الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجموعة حاجات أخرى تؤهله لاكتساب القيم، كالحاجة إلى الأمن، والتقبل، والتقدير الاجتماعي، والحب، كما أنه يحتاج إلى إشباع حاجته إلى التحصيل والنجاح، وإلى تعلم المعايير السلوكية، وإلى السلطة الضابطة المرشدة، وغير ذلك من حاجات «1» .
إن الإشباع وطريقته يعتبر الأساس في تنمية القيم الإسلامية، فالطفل يولد وهو مزود ببعض القابليات، إلا أنه يعيش في بيئة معينة يتفاعل معها وتتفاعل معه، والبيئة السلوكية التي يعيش فيها تضطره إلى تعديل إشباع بعض دوافعه الأولية، وتكوين بعض العادات الانفعالية. أي أن البيئة السلوكية لا تدعه يعبر عن دوافعه تعبيرا حيوانيا، ذلك لأن القيود الاجتماعية التي يمليها النظام الحضاري تملي عليه نوعا من تعديل هذه الميول الفطرية «2» .
إن أهمية الأسرة المسلمة في تنشئة الطفل المسلم على المعايير والقيم الإسلامية غاية في الأهمية، ومسئوليتها متكاملة تجاه تلك التنشئة بحيث يكتسب الطفل المسلم الشخصية الإسلامية الصحيحة، والمتكاملة المتوازنة.
الأمر الثاني: أن الأسرة المسلمة أصابها من التغيير ما أصابها، وتواجه مشكلات جمة
،
بل يمكن القول بأنها تعيش صراعا قيميا ليس هذا مجال تحليله وبيان أسبابه، فقد انسحب عليها ما انسحب على المجتمع الإسلامي، والمجتمع العالمي معا، وكان لهذا تأثيراته الواضحة عليها.
ومع التغير الاجتماعي تغيرت أشياء في الأسرة منها الإيجابي، ومنها السلبي، وكان للتغيير الذي صاحب التصنيع والتقنية أثره الفعال على الأسرة في نواح متعددة «3» . وهذا التغيير يجعل وظيفة الأسرة المسلمة أكثر أهمية وصعوبة، خاصة في مجال تنمية القيم الإسلامية، وفي إطار أهداف الرسالة الإسلامية الخالدة المتجددة، وفي إطار تلك المتغيرات التي أصابت الأسرة، فإن دورها في تنمية القيم الخلقية في إطار رعايتها للنمو المتكامل لشخصية الطفل يتحدد كما يلي:
1-
مساعدة الطفل على تأكيد الإيمان بالله- عز وجل، بكافة الطرق المناسبة، بالكلمة الحانية، والسلوك القويم، بالقصة الهادفة الملتزمة، بالترغيب في العبادات وقراءة القرآن، وغير ذلك من أسباب ووسائل تحقق الأهداف الإسلامية وتغرس عقيدة التوحيد في نفس الناشىء.
2-
مساعدة الطفل على تمثل القيم والحقائق والمبادىء الإسلامية، وإمداده بالخبرات الاجتماعية المثيرة له
(1) انظر: حسن إبراهيم عبد العال، مرجع سابق، ص 119- 124، ص 201- 220.
(2)
المرجع السابق، ص 223.
(3)
انظر: سناء الخولي، الزواج والعلاقات الأسرية، بيروت، دار النهضة العربية، (بدون تاريخ) ، ص 299- 310.
والتي تضيف إلى خبرته قيما وحقائق جديدة في إطار إسلامي، مع التبسيط المناسب المعبر عن حاجات الطفل ومشكلاته.
3-
مساعدة الطفل على توضيح وترجمة قيمه واتجاهاته ومشاعره وآرائه التي تمثلها، وكذا مشكلاته الخاصة، وتوجيهه لحلها في اطار إسلامي صحيح.
4-
تهيئة المناخ المناسب المساعد على اكتساب القيم، عن طريق صلاح الأسرة وصلاح الأبناء وتهيئة المجال للطفل للاقتراح والتخطيط المناسب، ومزاولة الأنشطة التي تبدو هامة بالنسبة له.
5-
توجيه الطفل إلى ما يجب أن يفعله في المواقف المختلفة، وبيان أنه يتعين عليه أن يفعله دون ضغط أو إكراه من أحد.
6-
وانطلاقا من احترام الإسلام لذاتية الطفل، فعلى الأسرة أن تحترم ذاتيته، وتقدر ما ينوي فعله، وقدرته على الأداء، واحترام أسئلته عن عالمه، والإجابة عنها بأسلوب مناسب، حتى يتمكن من فهم عالمه واستقاء المعاني منه، وتكوين القيم الإيجابية تجاه هذا العالم.
