الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (1).
وحد القذف مشروع بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون} [النور:4/ 24].
سبب وجوبه: يجب الحد بسبب القذف بالزنا؛ لأنه نسبة إلى الزنا، تتضمن إلحاق العار بالمقذوف، فيجب الحد دفعاً للعار عنه، وصيانة لسمعته (2).
مقداره: حد القذف مقدر بثمانين جلدة بنص الآية السابقة، ويضم إليه عقوبة أدبية أخرى هي رد الشهادة والتفسيق، فلا تقبل شهادته بعدئذ إلا إذا تاب في رأي غير الحنفية.
المبحث الثاني ـ تعريف القذف لغة وتفسيره شرعا ً:
القذف لغة: هو الرمي بالحجارة ونحوها، ثم استعمل في الرمي بالمكاره لعلاقة المشابهة بين الحجارة والمكاره في تأثير الرمي بكل منهما؛ لأن في كل منهما أذى، فالقذف إذاية بالقول. ويسمى فرية ـ بكسر الفاء ـ كأنه من الافتراء والكذب (3).
وأما في الاصطلاح الشرعي: فهو نسبة آدمي غيره لزنا، أو قطع نسب
(1) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (راجع التلخيص الحبير: ص 355، الإلمام لابن دقيق العيد: ص 518، نيل الأوطار: 252/ 7).
(2)
البدائع: 40/ 7.
(3)
فتح القدير: 190/ 4، حاشية الدسوقي: 324/ 4، مغني المحتاج: 155/ 4، المغني: 215/ 8.
مسلم. وبعبارة أخرى تُخصص المراد هنا: هو نسبة آدمي مكلف غيره، حراً، عفيفاً، مسلماً، بالغاً عاقلاً أو مطيقاً، للزنا، أو قطع نسب مسلم. وهذا التعريف عند المالكية (1).
وقد فسره الحنفية بقولهم: القذف نوعان:
ـ أن يقذفه بصريح الزنا، وما يجري مجرى الصريح، وهو نفي النسب (2).
فالأول: أن يقذفه بصريح الزنا الخالي عن الشبهة، الذي لو أقام القاذف عليه أربعة من الشهود، أو أقر به المقذوف، لزمه حد الزنا.
والثاني: أن ينفي نسب إنسان من أبيه المعروف، فيقول:(لست بابن فلان) أو (هو ليس بأبيك) فيكون قاذفاً، كأنه قال:(أمك زانية).
وبيانه: إذا قال رجل لآخر: يا زاني، أو زنيت، أو أنت زانٍ، يحد؛ لأنه قذفه بصريح الزنا، وكذلك لو قال له:(يا ابن الزاني) أو (يا ابن الزانية) فهو قاذف لأبيه أو أمه.
أما لو قال له: (لست لأمك) فلا يكون قذفاً، إذ أنه كذب محض؛ لأنه نفي النسب من الأم، ونفي النسب من الأم لا يتصور؛ لأن أمه ولدته حقيقة. وكذا لو قال له:(لست لأبويك) لأنه نفي نسبه عنهما، ولا ينتفي عن الأم؛ لأنها ولدته، فيكون كذباً.
(1) انظر حاشية الدسوقي: 324/ 4 وعرفه ابن جزي في القوانين الفقهية: ص 342 بتعريف أوجز: وهو الرمي بوطء حرام من قبل أو دبر أو نفي من النسب للأب (خلاف النفي من الأم) أو تعريض بذلك.
(2)
انظر التفصيل في البدائع: 42/ 7 وما بعدها، المبسوط: 119/ 9 وما بعدها، فتح القدير والعناية: 190/ 4، 202، تبيين الحقائق للزيلعي: 199/ 3 وما بعدها، حاشية ابن عابدين: 185/ 3 وما بعدها.
هذا بخلاف ما لو قال: (لست لأبيك) فهو قاذف لأمه؛ لأن ذلك ليس بنفي لولادة الأم، بل هو نفي النسب عن الأب، ونفي النسب عن الأب يكون قذفاً للأم. ولو قال:(أنت ابن فلان) لعمه أو لخاله، أو لزوج أمه، في غير حال الغضب، لا يكون قذفاً عند الحنفية؛ لأن العم يسمى أباً، وكذلك الخال، وزوج الأم، قال الله سبحانه:{قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل} [البقرة:133/ 2] وإسماعيل كان عم يعقوب عليه السلام، وقد سماه أباً.
وقال جل وعلا عن يوسف عليه السلام: {ورفع أبويه على العرش} [يوسف:100/ 12] قيل: إنهما أبوه وخالته، وإذا كانت الخالة أماً كان الخال أباً، وقال الله تعالى:{إن ابني من أهلي} [هود:45/ 11] قيل في التفسير: إنه كان ابن امرأته من غيره.
فإن كان ذلك في حال الغضب على سبيل الشتم يكون قذفاً.
ولو قال: (لست بابن فلان) لجده، لم يكن قاذفاً؛ لأنه صادق في كلامه حقيقة؛ لأن الجد لا يسمى أباً حقيقة بل مجازاً.
ولو قال لرجل: (يا زانية) لا يجب الحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافاً لمحمد والشافعي. دليل محمد والشافعي: أن الهاء قد تدخل صلة زائدة في الكلام مثل: {ما أغنى عني ماليهْ، هلك عني سلطانيهْ} [الحاقة:28/ 69 - 29] ومعناه مالي وسلطاني، والهاء زائدة، فيحذف الزائد فيبقى قوله:(يا زاني) وقد تدخل الهاء في الكلام للمبالغة في الصفة مثل: علَاّمة ونسابة ونحوهما، فلا يختل به معنى القذف، كما لو قال لامرأة:«يا زاني» يجب الحد بالاتفاق.
ودليل الشيخين: أنه قذفه بما لا يتصور، فيلغو، ودليل عدم التصور أنه قذفه بفعل المرأة وهو التمكين؛ لأن الهاء في الزانية هاء التأنيث كالضاربة والقاتلة والسارقة ونحوها، وهو لا يتصور من الرجل، بخلاف ما إذا قال لامرأة:(يا زاني)؛ لأنه أتى بمعنى الاسم، وحذف الهاء في نعت المرأة لا يخل بمعنى القذف، وهاء التأنيث قد تحذف في الجملة كالحائض والطالق والحامل ونحوها.
فيفهم منه حكم ما لو قال لامرأته: (يا زاني) فإنه يحد بالاتفاق بين الحنفية والشافعية. ولو قال: (يا زانئ) بالهمزة وعنى به الصعود، يحد؛ لأن العامة لا تفرق بين المهموز والملين، وبعض العرب يهمز الملين، فيبقى مجرد النية، فلا يعتبر.
ولو قال: (زنأت في الجبل) وعنى به الصعود، فلا يصدق، ويحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وعند محمد: يصدق ولا يحد.
دليل محمد: أن الزنا الذي هو فاحشة ملين، والزنأ الذي هو صعود مهموز. فإذا قال: عنيت به الصعود، فقد عنى به ماهو موجب اللفظ لغة، فلزم اعتباره.
ودليل الشيخين: أن اسم الزنا يستعمل في الفجور عرفاً وعادة، والعامة لا تفصل بين المهموز والملين، فلا يصدق في الصرف عن المتعارف.
وقال الشافعية (1): إن قال: زنأت في الجبل، فليس بقذف من غير نية؛ لأن الزنأ هو الصعود في الجبل، بدليل قول الشاعر:
وارق إلى الخيرات زنأً في الجبل
(1) المهذب: 273/ 2.