيرة إلّا في غزوات معينة مثل غزوة هوازن.
وقد ساعدت تعاليم الإسلام الماليّة على ازدهار الحياة الإقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة، وخاصة ما يتعلق من تلك التعاليم بحقوق التملك، وحرية العمل، وسيادة الأمن، وقيم العدل والوعد بالأجر الأخروي للتجار والصناع والزراع إذا ما أخلصوا النية في أعمالهم، وأتقنوا أداءها ونصحوا فيها.
وقد ظهر أثر التعاليم الإقتصادية الإسلامية بصورة أكثر جلاء في العصور التي تلت عصر السيرة، حيث إن السنوات العشر الأولى التي مضت على قيام الدولة الإسلامية، لم تكن كافية لتوضيح الآثار الإقتصادية للتعاليم الجديدة بصورة جليّة.
ولم تكن القيود الجديدة على النشاط الاقتصادي لتؤثر سلبا على تكون رؤوس الأموال، فالربا الذي حرّم منع تكدس الأموال بأيد قليلة، لكن السماح بتكوين رءوس أموال مشتركة لتمويل العمليات التجارية- مما كانت قريش تعرفه قبل الإسلام- عوض النقص في رءوس الأموال، كما أن تفتيت الثروة يساعد على زيادة القوة الشرائية في المجتمع، مما ينشط الحركة الإقتصادية. وكانت نصوص تحريم الربا، وتحريم الاحتكار، ونظام الميراث، والزكاة والحث على الصدقات تساعد على تفتيت الثروة وتداولها كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ «1» .
(1) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ 7.
واهتمت حكومة النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء الذي يهدف إلى تحقيق العدل والإنصاف بين المتخاصمين. وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «1» . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي بنفسه بين الناس في المدينة فهو أول القضاة في الإسلام. وقد أمره الله تعالى بذلك فقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «2» . وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «3» .
ولما انتشر الإسلام خارج المدينة عين الولاة على المدن من أهل الفقه ليقضوا بين الناس في خصوماتهم إلى جانب إدارة المدينة أو الإقليم. وقد قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا» «4» ، كما «أرسل معاذا إلى اليمن قاضيا وقال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله. قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: «فإن لم تجد في سنّة رسول الله ولا في كتاب الله؟» قال: أجتهد برأيي ولا آلوا. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: «الحمد لله الّذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» «5» .
ومن آداب مجلس القضاء في عصر السيرة جلوس الخصمين بين يدي القاضي «6» . ومنها أن لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان «7» . وأن يحتج القاضي بإقرار المتهم، وهو شهادة الإنسان على نفسه، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم إقرار ما عز والغامدية بالزنا «8» . ويعمل بشهادة الشهود العدول، ولا يعذر الشاهد إذا امتنع عن الإدلاء بشهادته وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا «9» ، وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «10» . وقد شدّد النبي صلى الله عليه وسلم على شهادة الزور «11» . وقضى:«البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر» الذي ورد في ثنايا حديث شريف «12» .
ولم تكن في المدينة خلال عصر السيرة، قوى أمن أو شرطة تفرض النظام وتحقق الأمن، لذلك نصت الوثيقة على أن هذه المهمة يقوم بها جميع المؤمنين، فهم يسعون للضرب على أيدي الجناة، ولا يساعدونهم في الهرب من العدالة «ولو كان ولد أحدهم» . وقد نجحت هذه الخطة، وبعد أن كان الثأر هو القاعدة لتسوية الحسابات قبل الإسلام، فإنه صار حالة استثنائية نادرة، ولم يسجل التاريخ إلّا بضع حالات جرت في ظروف خاصة
(1) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 58.
(2)
القرآن الكريم- سورة المائدة، الآية/ 48.
(3)
القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 65.
(4)
الماوردي- أدب القاضي 2/ 254- 258.
(5)
أحمد- المسند 5/ 236، 242.
(6)
أبو داود- السنن (عون المعبود 9/ 498- 9) .
(7)
البخاري- الصحيح- كتاب الأحكام 13، أحمد- المسند 5/ 52، 181.
(8)
مسلم- الصحيح- كتاب الحدود ص/ 22- 23، الدارمي- السنن- الحدود ص/ 17، ابن ماجه- السنن، حدود ص/ 24. والبخاري في مواضع.