7-
العدل بين الأطفال والمساواة بينهم، على النحو الذي أشار إليه الإسلام مما يحفظ على الطفل كرامته واعتزازه بنفسه، ويساعده على التمثل الفعال للقيم الإسلامية.
8-
تعويد الطفل على الآداب الاجتماعية الإسلامية، والأخلاق الإسلامية بالممارسة العملية وليس عن طريق الكلام النظري وإلقاء الأوامر ليقتنع بها اقتناعا كاملا.
9-
تعويد الطفل على السيطرة على بيئته، والتعامل معها تعاملا رفيقا، من خلال المحاولة والخطأ وتعليمه أن الواقع المحيط به يحتاج إلى التفاعل الجاد معه.
10-
تقبل الأفكار الجديدة من الطفل، واحترام حبه للاستطلاع دون التقليل من شأنه أو قهره أو احتقاره، لأن هذا يقلل من شعور الطفل بذاتيته مما يعتبر معوقا في نمو القيم لديه «1» .
وقد يكون هذا الكلام جميلا مثاليّا، وكثير غيره كذلك، ويأتي السؤال الطبيعي جدا والواقعي: ما الطريق إلى تحقيق هذا؟ نقول: إن تربية الأطفال بهذه الصورة تحتاج إلى جهد ومشقة، ولن يتم هذا إلا في ظل أبوة حانية، وأمومة رحيمة لديها الوعي الكامل بأهمية وخطورة ما يقومان به. لذا فإن تربية الآباء يجب أن تأتي قبل تربية
(1) يقصد بالذاتية: هوية الذات في إطارها الفردي والتي بها يتمايز الإنسان عن غيره من البشر، وهو أمر أكده الإسلام في القرآن والسنة وانظر: محمود فهمي قمير، ذاتية الطفل والنظرية التربوية في الإسلام، في: أحمد إبراهيم كاظم وآخرون، دراسات في التربية الإسلامية وأصولها النظرية والفلسفية- مركز البحوث التربوية- المجلد التاسع- جامعة قطر- 1985 م، ص 282.
الآبناء.
إن هذا يستدعي- أولا- أن يتمثل الآباء والأمهات القيم الإسلامية، ويستعينوا بالحكمة والأناة والصبر، فالتربية لا تأتي بين يوم وليلة، وإنما بمجاهدة الأيام والليالي، وليس لسياسة الزجر والعنف، لأنها تدفع بالطفل إلى التطلع للممنوع، وإشباع حاجاته من هذا الممنوع، بالتمرد على توجيه الأبوين، أو بالظهور بمظهر الخضوع الكاذب
…
وربما انتهى الأمر إلى ازدواج في شخصية الناشيء، مما يؤدي في النهاية إلى أن يصبح منافقا، وهو المرض الفردي الاجتماعي الذي نشكو منه مر الشكوى «1» .
ولعلنا نعود هنا إلى ما سبق أن ذكرناه عن القدوة وما تتطلبه من الشفقة والرحمة. وقد أدرك ابن خلدون- وغيره- خطورة هذا، فقال:«ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين» «2» .
إن الأسرة المسلمة يجب عليها أن تتخلص من قيم الضعف وما يسودها من ضعف وقيم لا تنتمي لقيم الإسلام الصحيحة، وإذا كان لنا أن نبني مجتمعا مسلما على قيم الإسلام الصحيحة، فلا بد من تغيير قيم الأسرة وما يسودها من قيم ضعف وهوان تجاه القيم الإسلامية الصحيحة، في بنائها وفي تربية أبنائها، وهذا هو أساس التغيير الصحيح نحو القيم الإسلامية، إن عين الطفل وسمعه يجب ألا يقعا إلا على سلوك صحيح مترجم عن واقع صحيح وقيم سليمة، ولذا فإن المطلوب من الوالدين أن يكونا فعلا قدوة صالحة، ليتلقى الطفل منهما مباشرة وبدون مباشرة ما يؤكد ذاتيته واستقلاله في إطار التصور الإسلامي الصحيح.
وينبغي أن تكون سياسة الأسرة قائمة على التفتح واختيار الجيد، والبعد عن سياسة الانغلاق والحرمان وإيصاد الأبواب، والاعتماد على تكوين الحس الإسلامي في نفوس الأطفال، وبالتدرج وإنضاج القدرة على الاختيار الجيد، والبعد عن السفاسف والرذائل.
(1) أحمد محمد العسال، مرجع سابق، ص 206، 207.
(2)
ابن خلدون، المقدمة، الجزء الثاني، المدينة المنورة، مكتبة ودار المدينة المنورة للنشر والتوزيع، 1984 م، ص 704.