الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن نتائج هذه الغزوة، زواج النبي صلى الله عليه وسلم من جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بعد أن كانت قد كاتبت في عتق نفسها ممن وقعت في سهمه، وقد ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانها في قومها فقضى عنها كتابها وتزوجها «1» . وقد أطلق الصحابة بسبب هذا الزواج سائر السبي وقالوا:«أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فأعتق مائة أهل بيت «فما كانت امرأة أعظم بركة على قومها منها» «2» . وقد أسلم أبوها وقومه «3» . وكان لزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جويرية وإطلاق الأسرى أكبر الأثر في تجميع قلوبهم على
الهدى ومشاركتهم الجادّة في الجهاد للذود عن الإسلام «4» .
غزوة الخندق (الأحزاب) :
كانت تحركات المسلمين المتواصلة في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية، وتحديهم المستمر لقريش، وتهديدهم لطرق تجارتها، وكذلك إجلاء الرسول صلى الله عليه وسلم بني قينقاع وبني النضير عن المدينة، قد هيأت الظروف لتحالف المشركين مع يهود بني قريظة بهدف اجتثاث المسلمين من قاعدتهم المدينة. ولقد عمد بنو قريظة إلى التظاهر باحترام الحلف المبرم بينهم وبين المسلمين متسترين على مشاعرهم الحاقدة ورغبتهم العارمة في الانتقام.
جرت غزوة الأحزاب للمدينة في شوال سنة خمس من الهجرة «5» . وليس هناك ما يدعو للبحث عن أسبابها فهي حلقة من سلسلة صراع متواصلة، ويمكن ملاحظة أنها جاءت على أثر فشل قريش في محاولتها تأمين طرق تجارتها مع بلاد الشام إذ أنه على الرغم من خسائر المسلمين الكبيرة في معركة أحد، فإنها لم تكن حاسمة ولم تؤمّن الطريق التجاري بين مكة والشام «6» . كما أن ازدياد وعنف النشاط الإسلامي في الغزوات والسرايا العديدة التي جرت بعد معركة أحد، عمل على إنهاء الأثر السلبي لهذه المعركة سواء في المدينة أو في البوادي «7» . ولذلك فإن قريشا عادت من جديد إلى التفكير بإعداد حملة عسكرية ضخمة تأمل أن تحسم بها الأمور، وتقضي نهائيّا على الوجود
(1) ابن هشام- السيرة 2/ 294، 645 بإسناد حسن.
(2)
أبو داود- السنن 2/ 347، وقد ذكر خليفة بن خياط خبرا مرسلا عن قدوم والدها الحارث إلى المدينة وتخيير الرسول لها واختيارها البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (تاريخ ص 80) .
(3)
أحمد- المسند 4/ 279.
(4)
الهيثمي- مجمع الزوائد 7/ 108، الطبري- تفسير 26/ 124، وانظر: ابن هشام- السيرة 2/ 296.
(5)
وهذا قول الجمهور ومنهم ابن إسحاق والواقدي ومن تابعهم (ابن كثير- البداية 4/ 93، الواقدي- مغازي 2/ 440) ، ونقل عن الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها جرت سنة أربع (البخاري- الصحيح 5/ 44) حيث أنه نقل رواية موسى بن عقبة، وانظر ابن كثير- البداية 4/ 93، ويمكن التوفيق بين القولين إذا ما لا حظنا بداية تاريخ كل فئة إذ اعتاد البعض احتساب سنوات الهجرة من المحرم وإلغاء ما سبق ذلك من أشهر إلى ربيع الأول.
(6)
ابن هشام- السيرة 3/ 214 بإسناد صحيح إلى عروة.
(7)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 393) .
