الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلف العلماء في توبة الزنديق، فقال العترة من الزيدية، وأبو حنيفة ومحمد والشافعي: تقبل توبة الزنادقة ولا يقتلون؛ لعموم قوله تعالى: {قل للذين كفروا: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال:38/ 8].
وقال مالك وأبو يوسف والجصاص: لا تقبل توبتهم، فإذا عثر على الزنديق قتل ولا يستتاب، ولا يقبل منه ادعاء التوبة إذ يعرف منه عادة التظاهر بالتوبة تقيه، بخلاف ما يبطنه، واستثنى الإمام مالك من جاء تائباً قبل ظهور زندقته فتقبل توبته (1).
والمفتى به في مذهب الحنفية أن الزنديق إذا أخذ قبل توبته ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل، ولو أخذ بعدها قبلت (2).
قال صاحب البحر الزخار الزيدي: لكن الأقرب العمل بالظاهر، وإن التبس الباطن لقوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في قتل منافق:«أليس يشهد أن لا إله إلا الله» (3).
4 - توبة المبتدع:
المبتدع: هو الذي أحدث شيئاً في الإسلام ليس منه، ولم يكن عليه الصحابة والتابعون ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي. أو هو كل من قال قولاً خالف فيه اعتقاد أهل السنة والجماعة (4).
فإذا كان ببدعته منكراً لما علم بالتواتر والضرورة (أي البداهة) من الشريعة، فهذا كافر ببدعته، كالمجسمة أو المشبهة، الذين شبهوا معبودهم بإنسان له جسم محدود بسبعة أشبار بشبر نفسه، أو الذين ألهوا أحداً من البشر.
(1) البحر الزخار: 207/ 5، القوانين الفقهية: ص 365.
(2)
الدر المختار ورد المحتار: 324/ 3.
(3)
روى الحديث مسلم عن المقداد بن الأسود.
(4)
التعريفات للجرجاني: ص 37، رد المحتار: 201/ 3.
وأما إن كان المبتدع لا يكفر ببدعته، فهو ضال فاسق كأهل البدع والأهواء المخالفين لأهل السنة أو سيرة السلف الصلاح في بعض المسائل الاعتقادية، مثل القدَرية القائلين بخلق الإنسان أفعال نفسه، والخوارج الذين كفروا علياً ومعاوية وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الصحابة.
وتوبة المبتدع تكون بالتخلص من بدعته والتزام العقيدة الحقة، ولا مانع من قبول توبته وإن كان
كافراً، لأن العقل يجوز ذلك، وظاهر الشرع وعموم الآيات القرآنية يدل على إمكان قبول توبة الكفار والمشركين (1).
والخلاصة: إن قبول التوبة في عالم الآخرة مشروط بعدم الإصرار على المعصية، وعدم التلاعب بالإسلام. وعدم البقاء على الكفر قبل الموت وذلك هو ما يشير إليه القرآن الكريم في الآيات الثلاث الآتية:
1 -
{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا، وهم يعلمون} [آل عمران:135/ 3].
2 -
{إن الذين آمنوا ثم كفروا، ثم آمنوا ثم كفروا، ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم، ولا ليهديهم سبيلاً} [النساء:4/ 137]. {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} [آل عمران:90/ 3].
3 -
{إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار، فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به} [آل عمران:91/ 3] و [البقرة:161/ 2].
(1) الاعتصام للشاطبي: 271/ 2.