الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما البهائم والجوارح الضارية (أي معتادة الجناية) فيضمن صاحبها مطلقاً ماتتلفه من مال أو نفس لتفريطه.
ضمان الراكب ومن في معناه وحوادث التصادم:
أورد فقهاء الحنفية أمثلة فقهية واقعية لتحديد الضامن في حوادث السير والركوب والتصادم وإتلاف الحيوان، ويمكن معرفة أحكامها في ضوء القواعد الفقهية التالية وهي:
«ما لا يمكن الاحتراز عنه لا ضمان فيه» «يضاف الفعل إلى المتسبب ما لم يتخلل واسطة» ، «المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي» ، «المباشر ضامن وإن لم يتعدّ» ، «إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر» ، تضمين المتسبب والمباشر معاً عند تعدي كل منهما.
أولاً ـ (مالا يمكن الاحتراز عنه لا ضمان فيه):
ومعناها أن كل ما يشق البعد عنه لا يكون سبباً موجباً للضمان، لأنه من الضرورات، ولأن ما يستحق على المرء شرعاً يعتبر فيه الوسع والطاقة. وأما ما يمكن تجنبه أو الاحتياط عنه فيكون سبباً موجباً للضمان.
وبناء عليه (1)، للناس الانتفاع بالمرافق العامة كالطرقات مشياً أو ركوباً بشرط السلامة، وعدم الإضرار بالآخرين بما يمكن التحرز عنه، دون ما لا يمكن التحرز عنه، حتى يتيسر للناس سبيل الانتفاع، ويتهيأ لهم ممارسة حقوقهم وحرياتهم على أساس العدل والأمن والاستقرار.
(1) المبسوط: 103/ 15، 188/ 26 ومابعدها، البدائع: 272/ 7 وما بعدها، تبيين الحقائق: 149/ 6، مجمع الضمانات: ص 47، 165، دررالحكام: 111/ 2 وما بعدها، الدر المختار: 427/ 5 وما بعدها، تكملة فتح القدير: 345/ 8 وما بعدها.
فما تولد من سير الماشي أو الراكب من تلف، مما يمكن الاحتراز عنه، فهو مضمون. وما لا يمكن الاحتراز عنه، فليس بمضمون، إذ لو جعلناه مضموناً، لصار الشخص ممنوعاً عن السير، وهو مأذون به.
ـ فما أثارت الدابة بسنابكها من الغبار، أو الحصى الصغار، لا ضمان فيه، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه وهو أمر معتاد. وأما الحصى الكبار أو الغبار الزائد عن المعتاد فيجب الضمان فيهما؛ لأنه يمكن التحرز عن إثارتهما.
وكذلك يضمن الراكب إذا ركب دابة نزقة لا يؤثر بها كبح اللجام، لخروج ذلك عن المعتاد. ولو كبح الدابة باللجام، فنفحت (1) برجلها أو بذنبها، ومثله البول والروث واللعاب، فهو هَدر لا ضمان فيه لعموم البلوى به، ولأن الاحتراز عنه غير ممكن، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«الرِجْل جبار» (2) أي نفحها. فإن أوقفها صاحبها في الطريق، ضمن النفحة؛ لأنه يمكن التحرز عن الإيقاف والوقوف.
ـ ويضمن الراكب أو القائد أو السائق ما وطئت دابته بيد أو رجل أو رأس، أو كدمت (3)، أو صدمت بصدرها، أو خبطت بيدها؛ لأن الاحتراز عن ذلك ممكن؛ لأنه ليس من ضرورات السير في الطريق.
وهذا هو مذهب الشافعية، ويلاحظ أنه لا ضمان على الراكب عند المالكية في هذه الأحوال عملاً بحديث:«العجماء جرحها جبار» وفرق الحنابلة بين ما
(1) أي ضربت برجلها.
(2)
أخرجه أبو داود والدارقطني والنسائي من حديث أبي هريرة، ولكن تكلم الناس في هذا الحديث، وفيه ضعف (نصب الراية: 387/ 4).
(3)
الكدم: العض بأدنى الفم كما يكدم الحمار، وبابه ضرب ونصر.
جنت الدابة بيدها فيضمنه الراكب، وما جنت برجلها فلا ضمان عليه، عملاً بحديث:«الرِجْل جبار» (1) ومفهومه وجوب الضمان في جناية غير الرِجْل (2).
ـ ويضمن صاحب الدابة ما تتلفه بالوطء والصدم ونحوهما إذا أوقفها في الطريق العام أو المحجة (جادة الطريق) التي لم يؤذن فيها بالوقوف، أو على باب المسجد لأنه متعدٍ في الوقوف.
ـ ولكن لا ضمان عليه إذا أوقف الدابة في الأسواق أو الأماكن المخصصة من قبل السلطات للوقوف (أو المأذون بها من جهته كالمحطات الجانبية) أو في الفلاة؛ لأن الوقوف فيها مباح لعدم الإضرار بالناس. فإن كان راكباً عليها فوطئت إنساناً فقتلته يضمن؛ لأنه قتل بطريق المباشرة.
ـ ولا ضمان عليه أيضاً إذا أوقف الدابة أو سار بها أو ساقها أو قادها في ملكه الخاص، إلا ما تحدثه بالإيطاء برجلها أو بيدها، وهو راكبها، فيضمن ماتحدثه؛ لأنه تصرف في ملكه الخاص، فلا يتقيد تصرفه بشرط السلامة، أما الوطء فهو بمنزلة فعله لحصول الهلاك بثقله، ومن تعدى على الغير في دار نفسه، يضمن.
ـ والسائق والقائد والرديف كالراكب، إلا أن الفرق أن الراكب قاتل بوطء الدابة بثقله وفعله، أي أنه مباشر، وليس بمتسبب. والسائق ونحوه متسبب. فتجب الكفارة على الراكب في ملكه أو في غير ملكه دون السائق والقائد.
فإذا قاد الرجل قافلة (قطاراً) من الدواب، فما أوطأته دابته يكون ضامناً. وكذا إذا صدم إنساناً؛ لأن القائد مقرب للبهيمة إلى الجناية، وهذا مما يمكن الاحتراز عنه في الجملة، بأن يذود الناس عن الطريق.
(1) رواه سعيد بن منصور بإسناده عن هزيل بن شرحبيل، كما روي عن أبي هريرة.
(2)
المغني: 338/ 8 ومابعدها.