الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بد من المشاركة في نواحي الحياة الأخرى من تربية وتعليم، وممارسة أصول الحياة السياسية والمدنية كالحرية والكرامة والعدالة والشورى وتكافؤ فرص الحياة السياسية.
ثانياً ـ الملكية الخاصة ووظيفتها الاجتماعية:
1) ـ إقرار الملكية الفردية:
أوضحت سابقاً أن الإسلام يقر الملكية الفردية ويحترمها، تجاوباً مع فطرة الإنسان وغريزة التملك والاقتناء، فطلب الغنى ليس محرماً في ذاته، ولكن يشترط أن يتخذ الإنسان وسائل الكسب المشروعة له، ومن أهمها وأشرفها العمل، ومن أفضل الأعمال إحياء الأرض الموات التي لا مالك لها واستثمارها.
وإذ يجيز الإسلام التملك بدون عمل عن طريق الإرث أو الوصية أو الهبة، فما ذلك إلا لأن الوارث امتداد لشخصية المورث، وأما الوصية أو الهبة ونحوهما من التبرعات فهي أثر لحرية الإنسان في التصرف، وتشجيع على أعمال البر والخير وعمل المعروف الذي يدعم فريضة الزكاة، ويغطي نواحي الحاجة والنقص أو الحالات التي لا تصرف فيها الزكاة، مع توافر بعض المقتضيات الإنسانية لها.
2) ـ قيود الملكية:
عرفنا أيضاً أن إقرار الملكية الخاصة ليس بصفة مطلقة، وإنما هي مقيدة بقيود كثيرة تجعل للملكية وظيفة اجتماعية وطابعاً إنسانياً كريماً. وهذه القيود منها عام يرتبط بالنظام الإلهي العام للإسلام كتحريم المعاملات الربوية أو القمار أو الاتجار بالخمر وسائر ما حرمه الله، ومنها خاص يمس النشاط الفردي ويجعله ذا طابع أو اتجاه اشتراكي معتدل، كتحريم الاستغلال الممنوع والاحتكار والغش، وكراهية تكدس الثروات المالية.
وتحريم الاستغلال شامل استغلال رب العمل فقر العامل فيظلمه، واستغلال التاجر حاجة المستهلك، فيغلي قيمة السلعة، أو جهل المنتج أو المصدر، فيشتري بضاعته بثمن بخس (تلقي الركبان)، أو سذاجة البدوي فيبيعه السلعة بأزيد من ثمنها (بيع الحاضر للبادي) واستغلال النفوذ بسبب الولاية أو القرابة أو الحسب والنسب.
والاحتكار محرم لأنه يمنع تداول الثروة، ويؤدي إلى السيطرة والاستغلال، وقد يعطل الاستثمار، كمافي حال احتجار الأرض بغير استثمار مما يوجب سلبها من محتجرها بعد ثلاث سنين، كما تقدم.
وتكدس الثروات المكروه في الإسلام، وإن لم يصل إلى درجة التحريم، فهو ممقوت لا يتفق مع الهدف الأمثل للشريعة، وللدولة أن تتخذ السياسة التي تمنعه، لما يؤدي إليه من ترف وفساد وسيطرة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من إقرار التوازن الاقتصادي بين المهاجرين والأنصار، وسار على نهجه الخلفاء الراشدون، فترك سيدنا عمر الأراضي المفتوحة في العراق والشام ومصر بيد أهلها، ولم يقسمها بين الفاتحين، حتى لا تنحصر الثروة بأيديهم، ولا يبقى شيء لمن يأتي بعدهم، واستدل على صحة فعله الذي وافقه عليه الصحابة بقوله تعالى:{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دُولة بين الأغنياء منكم} الآيات [الحشر:7/ 59 - 10].
وكان النبي حريصاً على عدم اتساع الملكيات الزراعية، فنهى عن كراء الأرض، كما سيتضح في بحثه المخصص له. ويعتبر نظام الإرث في الشريعة من أكبر العوامل على تفتيت الثروة ومنع تركيزها في أيدي فئة قليلة.
وقد أوردت أهم القيود التي تقيد حق الملكية الفردية، والتي تجعلها ذات
وظيفة اجتماعية يمارسها صاحبها لمصلحة المجموع، ودون تمسك بأنها حق مطلق، باعتبار أن المالك الحقيقي للأموال هو الله تعالى، والناس لهم عليها حق الاستخلاف، قال الله تعالى:{وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد:7/ 57] وهذه القيود الشرعية الواردة على الملكية الخاصة: هي ألا تؤدي الملكية إلى الإضرار بالغير، وأن يخرج مالكها منها الزكاة والنفقات الواجبة على الغني الموسر لقريبه المعسر، سواء أكان من الأصول أم الفروع أم الحواشي أم الزوجات. وأن تستخدم الملكية في صالح النفع العام، أي أنه يجوز تحديدها أو انتزاعها من مالكها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك بشرط دفع ثمنها لصاحبها.
وأما إنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن أخذ مال غني بغير رضاه، وأعطي لفقير، فذلك صحيح، لا يتنافى مع مبدأ مشروعية التأميم في أحوال استثنائية فقط؛ لأن واقع المجتمع قد تغير عما كان عليه حال المسلمين في صدر الإسلام، فقد كان أغنياء المسلمين يبذلون أموالهم في سبل الخيرالعامة عن طواعية واختيار، عملاً بما ندبهم إليه الإسلام ورسوله، والقيام بالواجب بدافع ذاتي أفضل وأكرم بلا شك من القهر عليه.
واشتكى أحد الولاة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله من تكدس الأموال في بيت المال، دون أن يجد فقيراً يعطيه، فأمر عمر بصرفه في قضاء ديون الغرماء المدينين، وكان الفقراء يتعففون من أخذ الزكوات، حتى نشأت مشكلة البحث عنهم في عهد عمر بن الخطاب، مما اضطره إلى إحداث نظام الخفراء (أو العَسس) في الليل للبحث عن المحتاجين لإعطائهم حقهم من بيت المال.
وبما أنه قد تغيرت ظروف المجتمع اليوم، وساءت أحوال المسلمين وضنَّ الناس بما عندهم وقصروا في أداء واجبهم، فلا مانع من اتخاذ بعض الإجراءات