الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أن هذا المبدأ مقيد بالرقابة الحازمة للدولة وإشراف الحاكم على النشاط العام، وتوجيهه وجهة تتمشى مع حفظ المصالح العامة، ومنع الضرر عن الجماعة، حسبما يقدر الاقتصاديون المتخصصون، قال الله تعالى:{ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء:59/ 4] وأولو الأمر: هم الحكام والعلماء المختصون، فما يقرره أهل الخبرة واجب الطاعة لحماية الأمة، وللحفاظ على كيان الدولة، ولتحقيق مبدأ التوازن الاجتماعي الإسلامي على وفق ما تقرره الشريعة.
رابعاً - قيمة العمل ودوره في الحياة الاقتصادية وأثره على أثمان الأشياء:
العمل شرف ومجد وفريضة على كل قادر عليه، ولقد حث الإسلام عليه، وحارب الكسل والخمول والبطالة والتسول؛ لأن الفقر مذلة ومرض اجتماعي خطير، وتنفير الإسلام منه لأنه يضر بالمصلحة العامة، فالأمة قوية بقوة أفرادها، ضعيفة بضعف أبنائها، قال عليه الصلاة والسلام:«كاد الفقر أن يكون كفراً» (1) واعتبر الإسلام العمل هو الوسيلة المفضلة الأغلبية للتملك، وأن لاعمل من غير أجر، وأن الأجر على قدر العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده» (2)، «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» (3)«من أمسى كاَّلا ـ أي متعباً ـ من عمل يده أمسى مغفوراً له» (4)«إن الله يحب العبد المحترف» (5) «طلب الحلال فريضة
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس، وسكت عنه السيوطي.
(2)
أخرجه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: «أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرر» .
(3)
أخرجه أحمد والبخاري عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه.
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما، لكنه ضعيف.
(5)
أخرجه الحكيم الترمذي والطبراني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما، لكنه ضعيف.
بعد الفريضة» (1)«إن من الذنوب ذنوباً لايكفّرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة، يكفرها الهموم في طلب المعيشة» (2)«إن أطيب ماأكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» (3)
…
وقال عمر رضي الله عنه «والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل، فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فإن من قصَّر به عمله لم يسرع به نسبه» وهذه الأحاديث النبوية مستمدة من القرآن الكريم وملتقية معه. قال الله تعالى: {ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا وليوفيهم أعمالهم، وهم لايُظلمون} [الأحقاف:19/ 46]{ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [هود:85/ 11]{فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك:15/ 67]{فابتغوا عند الله الرزق} [العنكبوت:17/ 29].
وعقد النبي صلى الله عليه وسلم موازنة بين العمل والاستجداء فقال: «لأن يأخذ أحدكم حَبْله، فيذهب به إلى الجبل، ثم يأتي به فيحمله على ظهره، فيأكل، خير له من أن يسأل الناس» (4)«لاتزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى، وليس في وجهه مُزْعة لحم» (5)«اليد العليا خير من اليد السفلى» (6)«اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير» (7)«لاتحل الصدقة لغني ولا لذي مِرَّة سوي» (8).
كل هذه الآيات والأحاديث النبوية تدل على تقديس الإسلام للعمل وتقدير
(1) أخرجه الطبراني عن ابن مسعود، لكنه ضعيف.
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن عائشة رضي الله عنها.
(4)
أخرجه أحمد بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(6)
أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو حديث صحيح.
(7)
أخرجه أبو الشيخ ابن حبان وفي مسند الفردوس للديلمي عن أنس رضي الله عنه، لكنه ضعيف.
(8)
أخرجه أبو داود والترمذي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، والمرة: القوي، والسوي: المستوي الخلق، التام الأعضاء.
تأثيره في الحياة الاقتصادية، وإن من حق العمال أن يتقاضوا من الأجور بقدر مايبذلونه من جهود، وبما يتفق مع خبراتهم ومواهبهم، فالكفاية وحدها، والمقدرة وحدها، هما معيار أهلية الفرد، وبذلك كفل الإسلام تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الناس كافة في السعي، والجد المشروع في اكتساب المعاش والتماس الرزق، ولكن لاتشترط المساواة في ثمار هذا السعي؛ لأن الإسلام لايقول بالمساواة في الرزق نفسه، ولايعقل بل من الظلم الفاحش عدم الاعتراف بالتفاوت الفطري بين الأفراد في الإمكانات والمواهب والجهود، قال الله تعالى:{نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} [الزخرف:32/ 43]{والله فضَّل بعضكم على بعض في الرزق} [النحل:71/ 16].
إن العمل في تقدير الإسلام سبب لملكية العامل نتيجة عمله. وتكون القاعدة في الإسلام: (أن العمل سبب الملكية) لا قاعدة (أن العمل سبب لتملك المجتمع لا الفرد) أو قاعدة (أن العمل سبب لقيمة المادة، وبالتالي سبب تملك العامل لها). ويشترك العمل أحياناً مع رأس المال المستثمر في كسب الملكية كما في شركة المضاربة، وكما تقرر نظرية كينز، فالعامل يتملك الربح بسبب عمله في المضاربة ورب المال يستثمر ماله ويشغله، فيكون ربح العامل بسبب جهده، وربح رب المال بسبب رأسماله الذي يحرك عجلة التجارة، كما أن ماله سبب في انتعاش السوق الاقتصادية، وفي ربح العامل بدون مشاركة في الخسارة، وإنما رب المال يتحمل وحده الخسارة التي هي حالة اضطرارية وغير غالبة.
وإذا كان ابن خلدون مؤسس علم الاقتصاد ومن بعده ريكاردو وما ركس واضع نظرية الاشتراكية العلمية يرون أن العمل أساس القيمة، أي أن قيمة السلع والأشياء تتحدد بقيمة العمل الداخل فيها أو ساعات العمل التي بذلت في صنعها، فإن النظرية الإسلامية تجعل قيمة السلعة تتحدد بحسب العرض والطلب