الإسلامي، وبالتالي على الأخطار التي تهدد مصالحها «1» . غير أن زعماء قريش كانوا يدركون أن قوة المسلمين قد تنامت كثيرا، وأن قوتهم الذاتية لم تعد وحدها قادرة على تحقيق الهدف المنشود، ولذلك فإنهم سعوا إلى عقد محالفات عديدة من أجل تجميع القوى الحاقدة والقادرة على تحقيق ما يأملون. وقد واتتهم الفرصة حينما اتصل بهم زعماء يهود بني النضير الموتورين من مقر إقامتهم الجديد في خيبر، داعين قريشا إلى حرب المسلمين. وقد وفد منهم إلى مكة سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب من زعماء بني النضير، فتعاقدوا مع قريش على المشاركة في قتال المسلمين، بعد أن شهدوا أنّ الشرك خير من الإسلام وقد نزلت في حقهم الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا «2» ، ثم خرجوا من مكة إلى نجد فحالفوا غطفان على حرب المسلمين، بعد أن وعدوهم بنصف تمر خيبر «3» . أما قريش فقد نجحت في تجميع حلفائها من بني سليم وكنانة وأهل تهامة والأحابيش «4» .
تحركت قوات «الأحزاب» نحو المدينة، فنزلت قريش وأحلافها «بمجمع الأسيال» ، بين الجرف وزغابة، ونزلت غطفان ومعها بنو أسد «بذنب نقمي» إلى جانب أحد «5» . وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم باستشارة أصحابه فيما ينبغي عمله لمواجهة الخطر الداهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق شمال المدينة بين حرتي «واقم والوبرة» ، والاعتماد في الجهات الأخرى من المدينة على حصانتها وعلى ما يحيط بها من الحرّات التي يصعب اختراقها «6» . ولم يعترض أحد على الاقتراح الذي كان يهيء حاجزا يمنع الالتحام المباشر مع قوات الأحزاب، كما يمنعها من اقتحام المدينة «7» ، وفي الوقت نفسه يوفر للمسلمين فرصة جيّدة للدفاع، ولتكبيد الغزاة الكثير من الخسائر البشرية، وذلك بالتصدي لهم عند محاولة اقتحام الخندق، وبرشقهم بالسهام من وراء التحصينات.
تولى المسلمون مهمة حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع وعمق سبعة إلى عشرة أذرع، وبرودة الجو، وقلة التموين التي تسببت في مجاعة أصابت المدينة «8» ، فقد تم إنجاز الحفر بسرعة مذهلة، لم تتجاوز ستة أيام، وكان لمشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم الفعلية في مراحل العمل المختلفة أثر كبير في الروح
(1) البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 393) من رواية موسى بن عقبة دون إسناد.
(2)
القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ 51، واورد الطبري آراء العلماء في سبب نزول الآية، وخلص إلى القول بأن أولى الأقوال بالصحة قول من قال بأن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من يهود. وجائز أنهم الذين سماهم ابن عباس، أو أن يكون حييّا وآخر معه إما كعبا وإما غيره (تفسير الطبري 8/ 469- 471) ، وذكر آخرون أنه كعب بن الأشرف وقد سبقت الإشارة إليه آنفا.
(3)
الواقدي- مغازي 2/ 443، ابن كثير- التفسير 1/ 513.
(4)
البيهقي- دلائل النبوة 3/ 399، ابن حجر- فتح الباري 7/ 393، ابن هشام- السيرة 2/ 219- 220.
(5)
وذكر السيوطي أسماء القبائل النجدية التي شاركت في هذا التجمع وهم غطفان وبنو سليم وبنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة. انظر: الخصائص الكبرى 1/ 565.
(6)
ابن حجر- فتح الباري 7/ 393، وانظر: الواقدي- مغازي 2/ 445 بدون إسناد، ابن هشام- السيرة 2/ 224.
(7)
ابن سعد- الطبقات 2/ 66- 67.
(8)
ابن سعد- الطبقات 2/ 66- 67، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 130، الطبري- تفسير 21/ 33، ابن حجر- فتح الباري 7/ 397.
الإيمانية العالية التي سيطرت على المسلمين في موقع العمل مما مكّنهم من إنجاز متطلبات خطة الدفاع، والاستعداد قبل وصول طلائع قوات الأحزاب «1» . وكان المسلمون يرددون الأهازيج والرجز ويردد معهم النبي القائد صلى الله عليه وسلم مشاركة لهم وتواضعا، وروى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم معهم:
«اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لا قينا
إنّ الألى قد بغوا علينا
…
وإن أرادوا فتنة أبينا»
وكان عليه الصلاة السلام يمد صوته الكريم بآخرها «2» ، أما المسلمون فكانوا يرتجزون:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الإسلام ما بقينا أبدا «3»
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم بقوله:
«اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره،
…
فبارك في الأنصار والمهاجره» «4» .
