الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقوع في الجريمة، فأمر بالستر والحجاب ونهى عن الاختلاط والخلوة بالمرأة، وأمر بالتبكير في الزواج، ومنع كل وسائل الإغراء والفتنة، ووفر للإنسان حاجياته بتهيئة فرص العمل، وتكافل المجتمع عند العجز والتعطل ورغّب في العمل، وجعل التكافل سبيلاً للتوجه نحو العمل والإنتاج، لا الإبقاء في دائرة العوز والكسل والاعتماد على الآخرين.
الفرق بين الحدود والتعازير:
ذكر القرافي المالكي عشرة فروق بين الحدود والتعازير وهي ما يأتي (1):
1ً -
التقدير:
إن عقوبات الحدود والقصاص مقدرة مقدماً في الشرع للجرائم الموجبة لها، وليس للقاضي تقدير العقوبة بحسب ظروف المجرم أو ظروف الجريمة. أما عقوبات التعزير فمفوض تقديرها إلى القاضي، يختار العقوبة المناسبة بحسب ظروف المتهم وشخصيته وسوابقه ودرجة تأثره بالعقوبة، ودرجة ظروف الجريمة وأثرها في المجتمع.
لكن يلاحظ أن إعطاء هذه السلطة التقديرية للقاضي في التعزير مقيد بضوابط أهمها اختيار ما يراه مناسباً من العقوبات المشروعة في التعزير، للحالات التي تعرض عليه، وتعتبر من المعاصي. فضلاً عن أن القاضي المسلم يجب أن يكون في غاية العدالة والورع، وينبغي أن يكون عند المالكية والشافعية والحنابلة بالغاً رتبة الاجتهاد. وبه يتبين أن سلطته ليست تحكمية لا ضابط لها، أو ليس فيها ضمانات للمتهمين، أو أن المتهم قد يضار بها، حتى بخطأ القاضي أو بجهله، إن لم يكن بميله وظلمه (2). ومع ذلك فلا بأس بتقنين العقوبات واعتماد الدولة نظاماً
(1) الفروق: 177/ 4 - 183.
(2)
رسالة التعزير للدكتور عبد العزيز عامر: ص 50.
محدداً للجرائم والعقوبات التعزيرية، فإن أصل التفويض في تقدير التعزير هو للإمام أي رئيس الدولة إذا كان مجتهداً، وتصدى للقضاء، فإذا ناب عنه قضاة متخصصون، تقيدوا بما يقيدهم به من أنظمة وقواعد.
هذا وقد اتفق الفقهاء على عدم تحديد أقل التعزير، ولكنهم اختلفوا في تحديد أكثره، فقال المالكية: هو غير محدود، بدليل إجماع الصحابة على أن معن بن زائدة (1) زوركتاباً على عمر رضي الله عنه، ونقش خاتماً مثل خاتمه، فجلده مئة، فشفع فيه قوم، فقال: أذكروني الطعن، وكنت ناسياً، فجلده مئة أخرى، ثم جلده بعد ذلك مئة أخرى، ولأن الأصل مساواة العقوبات للجنايات، ولأن الخليفة عمر ابن عبد العزيز رحمه الله قال: تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور.
وقال أبو حنيفة: لا يجاوز بالتعزير أقل الحدود، وهو أربعون جلدة (حد العبد في الخمر والقذف) بل ينقص منه سوط واحد.
وللشافعي قولان: أصحهما كرأي أبي حنيفة. وسأوضحه في بحثه أيضاً، ودليلهم خبر في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلدوا فوق عشر، في غير حدود الله تعالى» (2) وقد أجيب عن هذا الحديث بسبب تقرير هؤلاء الفقهاء الزيادة على عشرة أسواط بأنه محمول على التأديب للمصالح، الصادر من غير الولاة كالسيد يضرب عبده، والزوج يضرب زوجته، والأب يضرب ولده. أو أن المراد به جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين والبهائم.
(1) يظهر أنه معن بن أوس، وهو غير معن المشهور بحلمه، وهوغير صحابي أيضاً.
(2)
رواه الجماعة إلا النسائي عن أبي بردة بلفظ: «لا يجلد فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى» (نيل الأوطار: 149/ 7).