الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ما المراد من العائد، وما الفرق بينه وبين
الربح
؟:
عائد الاستثمار:
هو ربح الاستثمار المشروع الذي يوزع من باقي الربح على الأعضاء المستثمرين - بعد احتجاز الاحتياطي ومايخصص للخدمات العامة - بنسبة المعاملات التي أبرمها كل منهم مع المصرف (البنك) أو الجمعية التعاونية (1).
إن القدر المخصص لفئة من المستثمرين يوزع بينهم بنسبة تعاملهم مع البنك الإسلامي، وهذا التعامل امتزاج بين المال المودع بالبنك لاستثماره، وبين الزمن، أي المدة التي ظل فيها المال مستثمراً بالبنك.
ويكون التوزيع العادل لحصة المستثمرين فيما بينهم على أساس حواصيل ضرب المبالغ المستثمرة في المدد التي بقيت في الاستثمار، وهذه الحواصل هي المتعارف عليها في أعمال البنوك باسم (النِّمر) أو الأعداد.
وعائد الاستثمار يحدث بسبب الاستثمار التعاقدي للنقود وهو المضاربة (أو القراض) وغيرها كالمرابحة للآمر بالشراء. والمقصود المضاربة المشتركة كنظام جماعي للاستثمار.
أما الربح: فهو كما قال ابن قدامة: الفاضل عن رأس المال، ومالم يفضل فليس بربح، ولانعلم في هذا خلافاً (2). وكما قال الزيلعي: الربح تابع لرأس المال، فلا يسلم الربح بدون سلامة الأصل (3).
(1) المدخل إلى النظرية الاقتصادية للدكتور أحمد النجّار: ص176.
(2)
المغني: 51/ 5.
(3)
تبيين الحقائق: 67/ 5.
والربح يعتبر بعد الأجر (1) النوع الثاني من الدخول (جمع دخل) التي يقرها الاقتصاد الإسلامي، ويستحق شرعاً لكل من قام بإنفاق عمل في سبيل إنتاج سلعة أو الاتجار بها، سواء كان إنفاق العمل في السابق أو في الحال.
والربح عائد للتنظيم، أي أن رب العمل المنظم الذي يقوم على المشروع يستحق الناتج أو الربح المتأتي من العملية الإنتاجية كعوص عن إسهامه في هذه العملية. وقد يشترك معه آخرون من مديرين وموظفين وعمال. أما رأس المال التجاري فلا يتقاضى أجراً مقابل إسهامه في العملية الإنتاجية، إنما يتقاضى نصيباً في الأرباح مقابل إسهامه في أعباء العملية الإنتاجية، وإذا دفعه صاحب رأس المال إلى غيره ليتجر به، تحمل وحده الخسارة، وإذا حدث ربح يقتسم بين صاحب رأس المال التجاري وبين العامل المنظِّم بالنِّسَب المتفق عليها (2).
ودور المنظِّم في التوصل للربح إما أن يكون في مال الإنسان الخاص، فيكون صافي الناتج من المشروع الذي نهض به (عمل + تنظيم) وإما أن يكون في مال الغير من طريق الشركة، ومنها المضاربة (3).
إن الحصول على الربح يكون إذن إما بالأجر أو من طريق المغامرة بالدخول في عمل غير مضمون العائد، بدلاً من العمل بأسلوب الأجر التعاقدي. وإذا فعل ذلك وحصل على رأس مال نقدي أو عيني من شخص آخر، أو من مؤسسة من المؤسسات، على أساس اقتسام الربح، فإنه في هذه الحالة يسمى (منظِّماً) أو مستحدثاً. ويمكن اشتراك العمال في شراكة في عمل واحد كالخياطة أو الغسيل أو
(1) الأجر يعتبر النوع الأول من الدخول، وهو مكافأة العامل مقابل إسهامه في العملية الإنتاجية (عنصر العمل) أو مكافأة عنصر الطبيعة المملوك ملكية خاصة كالأرض، وعنصر رأس المال.
(2)
اقتصادنا في ضوء القرآن والسنة للدكتور حسن أبو يحيى: ص214.
(3)
النظرية الاقتصادية في الإسلام للأستاذ أحمد نعمان: ص256 ومابعدها.
غير ذلك، ثم يقتسمان صافي الربح بطريقة يتفقان عليها، كما يمكن للمتخصصين من محامين ومهندسين وأطباء وغيرهم التجمع في مؤسسة تقدم الخدمات الاستشارية ليقتسموا أيضاً الأرباح على وفق نسب متفق عليها. ويختلف هذا النوع من الدخول عن الأجور؛ لأن الحصول عليه لايتم عن طريق التعاقد الثابت، فهو أقرب في طبيعته إلى الربح، لاشتماله على احتمال الخسارة (1).