وحصلت خلال مرحلة حفر الخندق ثلاث معجزات حسّية للنبي صلى الله عليه وسلم وهي تكثير الطعام الذي أعدّه الصحابي جابر بن عبد الله للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن باركه صلى الله عليه وسلم، فقد أكل منه ألف صحابي حتى شبعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا الكثير «5» . ومن معجزاته إخباره لعمار بن ياسر وهو يعمل معهم بأمر غيبي يتعلّق بقتله- رضي الله عنه «6» .
وقيامه صلى الله عليه وسلم بتفتيت صخرة عظيمة عجز الصحابة عن كسرها، فقد ضربها ثلاث ضربات وفتتها ومع كل ضربة كان صلى الله عليه وسلم يعلن عن تسلّمه لمفاتيح أقاليم كل من الشام، وفارس، واليمن، وهي بشارة تنبىء عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة، يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص «7» . وكان جواب المؤمنين كما حكى القرآن الكريم قولهم: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً «8» .
(1) البخاري- الصحيح 5/ 45- 47، فتح الباري 7/ 395، وانظر: مسلم- الصحيح 3/ 1430.
(2)
البخاري- الصحيح 5/ 47، فتح الباري 7/ 399.
(3)
المرجع السابق (فتح الباري 7/ 392- 393) .
(4)
المرجع السابق- الصحيح 5/ 45، وفيه الجهاد بدل الإسلام. انظر الهامش السابق، (فتح 7/ 393) .
(5)
البخاري- الصحيح 5/ 46، مسلم- الصحيح 3/ 1610.
(6)
وكان قتله- رضي الله عنه في صفين انظر: مسلم- الصحيح 4/ 2235.
(7)
أحمد- المسند 4/ 303، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 131، ابن حجر- فتح 7/ 397، الطبراني- المعجم الكبير 11/ 376.
(8)
القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 22.
أما المنافقون فإنهم سخروا من هذه البشارة، وهذا الموقف منهم يتسم بالجبن والإرجاف وتخذيل المؤمنين.
وقد صوّر القرآن الكريم موقف المنافقين بشكل دقيق، قال تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً «1» . وقوله تعالى: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً «2» . وقوله تعالى: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا «3» .
وبالرغم من كل تخذيل المنافقين وإرجافهم، وظروف المجاعة، وشدّة البرد، فقد مضى المسلمون في تنفيذ مهامهم واستعداداتهم، وإكمال خطة الدفاع عن المدينة. وحين انتهى حفر الخندق، وضع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء والأطفال في حصن فارع، وهو لبني حارثة، وكان أقوى حصون المسلمين «4» . ثم رتّب صلى الله عليه وسلم المسلمين للدفاع، فأسند ظهر الجيش إلى جبل سلع داخل المدينة، ووجوههم إلى الخندق الفاصل بينهم وبين المشركين الذين نزلوا «رومه» بين الجرف والغابة ونقمى «5» . وكان تفوق عدد قوات المشركين كبيرا، فقد بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل في مقابل ثلاثة آلاف من المسلمين «6» . وإزاء ذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالح قبيلة غطفان في مقابل أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة لتلك السنة، غير أن زعيمي الأوس والخزرج سألا النبي صلى الله عليه وسلم: أهو وحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك وهواك؟ فرأينا تبع لرأيك وهواك. فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فو الله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلّا شراء أو قرى» فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع زعماء قبيلة غطفان «7» .
واشتد تأزم الوضع على المسلمين حين بلغهم أن حلفاءهم يهود بني قريظة قد نقضوا العهد وغدروا بهم وكانوا يسكنون العوالي في جنوب شرق المدينة مما يمكنهم من طعن المسلمين من الخلف. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الزبير ابن العوام للاستطلاع في أول الأمر، ثم أرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فوجداهما قد نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة، إلّا بني سعفة منهم، فإنهم خرجوا إلى المسلمين من حصونهم معلنين التزامهم ووفاءهم بالعهد «8» . وبعد
(1) القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 12.
(2)
القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 19.
