الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دبغ الجلد، فإن الدباغ يطهره، ولقوله عليه السلام:«خير خلكم خل خمركم» (1) وقوله أيضاً: «نعم الإدام الخل» ولم يفصل بين تخلل الخمر بنفسها والتخليل، ولأن التخليل يزيل الوصف المفسد، ويجعل في الخمر صفة الصلاح، والإصلاح مباح.
وإذا صارت الخمر خلاً يطهر ما يجاورها من الإناء، ويطهر أعلى الإناء إذا غسل بالخل. وقيل: يطهر تبعاً، وهو المفتى به (2).
وقال الشافعي: لا يحل التخليل بالعلاج، ولا تطهر الخمر حينئذ، لأننا مأمورون باجتنابها، فيكون التخليل اقتراباً من الخمر على وجه التمول، وهو مخالف للأمر بالاجتناب، ولأن الشيء المطروح في الخمر يتنجس بملاقاتها، فينجسها بعد انقلابها خلاً (3).
وإذا نقلت الخمر من الظل إلى الشمس أو بالعكس، فتخللت، تحل عند الجمهور، وكذا عند الشافعية في الأصح.
المبحث الرابع ـ أحكام الأشربة المسكرة غير الخمر:
هذه الأشربة ثلاث فئات:
الفئةالأولى ـ غير المطبوخ غالباً: وهو السَّكَر والفضيح النيء والباذق المطبوخ ونقيع الزبيب والتمر من غير طبخ:
(1) رواه البيهقي في المعرفة عن جابر وقال: تفرد به المغيرة بن زياد، وليس بالقوي. ويلاحظ أن أهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر (راجع نصب الراية: 311/ 4).
(2)
المبسوط: 7/ 24، البدائع: 113/ 5 وما بعدها، نتائج الأفكار: 166/ 8، حاشية ابن عابدين: 320/ 5.
(3)
حاشية قليوبي وعميرة على شرح الجلال المحلي على المنهاج للنووي: 72/ 1.
أي نقيع التمر إذا اشتد وقذف بالزبد أو الذي طبخ من ماء العنب، فذهب أقل من ثلثيه، ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد بغير طبخ، فهذه هي الفئة الأولى التي يتعلق بها الأحكام التالية (1):
1 -
يحرم شرب قليلها وكثيرها باتفاق العلماء، لقوله عليه السلام:«الخمر من هاتين الشجرتين» (2). وأشار إلى النخلة والعنبة، وهذه الفئة إما من التمر أو من العنب، ولأنه إذا ذهب أقل من الثلثين بالطبخ، فالحرام فيه باق، وهو مازاد على الثلث.
2 -
لا يكفر مستحلها، ولكن يضلل؛ لأن حرمتها دون حرمة الخمر، لثبوتها بدليل غير مقطوع به من أخبار الآحاد، وآثار الصحابة رضي الله عنهم.
3 -
لا يحد عند الحنفية بشرب قليلها، وإنما يجب الحد بالسُّكر منها؛ لأن نص الحديث السابق:«والسَكَر من كل شراب» حرم السكر وجعله كحرمة الخمر، والمعاني التي حرم من أجلها الخمر في قوله تعالى:{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون} [المائدة:91/ 5] هذه المعاني تحصل بالسكر من كل شراب. لهذا قال علي رضي الله عنه: «فيما أسكر من النبيذ ثمانون، وفي الخمر قليلها وكثيرها ثمانون» .
4 -
مقدار الحد: ثمانون جلدة عند الجمهور كما عرفنا، وأربعون جلدة عند الشافعية.
(1) البدائع: 114/ 5 وما بعدها، نتائج الأفكار: 158/ 8 وما بعدها، المبسوط: 4/ 24.
(2)
أخرجه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة أي الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة» (راجع نصب الراية: 295/ 4، نيل الأوطار: 172/ 8).
5 -
يحرم التداوي بها، سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن التداوي بالمسكر، فقال:«إن الله تبارك وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» (1).
6 -
يجوز بيعها عند أبي حنيفة مع الكراهة، ويضمن متلفها؛ لأن البيع مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه، وهذه الأشربة مرغوب فيها، إلا أن الخمر مع كونها مرغوباً فيها لا يجوز بيعها بنص الحديث السابق:«يا أهل المدينة، إن الله تبارك وتعالى قد أنزل تحريم الخمر، فمن كتب هذه الآية، وعنده شيء منها، فلا يشربها ولا يبيعها» والنص ورد في الخمر، فيقتصر على مورد النص.
وأيضاً لأن الأخبار تعارضت في هذه الأشربة في الحل والحرمة، قال أبو حنيفة بحرمة شربها احتياطاً، ولكن لا تبطل ماليتها احتياطاً؛ لأن الاحتياط لايجري في إبطال حقوق الناس.
وقال الصاحبان: لا يجوز بيعها أصلاً، ولا يضمن متلفها، لعدم كونها مالاً متقوماً؛ لأن المال المتقوم: هو ما يباح الانتفاع به حقيقةً وشرعاً، وهي لا يباح الانتفاع بها.
7 -
في نجاستها روايتان عن أبي حنيفة: رواية راجحة تعتبر نجاستها مغلظة كنجاسة الخمر؛ لأنه يحرم شرب قليلها وكثيرها، فلا يعفى عنها أكثر من قدر
(1) رواه عبد الرزاق والطبراني في معجمه وابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: «إن الله لم يكن ليجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» وذكره البخاري تعليقاً عن ابن مسعود، وأخرجه البيهقي وابن حبان وصححه، وأخرجه أيضاً أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم، وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام» وروى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان عن وائل بن حجر أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، قال:«إنه ليس بدواء، ولكنه داء» (راجع نصب الراية: 299/ 4، التلخيص الحبير: ص 359، مجمع الزوائد: 72/ 5، نيل الأوطار: 203/ 8، سبل السلام: 36/ 4).