ويشترك عائد الاستثمار والربح في أغلب الخصائص والضوابط، فإن كلاً منهما غير مضمون، بعكس الفائدة الربوية فإنها مضمونة، وقد يصبح عائد الاستثمار مضموناً كله لرب المال في حال دفع العامل المضارب رأس المال كله أو بعضه إلى مضارب ثان، والعمل به عند الحنفية، أو في حال خلط مال المضاربة بمال المضارب نفسه أو بمال قراض (مضاربة) عنده؛ لأن المضاربة تكون حينئذ فاسدة. وفي حال فساد المضاربة يكون الربح كله لرب المال، وللعامل أجر المثل عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة)(2). ويزول فساد المضاربة المشتركة بإذن المودعين المستثمرين في خلط أموالهم مع غيرها، كما هو حاصل الآن في هذه المعاملة.
ويرد العامل عند المالكية (3) في جميع أحكام المضاربة الفاسدة إلى قراض مثله في الربح والخسارة في أحوال معدودة (4)، وله أجر مثل عمله في غيرها من
(1) بحث الدكتور محمد نجاة صدّيقي في مجلة الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز: ص133.
(2)
المبسوط: 22/ 22، البدائع: 108/ 6، تكملة فتح القدير 58/ 7، مختصر الطحاوي: ص124، مجمع الضمانات: ص311، مغني المحتاج 315/ 2، غاية المنتهى: 179/ 2.
(3)
الشرح الكبير للدردير 519/ 3 ومابعدها، الخرشي: 205/ 6 - 208، بداية المجتهد: 240/ 3، القوانين الفقهية: ص282.
(4)
أهم هذه الحالات: حالة القراض بالعروض، وحالة جهالة الربح دون وجود عادة يحتكم إليها، وحالة توقيت القراض كسنة مثلا، وإضافة القراض للمستقبل، وحالة اشتراط ضمان رأس المال على العامل، وحالة الاختلاف بين العاقدين بعد العمل على جزء الربح. وأهم حالات وجوب أجرة المثل في ذمة رب المال سواء حصل ربح أم لا: وقوع القراض بدين لرب المال على العامل قبل قبضه منه، أو بوديعة له عند العامل، واشتراط يد رب المال مع العامل في البيع والشراء والأخذ والعطاء، واشتراط مشاورته عند البيع والشراء، أو اشتراط أمين مع العامل يراقبه، أو مشاركة الغير في مال القراض أو خلط أموال المضاربة.
الحالات. فإذا حدث ربح في الأحوال المعدودة يثبت حق المضارب في الربح نفسه، لا في ذمة رب المال، حتى إذا هلك المال، لم يكن للمضارب شيء، وإذا لم يكن ربح فلا شيء له.
والفرق عند المالكية بين قراض المثل وأجره المثل: أن الأجرة تتعلق بذمة رب المال، سواء كان في المال ربح أو لم يكن، وقراض المثل: هو على سنة القراض، إن كان فيه ربح كان للعامل منه، وإلا فلا شيء له (1).
ويشترط في عائد الاستثمار والربح كون كل منهما معلوم القدر، وجزءاً شائعاً من الجملة، والربح حينئذ بالمقاسمة بحسب الاتفاق، فإذا كان هناك جهالة في المقدار، فسد العقد، وإذا شُرط ربح أو عائد مقطوع لأحد العاقدين، مثل كل شهر كذا درهماً فسد العقد أيضاً، وإذا لم يكن ربح، فصاحب المال عطّل ماله، والعامل خسر جهده (2).
والفرق بين الربح وعائد الاستثمار يظهر في حال قسمة الربح، والأمر يختلف بين المضاربة الخاصة، والمضاربة المشتركة، ففي حال المضاربة الخاصة: لايكون الربح إلا بعد تنضيض رأس المال (أي تحويله من أعيان إلى نقود) وذلك
(1) بداية المجتهد: 241/ 2، المقدمات الممهدات: 14/ 3.
(2)
البدائع: 85/ 6، تبيين الحقائق: 55/ 5 ومابعدها، الدر المختار: 505/ 4، الخرشي: 209/ 6، بداية المجتهد: 234/ 2، مغني المحتاج 313/ 2، المهذب 385/ 1، المغني: 30/ 5، نهاية المحتاج: 162/ 4.
