الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوسط الإسلامي، وحينئذ يتهم الشريعة بعدم صلاحيتها للمجتمع المتمدن المعاصر ذي النزعة الفردية المتحيزة لواحد من الناس، ويصف عقوباتها بالقسوة والعنف، أو التنكيل والتعذيب والوحشية في زعمه وتصوره القاصر.
والواقع أن
الادعاء بوجود التعارض والمنافاة بين حقوق الإنسان وبين الحدود الشرعية أمر باطل
للأسباب التالية:
أولاً: إن الله سبحانه وتعالى الذي شرع الحدود في الشريعة الإلهية هو أرحم بعباده وبالناس جميعاً من أنفسهم، وهو أدرى وأعلم بما يصلحهم وينفعهم، ويحقق الخير والنفع والأمن والطمأنينة لهم.
ثانياً: إن الجاني الذي يرتكب جريمة موجبة للحد الشرعي قد خرج عن الحدود الإنسانية الصحيحة، وشذ شذوذاً واضحاً عن معاير الحياة السوية، وطعن المجتمع في أقدس مقدساته، وإن شوهت معالم التقديس في الأوساط الغربية، فأصبح ما يسمى لدينا بالعِرْض مثلاً مفقوداً من المفاهيم الأخلاقية العامة والخاصة عند الغربيين، ومثل هذا المعتدي على حرمات المجتمع الجوهرية بمقتضى النظرة الصحيحة، لم يعد يردعه إلا مثل هذه العقوبة الشرعية المقررة في شرع الله ودينه.
ثالثاً: إن العقوبات البديلة عن الحدود الشرعية في القوانين الوضعية لم تحقق الهدف المطلوب، فانتشرت ظاهرة الجريمة، وكثر المجرمون، وتفننوا في ابتكار عجائب وألوان الإجرام مما لا يكاد يصدّق به عقل.
رابعاً: إن القرآن الكريم واضح الدلالة في الإعلان عن حقوق الإنسان في قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء:70/ 17] وإن الفقهاء المسلمين أشد العلماء حرصاً على رعاية كرامة الإنسان فيما استنبطوه من أحكام شرعية، فقرروا ضوابط كثيرة وشرطوا شرائط عديدة لتطبيق الحدود، وقد عرفنا أنه لا غل ولا
تجريد ولا تصفيد ولا تمثيل في الإسلام، وأن للسجين الحق على الدولة في الغذاء والكساء (1) والمأوى الملائم، ومنع التعذيب الوحشي وغير ذلك من أصول الحفاظ على الكرامة الإنسانية.
خامساً: إن دعاة حقوق الإنسان أخطؤوا حينما رأوا أن تطبيق العقوبة الشرعية بشرائطها وضوابطها وموازينها العادلة يتنافى مع حقوق الإنسان، كما أخطؤوا أيضاً في محاولة الرأفة بشخص معين لذاته، وليس هو في الواقع أهلاً للرأفة، وإنما مراعاة للمصلحة الشخصية، وإهدار مصلحة الجماعة، والاعتداء على المصلحة العامة، وما يؤدي إليه من فقد الأمن والاستقرار، وانتشار ظاهرة القلق والخوف وعدم الاطمئنان على حق الحياة المقدس والحرية والأموال والممتلكات.
والخلاصة: إن العقوبات الشرعية أدوات فعالة في القضاء على الجريمة والمجرمين، ووسائل بناءة نفاذه في نشر الأمن والسلام واستئصال نزعة الإجرام بدليل الفارق الواضح والواقع المرّ الأليم في أرقى دول العالم تحضراً كأمريكا زعيمة العالم الحر وبريطانيا وغيرها، حيث تزداد نسبة الجريمة والاعتداء على الأشخاص والأموال، مما لا يردع المجرمين غير الحكم بشرع الله أحكم الحاكمين وأعدل القضاة.
قال الله تعالى عن القرآن الكريم: {قد جاءكم من الله ِ نورٌ وكتابٌ مبين، يهدي به الله ُ من اتبَّع رضوانَه سبُلَ السلام ويخرجُهم من الظلُمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراطٍ مستقيم} [المائدة:15/ 5 - 16] وقال سبحانه: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتَّبعوه واتقوا لعلكم تُرْحَمون} [الأنعام:155/ 6] وهذا بلا شك يحتاج إلى إيمان برسالة السماء وهدي الله تعالى.
(1) تبيين الحقائق للزيلعي: 182/ 4، ط بولاق سنة 1315 هـ.