(9)
القرآن الكريم- سورة البقرة، الآية/ 282.
(10)
القرآن الكريم- سورة الطلاق، الآية/ 2.
(11)
البخاري- الصحيح، الاستتابة/ 1، الديات/ 2، الحيل/ 11، مسلم- الصحيح، كتاب الإيمان ص/ 143- 144.
(12)
البخاري- الصحيح، كتاب الرهن ص 6.
مشتبهة. كما لم تسجل في المجتمع المدني سوى حالة اغتصاب واحدة لامرأة تعرضت لها في الغلس قبيل صلاة الفجر، وهي في طريقها إلى المسجد النبوي. وسجلت حادثة تشهير بامرأة مسلمة من قبل صائغ يهودي. وسجلت أربع حوادث زنا اعترف اثنان من مرتكبيها طواعية طلبا للتطهر من الذنب، وأقيم الحد عليهما وعلى الاثنين الآخرين. وسجلت حالة قتل لمسلم في منطقة سكن اليهود، وحادثة قتل أخرى لمسلمة قتلها يهودي برضخ رأسها بالحجارة. ويمكن إضافة حادثة ارتداد أدت إلى مقتل راعي سرح الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو كل الذي سجلته المصادر من الجرائم والجنايات خلال السنوات العشر التي حكم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية الأولى.
أما في مجال التعليم، فقد منح الإسلام العلم مكانة عالية مقدّسة حين جعل طلبه فريضة على كل مسلم، واعتبره عبادة «1» . وقد سعت الحكومة النبوية إلى نشر التعليم بين المسلمين، وكانت مشكلة الأمية الشائعة بحاجة إلى علاج سريع، لحاجة الدولة إلى كتّاب للوحي، وكتّاب للعقود، وكتّاب رسائل، لمراسلة الأمراء والملوك الحاكمين في الدول المجاورة، وكذلك كتاب إدارة يستعان بهم في مراسلة الولاة والعمال والقضاة الموظفين في الدولة.
وقد صدرت البادرة الأولى عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عند ما أمر بعض المتعلمين من المسلمين بتعليم الآخرين، وأمر بعض الأسرى ببدر بتعليم شباب الأنصار الكتابة مقابل مفاداتهم، وأرسل المعلمين- وسط الأخطار- في البوادي للدعوة ولتعليم الناس القرآن وتفقيههم بالدين. وكانت حلقات العلم في المسجد النبوي وبقية المساجد التي شيدت في عصر الرسالة تقوم بعملية التثقيف بصورة يومية، وهي تتسع مع الأيام لتشمل أعدادا كبيرة متزايدة.
وكان التعليم يحقق القوة والاستقرار والتماسك في المجتمع الوليد، لأنه ارتبط منذ البدء بالقيم الدينية والأخلاقية.
وقد تحددت عدة قيم تخص التعليم منها: استحضار النية الخالصة لله في طلب العلم «2» . وعدم جواز كتم العلم لوجود حق عام للناس في علم العالم «3» . والتعليم حق للجميع وهو مجاني «4» . وقد لوحظ في التعليم اختلاف الاستعداد العقلي عند الناس «5» . وروعيت الحالة النفسية للمتعلمين «6» . وكانت طرق التلقي هي السماع والعرض والمذاكرة والسؤال، ولكن السماع كان أكثر انتشارا، لقلة المواد المكتوبة إلّا ما يتعلق بكتابة القرآن.
ومن أشهر المعلمين في عصر السيرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول- مصعب بن عمير الذي قام بتفقيه أهل المدينة وتعليمهم القرآن قبل الهجرة النبوية «7» ، وعبادة بن الصامت الذي كان يعلم أهل الصفة القراءة
(1) ابن ماجه- السنن 1/ 81 (حديث 244) ، أبو داود- السنن (حديث 3664) .
(2)
أبو داود- السنن (حديث 3664) .
(3)
القرآن الكريم- سورة البقرة، الآيات/ 159، 74، أبو داود- السنن (حديث 3658) .
(4)
أبو داود- السنن (حديث 3416) ، البيهقي- السنن 6/ 126.
(5)
الترمذي- سنن 5/ 34.
(6)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 1/ 163 حديث 70) ، مسلم- الصحيح 4/ 2172.
(7)
ابن حجر- الإصابة 1/ 124.