لايتم إلا بعد التصفية الكاملة للعملية، ووجود الربح الفعلي، والغاية من ذلك: هي أن يعود رأس المال نقوداً كما كان، حتى يتمكن رب المال من استرداد رأس ماله أولاً، ثم تجري قسمة الربح المتبقي بعد ذلك الاسترداد؛ لأن الأصل في الربح أنه وقاية لرأس المال، فلا ربح إلا بعد سلامة رأس المال لصاحبه.
أما عائد الاستثمار فيكون بسبب الاستثمار الجماعي المشترك أو المضاربة المشتركة، وهذا الاستثمار يقوم على فكرة استمرار الاستثمار من ناحية، وإجراء توزيع للأرباح في فترات دورية من الناحية الأخرى، حيث يتعذر إجراء التصفية الكلية في نهاية كل فترة يوزع فيها الربح على المستثمرين. ويكون المضارب المشترك بمثابة الأجير المشترك، والمضاربة المشتركة مستمرة بطبيعتها لاتتوقف أو تصفى إلا إذا صفّي العمل بكامله.
ولامجال للقول بالربح المقدر أو المفترض لمعرفة عائد الاستثمار، مع استمرار المضاربة المشتركة؛ لأن الربح لايستقر إلا بالقسمة، والقسمة لاتصح إلا بعودة رأس المال نقوداً كما كان، لكي يقبضه المضارب المشترك الذي هو ممثل المالك بالنسبة للمضاربين.
واستمرار المضاربة إلى أجل غير محدد يلجئنا إلى أن نجري القسمة سنوياً كما تفعل الشركات المساهمة، بقصد تحقيق نوع من الانتظام، وإيجاد طريقة لتأدية عائد دوري للمستثمرين في مواعيد محددة. ففي نهاية كل عام تحصى الأرباح المتحققة حتى يجري تقسيمها بنسبة الأموال المخصصة للاستثمار، سواء أكانت أموالاً للمستثمرين وحدهم، أم كانت مشتركة بينهم وبين المضارب المشترك الذي هو المصرف اللاربوي أو أية مؤسسة مالية عاملة في مجال الاستثمار بهذا الأسلوب الجديد (1).
(1) تطوير الأعمال المصرفية للدكتور سامي حمود: ص424 - 425، 453 - 455.
وحساب عائد الاستثمار على هذا النحو يجعله مختلفاً عن حساب الربح الفعلي في المضاربة الخاصة.
والخلاصة: إن عائد الاستثمار نوع خاص من الربح، له طريقة حسابية معينة تختلف عن الطريقة العادية في حساب الربح من المضاربة الخاصة القائمة بين رب المال والعامل المضارب، تعتمد على استثمار النقود على أساس تعاقدي بين من يملك مالاً، وبين من يعمل في ذلك المال. وإنما تعتمد على المضاربة المشتركة كنظام جماعي للاستثمار وهي تختلف عن المضاربة الخاصة في أشخاصها، باعتبار أن المضاربة الخاصة - وإن تعدد الأشخاص المتعاملون فيها - مقصورة على علاقة ثنائية بين مالك المال والعامل فيه، أما المضاربة المشتركة فإنها تضم ثلاث علاقات مترابطة، تمثل مالكي المال، والعاملين فيه وهم جماعة المضاربين، والجهة الوسيطة بين الفريقين لتحقيق التوافق والانتظام في توارد الأموال، وإعطائها للراغبين من الفريق الثاني للعمل فيها بالمضاربات المعقودة مع كل منهم على انفراد. كما تنفرد المضاربة المشتركة - كنظام جماعي - بعدد من المزايا يتعذر تحقيقها في نطاق المضاربة الخاصة ومايذكر فيها من قيود، مجملها مباراة النظام المصرفي الحديث في تجميع المدخرات واستثمارها، حيث لا حاجة للبحث في السوق عن شخص أمين مستقيم خبير بالتجارة الرابحة، ويستطيع المستثمر استرداد نقوده المستثمرة قبل إجراء التصفية والمحاسبة، ويجد المضاربون لدى المضارب المشترك - كما يجد المقترضون عند المصرف الحديث - استعداداً لتلبية طلباتهم من غير تعرض لحساسيات وانفعالات شخصية يتعرضون لها في حال المضاربة الخاصة مع المستثمرين المنفردين (1).
(1) تطوير الأعمال المصرفية للدكتور سامي حمود: ص434 - 437.