الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تؤخذ الدية من فقير من العاقلة ولا امرأة ولا صبي ولا زائل العقل؛ لأن تحمل الدية للتناصر، والمواساة، والفقير لا يقدر على المواساة، وغيره ليس من أهل النصرة.
ومن مات من العاقلة أو افتقر أو جُنَّ قبل آخر الحول لم يلزمه شيء؛ لأنه مال يجب في آخر العام على سبيل المواساة، فأشبه الزكاة.
مصير نظام العواقل في الوقت الحاضر
في رأي متأخري الحنفية:
إن نظام العواقل مستثنى من القاعدة العامة في تحمل كل مخطئ وزر نفسه، ولكن دون أن يلزم العاقلة شيء من ذنب الجاني أخروياً. والسبب في هذا الاستثناء هو مواساة القاتل ومناصرته وإعانته والتخفيف عنه، ودعم أواصر المحبة والألفة والإصلاح بين أفراد الأسرة، والحفاظ على حقوق المجني عليه حتى لاتذهب الجناية عليه هدراً إذا كان القاتل فقيراً، وأغلب الناس فقراء، فكان في ذلك النظام عدالة ومساواة في المجتمع، حتى لا يحرم أحد من التعويض بسبب فقر الجاني. ثم إن هذا النظام فيه تقدير للباعث الذي يشاهد عند القاتل، إذ لولا استنصاره بأسرته واعتماده على قوتهم لتثبت في الأمر ملياً، وصدرت أفعاله عن روية كاملة ووعي تام، لذا اعتبر الفقه الإسلامي أن الجناية الواقعة منسوبة ضمناً إلى كل فرد من أفراد العاقلة، فأوجبت الدية عليهم جميعاً (1). وكان بذل المال من العاقلة بديلاً عن النصرة التي كانت في الجاهلية، حيث كانت القبيلة تمنع الجاني وتحميه كيلا يدنو منه أولياء القتل للأخذ بالثأر.
(1) راجع الجريمة والعقوبة لأستاذنا محمد أبي زهرة: ص 423 ومابعدها، المسؤولية الجنائية لأستاذنا الشيخ محمود شلتوت: ص 38، التشريع الجنائي الإسلامي: 198/ 2 ومابعدها، نظرية الضمان للمؤلف: ص 298.
وبالرغم من كل هذه المزايا، فإن نظام العاقلة كان مناسباً للبيئة التي كانت فيه الأسرة الواحدة متماسكة البنيان، متناصرة فيما بينها على السراء والضراء. أما وإنه قد تفككت الأسر، وتحللت عرى الروابط بين الأقارب، وزالت العصبية القبلية، ولم يعد الاهتمام بالنسب أمراً ذا بال، فلم يبق بالتالي محل لنظام العواقل، لفقدان معنى التناصر بين أفراد الأسرة.
يرشد إليه أن نظام العاقلة تطور ـ في رأي الحنفية ـ من الأسرة إلى العشيرة، فالقبيلة، ثم إلى الديوان، ثم إلى الحرفة (1)(أو النقابة في عصرنا) ثم إلى بيت المال.
وبما أن نظام العشيرة قد زال، وبيت المال قد تغير نظامه، واختلف النظام الاجتماعي عما كان عليه في زمن العرب، وفقدت عصبية القبيلة بعضهم لبعض، وصار كل امرئ معتمداً على نفسه دون قبيلته كما في النظام الحاضر، فإن دية القتل الخطأ أو شبه العمد، أصبحت في زماننا هذا واجبة في مال الجاني وحده، وقد نص عليه الحنفية (2). وهذا موافق لرأي أبي بكر الأصم والخوارج الذين يجعلون الدية على القاتل لا على العاقلة، أخذاً بعموم الآيات والأحاديث التي تقرر مبدأ المسؤولية الفردية أو الشخصية عن الأفعال (3). وهو أيضاً منسجم مع رأي باقي المذاهب الذين قرروا وجوب الدية على الجاني إذا لم توجد له عاقلة ولم يوجد بيت المال.
(1) قال الحنفية: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة (اللباب: 178/ 3).
(2)
الدر المختار ورد المحتار: 456/ 5.
(3)
مذكرة تفسير آيات الأحكام بالأزهر: 123/ 2.