الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن لم يكن سلطان للآمر على المأمور، فقال مالك والشافعي وأحمد (1): يقتص من المباشر المأمور، ويعزر الآمر.
وأما إذا كان للآمر سلطان على المأمور أي المباشر، كسلطة الأب على ولده الصغير، وسلطة الحاكم على من هو تحت إمرته، بحيث يخاف المأمور أن يقتله الآمر لو لم يطع أمره، فيقتص عند مالك (2) من الآمر والمأمور معاً؛ لأن الأمر في هذه الحالة يعتبر إكراهاً.
وقال الشافعية والحنابلة (3): إن علم المأمور أن القتل بغير حق، فيقتص من المأمور المباشر؛ لأنه غير معذر في فعله، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (4)، ويعزر الآمر بالقتل ظلماً لارتكابه معصية. وإن لم يعلم المأمور أن القتل بغير حق، فالقصاص على الآمر؛ لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الإمام في غير معصية، والظاهر من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق.
وعند أبي حنيفة (5): لا قصاص على الآمر إلا إذا كان مُكرِهاً، كما لا قصاص على المأمور إذا كان الأمر صادراً ممن يملكه؛ لأن الأمر أو الإذن شبهة تدرأ القصاص، فإن كان الأمر صادراً ممن لا حق له فيه، فعلى المأمور القصاص.
التسميم:
التسميم: تسبب لقتل النفس، فلا يوجب القصاص عند الحنفية (6). فإن
(1) المراجع السابقة.
(2)
بداية المجتهد: 389/ 2.
(3)
المهذب، كشاف القناع، المرجعان السابقان، والمكان السابق.
(4)
رواه الحاكم وأحمد في مسنده عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري.
(5)
البدائع: 236/ 7.
(6)
الدر المختار: 385/ 5، تبيين الحقائق: 101/ 6.
دس شخص لآخر السم في طعام أو شراب، فأكله أو شربه ولم يعلم به، ومات منه، فلا قصاص عليه، ولا دية، لكن يلزمه الاستغفار والحبس والتعزير، لارتكابه معصية بتسببه لقتل النفس، وتغريره بالمجني عليه.
أما في حالة الإكراه على تناول السم، كأن أوجر (صب في الحلق) شخص السم في حلق آخر على كره منه، أو ناوله إياه وأكرهه على شربه حتى شرب، فالفعل قتل شبه عمد؛ لأنه حصل بما لا يجرح، فلا قصاص فيه عند أبي حنيفة، وإنما تجب الدية على عاقلته (أهل ديوانه أو حرفته أو
نقابته) (1).
والتسميم أو تقديم مسموم عند المالكية (2) موجب للقصاص، إن مات متناوله، وكان مقدمه عالماً بأنه مسموم، وإلا فلا شيء عليه لأنه معذور، كما لا شيء على مقدِّمه إن علم المتناول بسميته؛ لأنه يكون حينئذ قاتلاً لنفسه.
وكذلك يعتبر التسميم عند الحنابلة (3) قتلاً عمداً موجباً للقصاص إذا كان مثله يقتل غالباً، لأن التسميم يتخذ كثيراً طريقاً إلى القتل، فيوجب القصاص، وبدليل أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم وبشر بن البراء بن معرور، فلما مات بشر، أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترفت، فأمر بقتلها (4).
وعند الشافعية (5): يعد تسميم الصبي غير المميز (دون السابعة) والمجنون قتلاً عمداً موجباً للقصاص، وكذلك يجب القصاص إن سقى السم بالغاً عاقلاً مكرَهاً، فمات، لأنه سبب يقتل غالباً.
(1) وأما على رأي الصاحبين، فمن الفقهاء من قال: إنه قتل شبه عمد عندهما أيضاً، ومنهم من قال: عندهما تفصيل: إن كان ما أوجر من السم مقداراً يقتل مثله غالباً فهو عمد، وإلا فخطأ العمد.
(2)
الشرح الكبير مع الدسوقي: 244/ 4.
(3)
المغني: 643/ 7، كشاف القناع: 591/ 5 وما بعدها.
(4)
رواه أبو داود عن أبي هريرة. وانظر سيرة ابن هشام: 338/ 2.
(5)
مغني المحتاج: 6/ 4، المهذب: 176/ 2.