(3)
القرآن الكريم- سورة الأحزاب، الآية/ 20.
(4)
مسلم- الصحيح 4/ 1879، الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 133، الطبري- تاريخ 2/ 570- 571.
(5)
الطبري- تفسير 21/ 129- 130.
(6)
ابن هشام- السيرة 2/ 215، 220، الطبري- تفسير 21/ 130، ابن حجر- فتح الباري 7/ 393، ابن سعد- الطبقات 2/ 66، ابن الجوزي- الوفا ص 292.
(7)
الهيثمي- مجمع الزوائد 6/ 132، ابن هشام- السيرة 3/ 310- 311، وانظر: ابن سعد- الطبقات 2/ 73.
(8)
البخاري- الصحيح (فتح الباري 7/ 80) .
أن أعلن نقض اليهود للعهد، وشاع الخبر بين المسلمين خافوا على ذراريهم من اليهود «1» . ووصف القرآن الكريم حالة المسلمين بقوله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً «2» .
والآية تشير إلى قوات الأحزاب وبني قريظة، كما تعكس حال المنافقين الذين ظنوا بالله الظنون، أما المؤمنون فقد أصابهم البلاء وزلزوا زلزالا شديدا غير أن الإيمان العميق والتربية النبوية، جعلتهم يصمدون أمام سائر تلك الأخطار. فبادروا إلى تسيير دوريات لحراسة المدينة تطوف فيها على الدوام وتظهر التكبير لإشعار بني قريظة بوجودهم واستعدادهم ويقظتهم «3» .
أما الأحزاب فقد فوجئوا بالخندق واحتاروا في كيفية اجتيازه، وكانوا كلما همّوا باقتحامه واجهوا سيلا من سهام المسلمين، واشتد الحصار وتواصل طيلة أربع وعشرين ليلة «4» ، وكانت هجمات المشركين متواصلة حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين أخّروا صلاة العصر في أحد الأيام إلى ما بعد المغرب «5» بسبب ذلك. ورغم طول وشدة الحصار فقد كانت خسائر الطرفين محدودة فقد استشهد ثمانية من المسلمين «6» . وقتل أربعة من المشركين «7» .
وحيث إن أهداف المشاركين في قوات الأحزاب من المشركين لم تكن واحدة، فقد نجم عن طول فترة الحصار حصول ضعف حاد في معنويات المشاركين في الحرب. وقد وردت في كتب السير والمغازي مرويات لا تثبت من الناحية الحديثية عن دور نعيم بن مسعود الغطفاني في تخذيل الأحزاب وشق صفوفهم، وإلقاء الشكوك بينهم، وخداعه لهم وهي على كل حال، لا تتنافي- إن تأكد حصولها- مع قواعد السياسة الشرعية ذلك أن الحرب خدعة «8» .
وقد ثبت أن الله تعالى قد نصر المسلمين بالريح والملائكة «9» ، وذلك ما نص عليه الكتاب العزيز في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ
(1) ابن كثير- البدآية 4/ 103.
(2)
القرآن الكريم- الأحزاب، الآيات/ 10- 11.
(3)
ذكر ابن سعد- الطبقات 2/ 67 أن الصحابي مسلمة بن أسلم الأوسي كان يقود مائتي رجل، وزيد بن حارثة كان يقود ثلاثمائة رجل كانوا يدورون بالمدينة ويحرسونها.
(4)
ابن سعد- الطبقات 2/ 73، الطبري- تفسير 21/ 128، ابن حجر- فتح الباري 7/ 393.
(5)
ابن حجر- فتح الباري 2/ 68، 5/ 92.
(6)
من روآية ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة 3/ 253) معلّقا، الواقدي- المغازي 2/ 495- 496، وقد ذكرا الأسماء والانتماء والعدد، وانظر: ابن سعد- الطبقات 2/ 70.
(7)
ابن هشام- السيرة 2/ 224، ابن سعد- الطبقات 2/ 68، وانظر: الطبري- تاريخ 3/ 48.
(8)
ابن هشام- السيرة 2/ 229- 230، الواقدي- المغازي 2/ 481- 2، ابن كثير- البدآية 4/ 113.
(9)
ابن سعد- الطبقات 2/ 71، البيهقي- دلائل النبوة 3/ 406.