الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الجمهور (الشافعية في قول راجح والمالكية والحنابلة): يجب على عاقلته أيضاً، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه بعث إلى امرأة ذكرت بسوء، فأجهضت جنينها، فقال عمر لعلي: عزمت عليك ألا تبرح حتى تقسمها على قومك (1)، أي قريش، ولأن الحاكم جانٍ، فكان خطؤه على عاقلته كغيره.
وقال الحنفية (2): عقل (أي تعويض) خطأ الحاكم في بيت المال؛ لأن الخطأ يكثر في أحكامه واجتهاده، فإيجاب عقله على عاقلته مجحف بهم، ولأن الحاكم نائب عن الله تعالى في أحكامه وأفعاله، فكان أرش جنايته في مال الله سبحانه. وهذا هو رأي العز بن عبد السلام من الشافعية (3).
خامساً ـ من العاقلة، وهل تتحمل الدية في العصر الحاضر
؟ العاقلة: هي التي تتحمل العقل أي الدية، وسميت الدية عقلاً؛ لأنها تعقل الدماء من أن تسفك، أي تمسكه، ومنه سمي العقل؛ لأنه يمنع القبائح.
واختلف الفقهاء في تحديد العاقلة على ثلاثة مذاهب:
1 - قال الحنفية
(4): العاقلة: هم أهل الديوان (5)، إن كان القاتل من أهل
(1) رواه عبد الرزاق في مصنفه (نصب الراية: 398/ 4).
(2)
الدر المختار: 397/ 5، مجمع الضمانات للبغدادي: ص 172، نظرية الضمان للؤلف: ص 32 وما بعدها.
(3)
قواعد الأحكام: 165/ 2، نظرية الضمان للمؤلف: ص 336 وما بعدها.
(4)
الدر المختار 453/ 5 وما بعدها، البدائع: 255/ 7 وما بعدها، تبيين الحقائق: 177/ 6 ومابعدها، الكتاب مع اللباب: 178/ 3 وما بعدها.
(5)
الديوان: اسم للدفتر الذي يضبط فيه أسماء الجند وعددهم وعطاؤهم. وكان عمر أول من دون الدواوين في العرب. وكانت الدواوين السلطانية في عهد عمر أربعة أقسام: ديوان الجيش أو الجند، وديوان الخراج والجزية، وديوان الولاة، وديوان بيت المال (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 199، تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لابن جماعة: ص138).
الديوان، وهم الجيش أو العسكر الذين كتبت أساميهم في الديوان: وهو جريدة الحساب. أو هم المقاتلة من الرجال الأحرار البالغين العاقلين، أي أهل الرايات والألوية، تؤخذ من عطاياهم أو من أرزاقهم (1) لا من أصول أموالهم. بدليل فعل عمر رضي الله عنه، فإن الدية كانت على أهل النصرة، وكانت بأنواع: بالقرابة، والحلف، والولاء، والعقد، فلما دوَّن عمر الدواوين جعل العقل (الدية) على أهل الديوان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم (2).
وإن لم يكن القاتل من أهل الديوان، فعاقلته: قبيلته وأقاربه، وكل من يتناصر هو بهم؛ لأنه يستنصر بهم. فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسباً على ترتيب العصبات: الأقرب فالأقرب، فيقدم الإخوة ثم بنوهم، ثم الأعمام ثم بنوهم، وأما من لم يكن له عاقلة كاللقيط والحربي أو الذمي الذي أسلم فعاقلته بيت المال في ظاهر الرواية. والقاتل داخل مع العاقلة، فيكون ـ كما تقدم ـ فيما يؤدي مثل أحدهم؛ لأنه هو الجاني، فلا معنى لإخراجه، ومؤاخذة غيره، بل هو أولى بتحمل تبعة فعله.
ولا يدخل في العاقلة آباء القاتل وأبناؤه (3) ولا الأزواج؛ لأنه لا يتحقق بهم الكثرة، ولا النساء والصبيان والمجانين؛ لأن تحمل العاقلة تبرع بالإعانة، وهؤلاء ليسوا من أهل التبرع.
ولا تتحمل العاقلة جناية العبد، ولاالعمد، ولا ما لزم صلحاً ولا اعترافاً،
(1) العطاء: ما يعطى للجندي من بيت المال في السنة مرة أو مرتين، لا بقدر الحاجة، بل بصبره وعنائه في أمر الدين. والرزق: ما يفرض للجندي في بيت المال، بقدر الحاجة، في كل شهر، أو مياومة كالرواتب اليوم.
(2)
راجع نصب الراية: 398/ 4.
(3)
رد المحتار: 454/ 5، وقيل: يدخل الآباء والأبناء.