الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأن يضجعه فيذبحه، أو يبقر بطنه أو يقطع أعضاءه، فيقتل به لعموم القصاص بين المسلمين. فلو ضربه بقصد التأديب، أو في حالة غضب، أو رماه بسيف أو عصا، فقتله لا يقتل به.
واتفق الفقهاء على أنه يقتل الولد بقتل والده، لعموم القصاص وآياته الدالة على وجوبه على كل قاتل، إلا ما استثني بالحديث السابق (1).
وعلة التفرقة بين الأب والابن في هذا الحكم: هو قوة المحبة التي بين الأب والابن، إلا أن محبة الأب غير مشوبة بشبهة مادية بقصد انتظار النفع منه، فتكون محبته له أصيلة لا لنفسه، فتقتضيه بالطبيعة الحرص على حياته. أما محبة الولد لأبيه فهي مشوبة بشبهة انتظار المنفعة؛ لأن ماله له بعد وفاة أبيه، فلا يحرص عادة على حياته، فتكون محبته لنفسه، فقد يقتله.
التكافؤ:
3 -
اشتراط الجمهور (غير الحنفية)(2) أن يكون المقتول مكافئاً للقاتل في الإسلام والحرية، فلا يقتل قصاصاً مسلم بكافر، ولا حر بعبد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقتل مسلم بكافر» (3) وقوله: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يقتل مؤمن بكافر» (4) وقوله عليه الصلاة والسلام في العبد: «لا يقتل
(1) المراجع السابقة.
(2)
الشرح الكبير للدردير: 238/ 4، 241، بداية المجتهد: 391/ 2، القوانين الفقهية: ص 345، مغني المحتاج: 16/ 4، المهذب: 173/ 2، المغني: 652/ 7، 658، كشاف القناع: 609/ 5.
(3)
رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ورواه أحمد والبخاري وأصحاب السنن إلا ابن ماجه من حديث أبي جحيفة.
(4)
رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث علي رضي الله عنه.
حر بعبد» (1) وقول علي رضي الله عنه: «من السنة ألا يقتل حر بعبد» (2).ولم يشترط الحنفية (3) التكافؤ في الحرية والدين، وإنما يكفي التساوي في الإنسانية، لعموم آيات القصاص بدون تفرقة بين نفس ونفس، مثل قوله تعالى:{كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة:178/ 2] وقوله سبحانه {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة:45/ 5] ولعموم حديث «العمد قَوَد» وصوناً لحق الحياة، وتحقيق ذلك في قتل المسلم بالذمي أبلغ منه في قتل المسلم بالمسلم، لما بينهما من العداوة الدينية، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد مؤمناً بكافر، وقال:«أنا أحق من وفى بذمته» (4)، ولأن العبد آدمي معصوم الدم فأشبه الحر، والقصاص يتطلب فقط المساواة في العصمة.
وأما المراد من قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة:178/ 2] بعد قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة:178/ 2] فاختلف فيه الفقهاء، فقال الحنفية: المراد به الرد علي ما كان يفعله بعض القبائل، من أنهم يأبون أن يقتلوا في عبدهم إلا حراً، وفي امرأتهم إلا رجلاً، على ما جاء في حديث الشعبي، فأبطل ما كان من الظلم، وأكد فرض القصاص على القاتل دون غيره، فليس في الآية دلالة على أنه لا يقتل الحر بالعبد أو أنه لا يقتل الرجل بالمرأة. وقال الجمهور: إن الله قد أوجب المساواة في القصاص، ثم بيَّن المساواة المعتبرة، فبين أن الحر يساويه الحر، والعبد يساويه
(1) رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً.
(2)
رواه الإمام أحمد بإسناده عن علي، وأخرجه البيهقي.
(3)
البدائع: 237/ 7، تبيين الحقائق: 102/ 6 وما بعدها.
(4)
رواه الدارقطني في سننه عن ابن عمر من طريق عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف. وروي مرسلاً عند محمد بن الحسن، والشافعي وعبد الرزاق وأبي داود من طريق البيلماني.
العبد، والأنثى تساويها الأنثى، لكن جاء الإجماع على أن الرجل يقتل بالمرأة. فمناط الاستدلال عندهم كلمة {القصاص} الموجبة للمساواة والمماثلة في القتل، ومناط الاستدلال عندالحنفية كلمة {القتلى} الموجبة حصر القصاص في القاتل، لا في غيره.
وأما حديث «لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده» فمعناه عند الحنفية أنه لا يقتل المسلم والمعاهد بكافر حربي؛ لأن المراد بالكافر هو الحربي بدليل جعل الحربي مقابلاً للمعاهد؛ لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهداً مثله من الذميين إجماعاً، فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربي، كما قيد في المعطوف؛ لأن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقاً، ويكون التقدير: لا يقتل مسلم بكافر حربي ولا ذو عهد بكافر حربي؛ لأن الذمي أو المعاهد إذا قتل ذمياً قتل به، فعلم أن المراد به: الحربي، إذ هو الذي لا يقتل به مسلم ولا ذمي. ولا يقال كما يرى الجمهور، معناه: لا يقتل ذو عهد مطلقاً، أي لا يحل قتله، بمعنى أنه يصبح كلاماً مستأنفاً مبتدأ به؛ لأن المراد من الحديث نفي القتل قصاصاً، لا نفي مطلق القتل، فيكون المعطوف مثل المعطوف عليه.
وأيد الحنفية قولهم بالقياس أيضاً وهو أن يد المسلم تقطع إذا سرق مال الذمي فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم، فحرمة دمه كحرمة دمه.
لكن رد الجمهور على أدلة الحنفية بأن حديث «أنا أحق من وفى بذمته» ضعيف. وتوجد شبهة في إباحة دم الذمي، بسبب الكفر المبيح للدم، ولا قصاص مع الشبهة. وحديث «ولا ذو عهد في عهده» كلام تام لا يحتاج إلى تقدير، وهي جملة مستأنفة، لبيان حرمة دماء أهل الذمة والعهد بغير نقض، ولو سلمنا أنها للعطف، فالمشاركة في أصل النفي لا من كل وجه، فلو سلمنا تقدير الحربي في